الرئيس والوزير وفضيحة المفاعلات النووية
بقلم/ عبدالباسط الحبيشي
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 9 أيام
الثلاثاء 09 أكتوبر-تشرين الأول 2007 03:49 م

 مأرب برس – خاص

 تتقاذف بنا الخطابات واللقاءات الرئاسية يومياً من قضية الى اخرى ومن مبادرة الى ثانية ومن ازمة الى غيرها لدرجة اننا نفقد الوزن والتوازن في محاولة التوقف امام محطة ما لإلتقاط انفاسنا تمكننا من التأمل والمراجعة قبل الشعور بالدوار في هاوية سحيقة ليس لها قرار، ونشعر بالعجز وراء اللهاث في ملاحقة والتقاط ما يرمى لنا من عظام متعفنة يدمر خلايا الوعي ويقتل الفكر والفكرة لوقوفنا امام قضايا في الاساس لا تعنينا لانها ليست منا او من صنعنا. لذا ينبغي علينا ان نتعلم كيف نتوقف كما توقف اللقاء المشترك مؤخراً من دعوة الرئيس 'الملهم'. وادعوا بالتالي القراء الاعزاْ الى التوقف الان لنستجلي ونراجع عينة من ركام هائل تعبرعن عبثية المصير التي آلت اليه اليمن منذ سنة 78 من القرن الماضي وتصب في مجاري تصنيع تناقضات الازمة وازمة التناقضات الم تعلقة بمصائرنا كأمة ووطن تم وصفه ذات مرة بانه اصل الحكمة. 

كنت اعتقد أن قصة استخراج الطاقة الكهربائية عن طريق إقامة مشاريع نووية عبارة عن نكته من النكات الرئاسية التي لا تثير الضحك بل الغثيان او بعبارة ادق عملية من عمليات النصب السياسي التي تعَود الشعب اليمني التعاطي معها كنوع من تخدير المشاعر الذي يتسم به الخطاب الرسمي المغلف بإساليب الدجل التي تنتهجه السلطة طيلة الثلاثة العقود الماضية للهروب من فشلها المتواصل في ادارة شوؤن البلاد... الى ان اطلق الصحافي الماهر الزميل منير الماوري صاروخ قلمه النووي كما عودنا في فضح أوكار الطفيليات التي تنمو وتترعرع على دماء ولحوم البشر في الارض اليمنية .

ورغم هزلية القصة الا ان الاستاذ/ الماوري استطاع ان يوجه الصفعة الثانية في وجه السلطة الفاسدة خلال اسبوع واحد فقط بعد الصفعة الأولى التي وجهها اللقاء المشترك برفضه دعوة الرئيس للحوار المفتوح. لكن المحاولة مازالت قائمة لتجاوز الصفعتين والقفز عليهما وكأنهما امراً منسيا.

وبما ان القصة الهزلية قد اخذت خطوات عملية في التعاطي معها من حيث توقيع العقود والبدء بدراسة الجدوى والاتفاق على صرف اتعابها بملايين الدولارات من خزينة الشعب اليمني. لذا فمن حقنا ان نسلط الضوء على ابعادها وخلفياتها التي تكشف مدى تفاهة السلطة الحاكمة ونوعية الادوات التي تدير بها البلاد والعباد.

ولكي اضع الامور في نصابها الصحيح لزم عليَ ان اعدل قليلاً في تصويب الاخ الماوري الذي له الفضل في كشف هذه المهزلة إلا انه حمل الوزير بهران كل المسؤولية التي تقتصر برأيي على جهل الوزير بكثير من القضايا اعظمها موافقته بأن يكون ترساً ساذجاً وتافهاً في طاحونة الفساد الضخمة التي يقف على رأسها ويديرها رأس هرم السلطة الذي اذا قلنا بانه لا يعلم فهي مصيبة وان كان يعلم فالمصيبة اعظم.

 إن طموح وزيرنا الغر الزائد عن الحد هو مادفعه للإنخراط في مثل هذا المشروع المشبوه ربما لتلبية طموحه ليكون بقامة العالم الباكستاني عبدالقدير خان او مدير الوكاله الدولية للطاقة محمد البرادعي دون ان يدور بخلده حجم الاخطبوط الرهيب الذي يلتف من حوله.

وقد اعتبرت سابقاً ان الكلام في هذا المشروع كان فقط ضرب من النكات السامجة ليس إلا وذلك لبعض الاسباب المنطقية التالية:-

1- لم تستطع الحكومة اليمنية منذ عشرات السنين ان تجدد او تقوم حتى بصيانة المحطات الكهربائية الحالية لسد احتياجات الناس المتزايدة من الطاقة فضلاً عن إقامة محطات كهربائية جديدة وذلك لإسباب عديدة منها عدم القدرة على التمويل الذاتي لمثل هذه المشاريع.

2- عدم القدرة على الحصول على قروض بضمان لبناء محطات جديدة لان ضمانات البنك المركزي اليمني لا تُقبل في الخارج كون مستوى البنك الأئتماني لا يصل الى السقف المطلوب دوليا.

