ماذا شاهدنا؟ وماذا تعلمنا من الزلزال؟.. الحلقة الأولى
بقلم/ يحي عبد الرقيب الجبيحي
نشر منذ: سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الجمعة 03 مارس - آذار 2023 04:46 م

(( سل "يلْدَزا" ذات القصور هَل جَاءَها.. نبأَ البُدور؟ لـــو تستطيــع إجـــابةً لبكتك بالدمــع الغزيز ذهب الجَميع فلا القصو رِ تُرى ولا أهل القُصُور!)) أحمد شوقي.. من قصيدة له يرثي بها آخر سلاطين الدولة العثمانية. "أنطاكيا.. مدينة جميلة.. انتهت.. لم تَعُد موجودة!" هكذا قالت سيدة تركية.. كانت تبكي قُرب منزلها شِبه المُهدم، جراء الزلزال الذي ضرب مدينتها.. وذلك ما قرأته بصحيفة: (الشرق الأوسط) بعددها الصادر يوم 12 فبراير 2023م. بداية.. ومن باب التذكير.. أود نقل بعض ما شاهده معظم المتابعين لكارثة الزلزال، مُبَاشَرة.. وذلك من خلال متابعة بعض أهم "الفضائيات" التي تواجدت بنفس الأمكنة التي ضربها الزلزال منذُ يوم الاثنين 6 فبراير وحتى يوم الاثنين 27 فبراير نقل بعض ما تقوم به فرق البحث والإنقاذ على مدار الساعة عبر الكلمة.. إضافة إلى تغطية ونقل بعض الوسائل الإعلامية وبعض الوكالات الإخبارية العربية والأجنبية الأُخرى. لنتأمل جيداً بعض المَشَاهِد ومن خلال الصور الفَظِيعة التي ظل معظمنا يُشَاهدها منذ وقوع الزلزال وحتى يوم 27 فبراير والتي ستظل عالقة في وجدان وشعور كل مُشَاهِد..

مع ما يصاحب بعض الصور والتغطيات الإخبارية من مُقابلات مع بعض الناجين من الزلزال ومن كلمات وأقوال محزنة.. بجانب سماع أصوات تُنادي من ينقذها ممن كانوا لا يزالون عالقين.. كما تابع بعضنا! إضافة إلى نجاة بعض الأطفال الرُّضع وبعض كبار السن رغم مرور بضعة أيام من بقائهم تحت الركام.. وما يمثل ذلك من قُدُرات وَمُعجزات إلهية.. وبصورة يعجز الوصف عن وصفها.. فلننقُل بعض تلك المشاهد التي لا تخُطِئُها العين والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر..

إخراج ثلاث أشخاص أحياء بينهم طفل من تحت الانقاذ.. بعد أن أمضوا (296) ساعة تحت الركام!. إنقاذ طفل في مدينة (إدمان) التركية بعد قضاء (207) ساعة تحت الأنقاض. إنقاذ رجل يبلغ من العمر 77 سنة بنفس مدينة: (إدمان) جنوبي تركيا بعد قضاء (212) ساعة تحت الأنقاض! إنقاذ رضيع بعد مرور (140) ساعة من وقوع الزلزال. إنقاذ طفلة عمرها (4) أعوام بعد مرور أسبوع من وقوع الزلزال. إنقاذ طفل رضيع عمره عشرة أيام.. بعد قضاء نصف عمره وحيداً تحت الأنقاض! (الجزيرة). • (تخيلوا أكثر من أربعة أيام في أسفل ركام من خرسانة وإسمنت وتراب.. وهو طفل يحتاج في هذا العمر إلى عناية كاملة ورضاعة كل ساعة؟! كيف يمكن تفسير مرور تلك الأيام على هذا الطفل الذي ظل حَياً حتى تم إنقاذه؟!!) انتشال طفل وأخُته أحياء من بين الأنقاض بعد مرور أُسبوع من وقوع الزلزال.

إنقاذ امرأة وابنها بعد (160) ساعة وهم تحت الأنقاض إنقاذ فتاة في العاشرة من العمر في إقليم (كهرمان مرعش) بعد: (172) ساعة وهي تحت الأنقاض؟! مشهد لإنقاذ طفلة حية، وهي بِحضن أُمها المَيتة!!. مشهد لزوج وزوجة أحياء وهما يُشاهدان منزلهما المُدمر بكل حسرة. مشهد لامرأة تبكي فراق زوجها وبعض أبنائها بعد تأكدها من وفاتهم.. وتظل هي الأخرى وحيدة وقد كتب الله لها الحياة تجلس في ظل البرد القارس مقابل ركام منزلها الذي قضى بعض أفراد من عائلتها تحته! مشاهدة ناجي وهو يحتضن سجادة الصلاة.. ليتذكر والدته التي قضت تحت الأنقاض والتي كانت تصَلّي على تلك السجادة! حسب تصريحه لإحدى الفضائيات.

