تبلد يمني!!
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 29 يوماً
الإثنين 28 سبتمبر-أيلول 2009 08:14 م

ما إن ينقطع التيار الكهربائي في أي مدينة من مدن اليمن وتغوص في بحر من الظلام حتى تتعالى الأصوات خلف جدران المنازل ومن بين الأزقة و الشوارع و المحلات وبنبرة تذمر وتبرم وغضب هااااااااااااااااااااااي !!!...

ثم ... يشرع صاحب المحل في تشغيل المولد الكهربائي .. وربات البيوت وساكينها بإشعال الشموع أو الفوانيس الصينية السحرية ، ويشعل المدخنون وحدهم ولاعاتهم لتعبر بهم الأزقة المظلمة.. ثم يستمر الإنتظار لساعات حسب ما يجود به مخرج مسلسل ( طفي لصي ) الذي يعاد بثه كل يوم عدة مرات وفي أي زمن دون تحديد لا حسب توقيت جرينيتش ولا مكة ولا حتى توقيت حارة مسيك ...

وبعد إنقضاء فترة بث الظلام ترتفع الأصوات جذلى فرحة هاااااااااااااااااي !!! فلقد عاد النور الى لمبات النيون في الحارة ... وتسمع هااااااااااااااااي التذمر في حارة آخرى ...

وهكذا يستمر اليمنيون في صراخهم بين غضب الإنقطاع وفرحة العودة في صورة توحي بتبلد الأحاسيس والمشاعر ليس لها مثيل ولن تنقشع حتى لو قطعت الكهرباء تماما ونهائيا فسيمضي الجميع أوقاتهم بين محل يبيع المولدات وآخر يبيع الشمع والفوانيس وكل ما قد يتغير هو أنهم سيتوقفون عن صراخهم اليومي الذي يتجاوز عدد هتافات المآذن ...

ترد التصريحات من وزارة الكهرباء للمواطنين مبشرة إياهم :

ستنتهي أزمة الكهرباء شهر سبعة ، شهر ثمانية ، معليش ستنتهي شهر تسعة ، عفوا شهر عشرة ، السنة القادمة بإذن ولكن تنتهي فاللصوص يتكاثرون كالحشائش في موسم الأمطار ولكن المواطن يصدق ببلاهة وسذاجة وتبلد عجيب ... وقد لاحظت بنفسي كيف صدقوا حكاية إنتهاء الإنقطاعات شهر سبعة ... وقل مثله عن وعود حل أزمة الغاز ...

إنه تبلد المشاعر اليمنية الفريد الذي يدفعهم للتصديق للمرة المليون...

يقود اليمني سيارته ملتزما بجميع قواعد السلامة المرورية ومنها ربط الحزام الذي يعد أعجوبة في اليمن ... ويكون مستعجلا ولا أقول مسرعا ..

يعترض طريقه عسكري مرور وبحركة مسرحية سريعة ومباغتة يوقفه ويبدأ بقائمة الطلبات هات الرخصة.. اتفضل ... هات الملكية ..اتفضل.... هات البطاقة الشخصية... اتفضل... هات الجواز.... اتفضل... شهادة الوفاة شهادة حسن سيرة وسلوك شهادة تسنين بصيرة البيت وفي الأخير هات حق القات وهي الخلاصة المفيدة ... اتفضل ... يعرف السائق أن العسكري أخذها دون وجه حق لكنه خاضع ومذعن وأسير استعجاله ولا يدري أن السرعة مهما بلغت لا يمكن للإنسان أن يتجاوز بها مطب تبلد المشاعر الفريد الذي يسمح للآخرين بإبتزازه ...

تقف الجموع في طوابير خلف شباك الجوازات في المنفذ الحدودي البري ( الطوال) وما إن يلتقط الموظف جواز المسافر حتى يرمقه بنظراته وينبهه (خمسة ريال حق الختم ) .. الجميع يعرف أنها غير رسمية ومع ذلك يتساءل بعضهم وبلكنة هادئة مستكينة متخاذلة ساذجة \\\" ضروري ياخي \\\"؟؟ وما إن يحدج الموظف المسافر بنظرة قاسية حتى يكون قد سحب المبلغ من جييبه أو حافظة نقوده ومدها للموظف وتبعه الطابور الغفير في حالة خضوع جماعية غير مسبوقة لا تسمع معها صوت معترض أو همس متذمر أو تكشيرة رافض ... إنه تبلد المشاعر اليمنية الفريد ...

