مدير تربية تعز..رجل من أرشيف القرن العشرين
بقلم/ عبدالملك طاهر المخلافي
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 18 يوماً
الثلاثاء 17 سبتمبر-أيلول 2013 04:32 م

زفت إلينا وسائل الإعلام قبل أيام قليلة خبر صدور القرار الجمهوري رقم (179) لسنة (2013م) بتعيين مدير لمكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز. ومع أني لا أعرف الرجل ولا تربطني به أية صداقة أو خصومة على الإطلاق، وما أتمنى له إلا كل الخير والتوفيق والسداد في حياته. ولكن لا أخفي سراً بأن مثل هذا القرارات (الارتدادية) تستفزني بقوة، بل ولا تستفزني لوحدي بل تعد استفزازاً واستخفافاً بجيل كامل من الشباب المؤهل والتواق إلى التغيير والتجديد والتمكين في مختلف مجالات الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية. وفي تقييمي الشخصي أرى أن هذا القرار يعد واحداً من القرارات الارتدادية/ النكوصية المحبطة لعدة اعتبارات منها: 

أولاً: أن الشخص المعين أخيراً بموجب القرار الجمهوري حامل رقم (179) قد تقلد هذه المهمة (أي إدارة مكتب التربية في تعز) في مطلع الثمانينات من القرن العشرين المنصرم (تذكروا أننا حالياً في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين)، حينها كنا تلاميذ في الصفوف الأساسية، ثم بعد ذلك تولى وكالة وزارة التربية والتعليم لقطاع المناهج، وهو كما سمعت رجل تربوي قدير وقديم، ولكن أن يعود شخص ما إلى ذات المنصب الإداري بعد ثلث قرن من الزمان، فهذا من وجهة نظري أمر غير مستساغ، ولا يستوعبه العقل السوي ويمثل تحدياً لمنطق التغيير والتجديد وقانون التعاقب بين الأجيال المختلفة المناط بها التشارك في إدارة شئون البلد الواحد.

ثانياً: نحن نعيش في هذه المرحلة مناخات ثورة تغيير واسعة النطاق فجرها جيل الشباب اليمني، ويفترض أن تكون شاملة لكل مناحي حياتنا السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية الخ، ولا بد في إطارها من التوجه الحقيقي نحو تمكين قطاع الشباب من إدارة الشأن العام واتخاذ القرارات المطلوبة، ومن هنا وبدلاً من البحث في الأرشيف البائد عن كهل متقاعد فقد صلاحيته العلمية والعملية وتجاوز عمره عتبة الستين- مع يقيني أن الرجل المعين وإن كان يلهث وراء مناصب عليا، لم يدر في خلده يوماً أن يعود إلى هذا المنصب التربوي بالذات- لماذا لا تسند إدارة مكتب تربية تعز لواحد من الشباب المؤهلين المتخصصين في مجال التربية والتعليم وهم كُثر .. بدلاً عن ذلك، ولماذا نخاف من الجيل الجديد (لا أقصد الشباب الغر المتهور فاقد الرؤية والبصيرة وإنما الشباب الناضج ذي الأربعين عام فأعلى الذين يحملون مؤهلات عليا في ذات المجال)؟ لماذا لا نعد صف ثاني من القادة الإداريين ونمكنهم ونبعث فيهم روح الريادة والنجاح. في هذا الموضوع يبدو أن المعايير السياسية والشخصية (الخُبرة بضم الخاء وليس الخبرة بكسر الخاء على رأي الدكتور المتوكل)، كانت الحامل الرئيسي لهذا القرار الارتدادي.

ثالثاً: إننا في مرحلة التغيير والتصحيح والانسلاخ عن العهد السابق الذي تورط فيه معظم القيادات الإدارية بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مخالفات مالية وإدارية عديدة، وربما يكون من ضمنها هذا الرجل المعين والذي أقيل - كما أشيع حينها - بقرار من الملحقية الثقافية في الهند إثر احتجاجات طلابية قوية. صحيح أن الوظائف القيادية في الأجهزة الحكومية تخضع خصوصاً في هذه المرحلة بالذات لعملية محاصصة دقيقة بين الأحزاب السياسية والقوى والأطراف الاجتماعية المؤثرة في القرار العام، ولا غرابة في ذلك، فهذا شيء طبيعي ويمارس وفق معايير العمل السياسي والتمثيل البيروقراطي حتى في الدول الديمقراطية والمتقدمة، بل ويحثون غالباً على العمل به، وحجتهم المنطقية في ذلك أن يكون الجهاز البيروقراطي حاضناً لكافة أطياف وفئات ومكونات المجتمع، ومن ثم تحظى الحكومة بالقبول والشرعية الكافية التي تمكنها من تبني ورسم سياسات وقرارات يرضى عنها الجميع. وفق هذه المعايير لا نرى مانعاً من أن يرشح الحزب الذي تقع محافظة تعز أو غيرها ضمن حصته، واحداً من كوادره المؤهلة والمحترفة والنزيهة لهذا المنصب بدلاً من البحث في أرشيف القرن العشرين عن شخصية بائدة لم تعد تعي مقتضيات العصر ومتطلباته.

يا جماعة ... القرن الواحد والعشرين ذو وجه آخر يختلف في ملامحه علمياً وتربوياً عن وجه القرن العشرين المنصرم، فنحن نعيش في ظل القرن الجديد ثورة المعلومات والانفجار المعرفي، ومن ثم فنحن بحاجة لقادة تربويين قادرين على استشعار روح العصر واستيعاب متغيراته وتحدياته المختلفة، قادة مزودين ومرتبطين بالعلوم والتكنولوجيا بشكل مباشر، ولديهم القدرة على توظيف كل النظريات الحديثة في مجال التعليم والتدريب والتنمية البشرية للارتقاء بالوضع التعليمي في البلد، قادة قادرين على الاستفادة من التقنية الحديثة وإدماجها في المناهج العلمية وفي البيئة التعليمية، والسعي لربط المدرسة والمدرس والطالب بشبكة الانترنت وبمجتمعات المعرفة، وحث المدرسين والطلاب وتشجيعهم على استخدام أحدث مخرجات التقنية في كل جوانب العملية التربوية والتعليمية وفي البحث العلمي والتعلم الذاتي.

نحن في تقديري لم نعد نفتقر للكفاءات، فلدينا رتل طويل من الكوادر التي تحمل الشهادات العليا في مختلف الفروع والمسارات والتخصصات التربوية، ومنها من يعملون كأساتذة وباحثين وقيادات جامعية مبرزة.

ختاماً كنت ولا زلت أعتقد أن الرئيس هادي بحاجة إلى جهاز صغير في مكتبه يناط به فحص ملفات القيادات الإدارية المرشحة من أي طرف سياسي أو جهة حكومية، وذلك من عدة زوايا: (نظافة يدها وخلو سجلها من ممارسة الفساد، خبراتها المتراكمة، إسهاماتها الباهرة في مجال عملها، التدريب والتأهيل الذي تلقته، شهادات التقدير التي حصلت عليها)، وليسمى مثل هذا الجهاز جهاز (حماية وصيانة مبادئ الكفاءة الجدارة)، وكما هو معمول به في الولايات المتحدة.