مُشَاهَدة من احتمى بالسقوف.. والذي احتمى بالجِدران.. وفي الأخير كلاهما ماتا – رحمهما الله. مَشَاهد بعض الناجين ممن قالوا أنهم ظلوا يسمعون أصوات واستغاثة بعض العالقين وهم تحت الأنقاض مَشَاهد لبعض من اتخذ من مُقابل منزله المُهدم مكاناً للنواح.. وسماع من يحكي منهم لبعض "الفضائيات" عن سماعه لبعض الأصوات العالية التي ظل يسمعها من شدة قوة الزلزال الذي كان هو الأكثر رُعباً حسب تعبيره! مَشْهَد لطفلة.. كانت تتحرك بصعوبة أثناء عملية إنقاذها وإلى درجة أن المصور كان يبكي ألماً وفرحاً معاً وبآن واحد.. ثم يسألها.. هل بإمكانها تحريك قدميها؟! مَشَاهد لعشرات بل لمئات من الضحايا.. وقد تم تكفينهم ثم وضعهم بمقابر جماعية؟! مُشَاهَدة بعض الناجين وهم يُولوا هاربين بحثاً عن ملاذ آمن! سماع نداءات استغاثة وَحُب للحياة من تحت الأنقاض! مَشَاهد لصور عمارات ومساكن ومنازل باتت رُكاماً بل والتقاط صور لبعضها والزلزال يهدمها مباشرة! مُشَاهَدة بعض المستشفيات والمستوصفات وقد امتلأت بالقتلى.. والجرحى والذين يُسمع أنينهم المتواصل وهم يُعانون من الجروح والإعاقة.. مُشَاهَدات لمطارات وَجُسُور وطرق.. وغيرها وهي مدمرة أرواح ذهبت وهي نائمة.. وأُخرى.. ربما كانت تتناول طعام العشاء أو تقضي وقتاً في مشاهدة بعض الفضائيات أو تقرأ قرآن أو كتاب أو تصلي أو.. أو.. أو.. وكلها قضت تحت الركام وخلفت أيتاماً وأرامل وغيرهما!! وَجُلها مَشَاهد تكسر القلب وتدمي العين!

اكتفي بنقل ما رأيتُ نقله من مئات المشاهد والصور.. والتي شاهدها بعضنا مباشرة على الهواء.. يا إلهي.. ما أصعب الكتابة عن مُشَاهَدة تلك المَشَاهِد المُؤلِمة.. حيث آلاف القتلى والجرحى، ومشاهدة الدمار الهائل.. من انتهاء أحياء وشوارع وقرى بكل ما ومن فيها.. وسماع أصوات بعض الناجين وهم يُعانون من الجروح والأنين الذي يدمي القلوب.. بجانب الكتابة على بعض المناظر المؤلمة التي تتغلب فيها العاطفة على العقل أحيانا!.. فإذا كان الموت قد يأتي بِمرض أو بصورة مفاجئة أو قد يأتي قتلاً أو غرقاً أو برصاصة أو بقذيفة أو بطائرة أو بغير ذلك.. إذ لا بد من الموت إلا أن ذلك قد يكون أهون من أن يأتي جماعياً وتحت أنقاض ركام في كل موضع قدم! وفي النهاية هو الموت أيا كانت الطريقة التي أرادها الخالق لنهاية المخلوق!!. إنها نكبة بلا حدود.. والتي وقعت من خلال زلزال مدمر لم يستمر عدى دقيقتين فقط!! ليأتي زلزال مُدمر آخر بعد مرور تسع ساعات من وقوع الأول..

