القلم وثقافة الوأد..!!
بقلم/ كاتب/رداد السلامي
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً
الخميس 22 يناير-كانون الثاني 2009 08:43 ممغفل من يظن أن بمقدوره دفن كاتب أو قلم ، وأنه يستطيع أن يئد أفكار مفكر أو سياسي أو أديب، ومغفل من يظن ذاته بمنأى عن النقد إذا ما تصدر منصبا عاما ، أو مارس ما يخل بالحق العام والخاص، أو تخطى بعفوية حدوده المرسومة والمحكومة بالقانون والدستور .
في كثير من الأحيان بتوهم الواهمون هنا في اليمن وما أكثرهم أنهم يستطيعون تغييب الكاتب وحجبه تماما كما تحجب السلطة المواقع الالكترونية التي تعريها أو تكشف أداءها المختل.
لكن أيضا في اليمن تتفشى ظاهرة حجب الكتاب ووئد القلم ، فما أن تجد أنك ككاتب بدأت بنحت ذاتك في قلب الحضور ووعي الناس حتى ينتاب ذوي المنابر الإعلامية إحساس بأنك زاحمت وجودهم وأتيت على رتابة التفكير المنغلق لديهم ، وأنك نحت من مكانتهم وأصبت رصيدهم الجماهيري بالخواء والعطل ، وهو إحساس قاتل بالنسبة للبعض لأنه ظل وقتا طويلا يظن ذاته فريدا مستبعدا أن الحياة الوطنية تلقي بدفق جديد من الأقلام وتخترع من صلب واقعها أبدع الكتاب الذين يمثلون صنيع حاجتها المتجددة .
في اليمن وحدها تتفشى ثقافة الدفن وتتأبد لعنة الجاهلية العربية الأولى الوائدة لبنيات الأفكار ومنابتها المضيئة ، فإذا بك ككاتب تجد ذات محاصرا تكابد ميراث العزل الطويل لوطن معزول عن منابع الضوء ومنابت الجمال الذي يمكن أن يعيد لملامحه الذاوية بهجة الحياة وألق التحدي لتحقيق أحلامه المؤودة تحت سنابك خيل المؤتمر الحاكم .
كثيرا ما تعاني من الحجب بلا سبب وكثيرا ما تبحث عن الأسباب ، لكنك تحاصر بالصمت المثير الذي يدعك نهشا لتساؤلات لا تتجاوز محراب علامة الاستفهام والتعجب "؟!"، تقف مندهشا وتفكر ثم تفكر وتقدر لكنك ليس كالوليد ابن المغيرة تسيء التقدير ، فكذو عقل وقلم تجيد فن التقدير ، فإذا بك تلتمس العذر وتعاتب الذات وتراجع القلم لترى هل كتبت ما يتجاوز الحقيقة والأدب أم أن ثقافة الخطوط الحمراء ما زلت تهيمن على عقول لم تعد تجيد التمييز بين اللون الأحمر والأسود والأبيض ، ما أكثر خطوطنا الحمراء إنها تحاصرنا في كل ردهات الكتابة تتربص بنا في كل معابر الحرف ودروب القلم ، تهيمن على مساحات أوراقنا البيضاء الشاسعة لتضرجها بلون حمرتها المخيفة ، فإذا بنا غير قادرون على الكتابة بحرية ، لكنه التحدي التحدي الذي يدفعنا إلى سحق المخاوف وهتك أسلاكهم الحمراء الشائكة وتلوين فضاءاتنا ببياض الحقائق ، الرئيس وابنه ليسا خطين أحمرين وأبناء الأحمر ليسوا خطوطا حمراء وذوي الفتاوى ذات البلاوي ليسو كذلك، وكل هذا الركام الحاكم من قوى الفيد والغنمية، ليسوا خطوطا حمراء ، إنهم أس البلاء وأس الفوضى وهتًّاك أعذب آمالنا المنغومة من أعماقنا الحالمة ، المسكونة بنا والمسكونين بها أوطانا دفنوها بإصرارهم العنيد على أن تشرق شمسها ويرى لها الوطن نورا .
أن يباد وطن في معمعة الصراع على ثرواته أن يقصى شعب من حق الحياة بكرامة ، أن تصادر أرزاقنا ، أن يحكمنا :جرابيع" البيع الرخيص عبيدا في أسواق نخاسة الفقر والغلاء المدقع ، أن يستغل ميراثنا المتقاتل في إنتاج قتل آخر فتلك جرائم لن يوقفها إلا أن نعري صناع تجار الحروب والجماجم بأسنة أقلامنا وفضح وجودهم المدمر المصبوغ بدم شعبٍ أشبعوه ذلا، وجوعا، وعراء، وتعريٍ على أرصفة البطالة وحرقا على حدود الشتات.