يأتي موسم العودة للمدارس فيبدأ المدراء بطلب الرسوم المختلفة تسجيل ، كتب ، امتحانات، انشطة و و و .. ومع كل طلب يحمله الطالب لأبيه يصرخ في وجهه وكأنه هو من يقوم بالجباية ( قتلتونا بالرسوم كل يوم فلوس فلوس كم بايكون جهدي ) ويرسل بالمبلغ مع إبنه الباكي .. ولكن لا يكلف نفسه عناء الذهاب لمدير المدرسة لمعرفة مصير بعض هذه الرسوم التي يعرف أنها غير قانونية ،، فإذا جاءت الإمتحانات أذعن الجميع للجان الغش التي تسمى لجان مراقبة ولا أدري ماذا تراقب وهي المسؤولة عن الغش في كل مراكز اليمن الإمتحانية إلا إذا كان دورهم هو مراقبة الطلاب النزيهيين ؟ الذين ليس لهم وجود طبعا !!!

يتم الجباية من الجميع وحتى إذا كان الطالب غاية في التميز ولن يقدم على الغش إلا أنه يبادر الى دفع مبالغ اللجنة وهو مغيب العقل متناسي ذكاءه وسهر لياليه في حالة تبلد مشاعر يمنية فريدة فرضتها عليه ما سيواجهه من لوم الجميع إن هو رفض ..

يدخل المريض على الطبيب وهو يشكو من صداع خفيف يطلب منه أشعة سينية فيحضرها مقطعية يتسلف ويقوم بها مغناطيسية يبيع البقرة والثور والغنمة ويعملها يطلب منه فحص كل سوائل ومعادن وانزيمات وهرمونات وسكر واملاح ودقيق ومخرجات ومدخلات الجسم فيقدمها ..

يفعل ذلك وهو مدرك ان الدكتور ينصب عليه لكن لا يجرؤ على التساؤل وطلب التوضيح فمرضه الحقيقي هو تبلد المشاعر اليمنية المزمن ...

ترتفع اسعار المشتقات النفطية ويشح وجودها في محطات التزود بالوقود ويكون الرد اليمني المتبلد هو الوقوف في السرا وانتظار الدور في مشهد متقن لتبلد المشاعر اليمنية الفريد

ترتفع اسعار المواد التموينية 100% و 200% و 300% ومليون في المئة ... ولكن يستمر اليمني في الذهاب الى السوق وقد جمع ريال من هنا وريال من هناك واشترى ما يعيش به هو وأولاده بعد أن يقتطع منه ثمن عشب البلادة اليمنية الفريد...

يعتلي الرئيس المنصة يعد بتوليد الطاقة الكهربائية نوويا ، بالرياح ، بالبخار ، بالغاز المسال ، بالهندل ، بالكذب ، بأي حاجة ... يعلو صوته وهو يعد بإنشاء السكة الحديد وشق الطرقات وإنشاء المدارس والمعاهد والجامعات ، يروي سكان تعز العطاشى يحول تهامة مروجا وأنهارا يحرر المنطقة الحرة في عدن يطور مارب وشبوة والمهرة وجزيرة سقطرى وجزر القمر وجزر واق الواق... يقسم أنه سيكافح الفساد وسيقضي على البطالة وسينفي الفقر يدحر الملاريا وحمى الضنك وانفلونز الخنازير وسيعمم الصحة للجميع عام الفين ..

يبشر بأنه إقتحم صعدة كل يوم خمس مرات وطهر سفيان سبع مرات احداهن بالتراب يتوعد بأن يدمر الارهاب يفصل الانفصاليين ويقضي على ( القاعدة ) وذي السفال وريمة ومودية ..

يظهر وهو يؤكد أن واجبه هو نشر الديمقراطية والحرية والمساواة ونشر كل حاجة ...

والشعب فاغر فاهه يصفق ويهتف في حالة تبلد مشاعر يمنية فريدة ...

يتكرر الخطاب سنويا والشعب يصفق يتكرر شهريا والشعب يصفق يتكرر اسبوعيا والشعب يصفق يتكرر يوميا والشعب يصفق يتكرر مع كل نشرة أخبار برضه الشعب يصفق ...

حالة تبلد مشاعر عجيبة ...

ظهرت القاعدة ظهر الانفصال ظهر الحوثيون ظهر التقطع غاب الامن اضطرب الاستقرار زاد الغلاء شاع الخوف

خربت البلد والشعب في حالة تبلد مشاعر يمنية فريدة تقودهم الى صناديق الأقتراع ليقولوا ما لنا إلا علي ويعودون الى بيوتهم ليشتموه ...

بعد كل ما قلناه سيأتي قراء ليكيلوا التهم للكاتب ويلقون عليه أقذع الشتائم ... كيف يتحدث هكذا ويتعرض لرئيس الجمهورية والبلد تخوض حربا شرسه في صعدة وأنه يجب أن لا تلهينا أي قضية عن قضية الحرب المقدسة هذه ..

ألم أقل لكم حالة تبلد يمنية فريدة .. وإلا ما الضير من تناول قضايا اليمن الأخرى حتى في وقت الحرب طالما أن المشكلة هي في النظام الفاسد و في الشعب الذي تبعث ردود أفعاله تجاهها على التعجب ...