وعلى بُعد ستين ميلاً منه.. وليجبر الملايين ممن سَلِمُوا من الأول وهربوا منه إلى مُشَاهدة وَرعب وألم الثاني!!.. وذلك ما يُؤكد أن (تركيا) العزيزة.. هي أُم الزلازل – إن صح التعبير – فقد شهدت خمسين هزة قوية خلال قرن واحد.. وإن كان هذا الزلزال الأخير لم يحدث مثله منذ قرون.. فهو أيضاً أكبر من زلزال عام 1999م الذي دمر جزء من مدينة: (مرمرة) وخلف أكثر من 17,000 ألف قتيلاً!. الآن وبعد مرور ثلاثة أسابيع من وقوع النكبة، وبعد أن خفتت الأصوات.. وبدأت محاولة تجاوز الأحزان لابد من تذكير رِجال وفِرق البحث والإنقاذ، والذين أظهروا شجاعة استثنائية حينما ظلوا يبحثون عن أحياء.. أو ينتشلون جُثث.. أو حينما كانوا يسترقون السمع أملاً في سماع من يتطلع إلى إنقاذه مما هو فيه.. فيلقي بعضهم بأنفسهم بين الركام لهدف إنقاذ روح أو أرواح دون الحرص على ما قد يتعرضون له من مصير.. وهو ما قد حصل لعدد منهم!! ودون المبالاة بالإرهاق الشديد الذي ظل يظهر على بعضهم عَبر المُشَاهَدة! لا بد من تذكير هؤلاء ومعظمهم أتراك وبعضاً منهم عَرَباً وعجماً!! رسميون ومتطوعون..

كما لا بد من تذكير رجال الصحافة والإعلام عامة.. والمصورون منهم خاصة، ممن قاموا بتغطية الكارثة عبر الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية.. والذين من خلالهم عشنا نحن المشاهدين مدى هول ما شاهدناه! ومعظمهم ممن ظلوا يصورون المشاهد المحزنة والمؤلمة.. فظلوا متماسكين.. وإن خان المشهد بعضاً منهم ممن خانته قدرته العاطفية والنفسية من عدم التماسك المهني أحياناً! لكنهم جميعاً سجلوا شجاعة نادرة.. وسيظل بعضاً مما قاموا بتغطيته في وجدانهم وشعورهم أثناء وبعد عودتهم إلى أوطانهم ومكاتبهم ومعهم أشرطة الدماء والدمار!!. ودون أن أنسى كيمني ما قام به بعض اليمنيين المقيمين بتركيا من دور مادي ومعنوي نحو أشقائهم الأتراك المتضررين من الزلزال وبحسب قدراتهم، وهو ما يجسد وحدة العقيدة والقيم والمُثُل.. وفي المقدمة سفير اليمن بتركيا – محمد صالح طريق – الذي ظل حاضراً من خلال متابعاته الشخصية لوضع بعض اليمنيين بالذات ممن تواجدوا بمناطق الزلزال واستشهد بعضهم.. وزيارته لأُسر وأقارب الشهداء.. بل كم أسعد أمثالي مشهد السفير وهو يحتضن طفلة الشهيد/ برهان العليمي، الذي قضى بالزلزال..

مع أن ما قام به إنما يُعد أداء لمهامه الوظيفية والتي أحسب عدم تكرارها ببعض إن لم يكن بمعظم أداء معظم سفراء (الشرعية) مع الفارق؟!! الآن.. ها هي الحياة بدأت تعود تدريجياً.. بعد زيارة زلزال لبضع دقائق أو ثوان لبعض المناطق.. ثم ليذهب بعد أن ترك جيشاً من الجُثث وأُخرى من الجرحى والمُعاقين.. وبعد أن فرض حضوره على اهتمام العالم وعلى بعض "الفضائيات" دون رغبة منه.. وَعَزَل بعض الأتراك والسوريين عن هذا العالم الصَّاخِب لأيام!. ها هي الحياة بدأت تعود تدريجياً في المناطق المنكوبة التي فقدت قرابة خمسين ألف قتيل وقرابة مائة وخمسة عشر ألفاً من الجرحى والمعاقين.. حتى درجة الحرارة بدأت في الارتفاع ببعض الولايات التركية التي عانت من الثلوج، والتي بسبب ذلك عمقت من آثار كارثة الزلزال!! ورغم حجم كارثة ما حدث.. إلا أن المعاناة ظلت مُستمرة.. فها هي إدارة الطوارئ والكوارث التركية تنقل خبراً عاجلاً مساء الاثنين 20 فبراير.. عن وقوع زلزال بقوة 6,4 يضرب ولاية (هاتاي) جنوبي تركيا ثم.. هزة أرضية بقوة 6,3 في: (أنطاكيا) التركية.. وهزة أرضية بقوة 6,5 تضرب تركيا وسوريا معاً!! مما أدى إلى انهيار بعض مباني في (أنطاكيا).. إلى غير ذلك مما نقلته بعض (الفضائيات) التي بقدر خدمة الخبر والحدث بقدر خلق المزيد من الخوف والهلع.. وهو ما يؤكد الجوانب العلمية الجيولوجية التي تعاني منها بعض المناطق التركية من حتمية وقوع الزلازل والبراكين والتي هي قبل وبعد حدوثها لا بد أن تحدث بمشيئة الله وحده..

ولأن الشعب التركي شعب مسلم وواثق من قدرة الله وحده فإنه رغم استمرار حدوث بعض الزلازل وَرُغم حدوث أكثر من ستة آلاف هزة ارتدادية ضربت جنوبي تركيا منذ بداية الزلزال.. وإن لم يشعر بها معظم المواطنين، ورغم استمرار الهلع من خلال نشر توقعات وتحذيرات من زلزال رهيب قد يضرب مدينة: (إسطنبول) أكبر المدن التركية والتي يقطنها أكثر من ستة عشر مليوناً!. إلا أن الحياة.. لا بد أن تستمر وأن تعود إلى سابق عهدها ولو تدريجياً.. والتي ظهرت من خلال تأقلم مَن امتدت بهم الحياة ولو في مدن (الخيام) وضرورة توطين أنفسهم على الحياة الجديدة!!. فالدنيا.. فرح وحزن.. سعادة وشقاء.. غِنَى وفقر.. والسرور والفرح لا يدومان.. وما تحدث من مصاعب ومِحن أكانت من خلال (زلزال) أو غيره، لا داعي لكثرة الحزن عليها كون الحُزن لا يعيد شيئاً مما ذهب.. "فما يدوم سرورٌ ما سُررت به ولا يرد عليك الفائت الحَزَنُ" ولأن تركيا إحدى دول منطقة (الشرق الأوسط) ومع قربها من بعض دول أوُروبا فإن ذلك لا يعفيها من أخذ نصيبها من بعض الزلازل غير الطبيعية التي تحدث بالمنطقة منذ القرن المُنصرم مع الفارق الكبير.. وتحديداً منذ وصول قنبلة بشرية مُقيتة أوصلتها طائرة فرنسية عام 1979م إلى إيران.. ممثلة بالهالك "خُميني" الذي بدأ بنشر الزلازل والبراكين بمعظم دول المنطقة.. بِدءاً بزلزال الحرب العراقية – الإيرانية التي ذهب ضحيتها ملايين البشر.. مروراً بزلزال غلطة (صدام حسين) التاريخية عند قيامه باحتلال الكويت ثم زلزال الاحتلال الأمريكي للعراق الذي أحسبه أشد هولاً من زلزال تركيا.. كونه بَعثر بخرائط المنطقة وأذهب ببعض التوازنات التاريخية التي ظلت شِبه مَحمية للعرب من الفُرس على الأقل؟!!

حتى استشهاد (صدام حسين) رحمه الله كان هو الآخر بِمَثَابة زلزال!! إلى غير ذلك من الزلازل التي مُنيت بها منطقتنا المنحوسة!. لكن الفارق بين زَلازل العرب وَزِلْزَال الأتراك.. فارقاً كبيراً.. ذلك أن زَلازل العرب.. بعضها من صِنَاعة الفُرس استغلالاً لبعض العَرَب!! وبعضها من صناعة بعض السياسيين العرب!! ولو كان العَقل والانتماء الحق للعقيدة والوطن حاضران.. لما حدثت تلك الزلازل.. او لما حدث بَعضُها!.. ولكان وضع العرب غير الوضع القائِم اليوم!. بينما زلازل.. أو زلزال تركيا.. يستحيل منع وُقُوعها! وهو لعمري.. فارق كبير بين هذا وذاك!!. والسُّؤال هُنَا.. ما الذي قد نكون تعلمناه أو ما يجب أن نتعلمه من زلزال تركيا؟!.. ثم.. وهو الأهم.. ماذا عن معاناة الأشقاء السوريين.. الذين بَاتُوا يُعانُون بعد الزلزال من وضع انساني مؤلم.. بعد استمرار معاناتهم من حرب مدمرة وتهجير قاسِ وكارثة إنسانية وليست سياسية.. لتجتمع كل معاناتهم اليوم؟!.

ذلكم هو موضوع الحلقة الثانية والأخيرة من هذا العنوان؟!.