3- رفض الشركات الدولية الدخول في مناقصات لتنفيذ مثل هذه المشاريع حتى وإن وجد التمويل الخارجي لإسباب فساد لجنة المناقصات وعدم توفر الامن الكافي للشركات المنفذه رغم ان تكلفة مثل هذه المشاريع لا تتجاوز تقريباً بين 200-400 مليون دولار فقط فكيف الحال عندما يصل قيمة المشروع الى 15 مليار دولار. 

4- هذا بالاضافة الى اشكالية وجدلية وصعوبة اكتساب الطاقة النووية في دول كبرى بما ينطوي على ذلك من صراع لا تبقي ولا تذر فكيف الحال باليمن التي لا تؤتمن على مجرد حفنه من الدولارات مقابل مساعدات فنية لإنشاء مشاريع في مجالات الصرف الصحي التي تنفجر انابيبها في الشوارع بمجرد هطول المطر. فاذا كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل وكان الشعب اليمني عاقلاً عندما تلقى اعلان الرئيس'الملهم' بانشاء مشروع الطاقة النووية بالتندر. هذا فضلاً عن مشاكل صرف النفايات النووية وآثارها التي تعجز عن حلها كبرى الدول.

 إن تورط أي حكومة تحترم نفسها في مثل هذه الفضيحة لا شك بانها تقدم استقالتها فور حدوثها ولكننا حتى الان لم نسمع سوى تصريحات هزيلة من قبل وزارة الكهربأ التي لا ترقى الى توضيح حقيقة الامر بل تدافع فيه عن هذا المشروع وتبرر فعلتها بما يتناقض مع تصريحاتها السابقة قبل انكشاف الفضيحة التي نُسجت خيوطها خارج كواليس الوزارة أصلا. 

واذا نظرنا الى معطيات القصة الماثلة امامنا وملابساتها والتي تتمثل بداية بتوقيع عقد مع شركة باورد كوربوريشين الامريكية والتي سنفترض جدلاً ان الشركة جرى إعادة تفعيلها بعد سبات للقيام بهذا المشروع نظراً لقصر مدة تقديم أوراقها إلى لجنة البورصة وهي الفترة التي لم تتجاوز شهرين فقط من تاريخ التوقيع كما ورد في مقال الماوري تمهيدا للبدء في بيع اسهمها في سوق البورصة المالية الأميركية. اذاً لابد ان تغطية بيع الاسهم استند على عقد ووثائق المشروع نفسه ، وهذا جائز في إقامة الشركات المساهمة وبالتالي لا ينبغي ان نطعن في مشروعية اقامة الشركة من حيث تسجيلها وتواجدها الرسمي في الولايات المتحدة كما حاولت الوزارة ان تقدم تبريراتها حول ذلك ، لأن هذه ببساطة ليست القضية ، رغم ان الفكرة بحد ذاتها طموحة لكنها لا تخلو من المغامرة والمقامرة فيما لو قام بها افراد اعتباريون لغرض الربح السريع شريطة ان تقوم على مشروع واضح وقانوني .. لكن عندما يكون المشروع وهمي وليس له اساس شرعي او قانوني كما نعلم جميعاً وتقوم به اجهزة حكومية بالنيابة عن بلد او امة فهذا مدعاة للتساؤل والريبة ، لانه حتى لو افترضنا في حالة نجاح الشركة في تسويق نفسها وارتفاع قيمة اسهمها وارتفاع ميزانيتها.... اين سيوظف المال المتحصل عندما يكون المشروع التي بنيت على اساسه هذه الشركة ليس له وجود في الاصل ؟؟؟؟ في هذه الحالة إما ان تعلن الشركة افلاسها بعدافتضاح امرها لدى المساهمين نتيجة لسرقة وضياع رأس المال بين الشركاء بطريقة غير شرعية ، او تشغيل هذا المال في مشاريع اخرى لو توفرت حسن النوايا وهذا مستبعد ، ومع ذلك في كلا الحالتين لن يخلو المشروع من سقوطه في خانة النصب والاحتيال ضد دافعي الضرائب.

إذاً لا يمكن باي حال من الاحوال ان يكون المغرر به الوزير الدكتور مصطفى بهران الذي يسعى الى الشهرة العالمية والصعود الى القمة ولو بإظافره هو صاحب هذه الطبخة الجهنمية نظراً لتجربته القصيرة وعوده الطري في الوزاره الذي لم يكمل السنه الواحدة ولا يملك من دهاء النصابين والمحتالين قدراً يمكنه من فك رموزوطلاسم العارفين- كما سبق وإن تم استخدام امثاله من الطموحين الذين انتبهوا ولكن بعد ان خسروا الكثير- ولا حتى صاحب الشركة نفسه جلال عبدالغني الذي اعتقد بإن ليس له منها إلا الاسم والشهرة والودافة فقط.

من خلال ما سبق ، ومن المعلومات المتاحة يتضح لنا ان المشروع برمته لا يتعدى ان يكون بالمصطلح الانجليزي ( جمع اموال) لغاية ما ، تحت غطاء رسمي بإسم الحكومة اليمنية على خلفية العقد الرسمي المبرم بين الشركة والحكومه اليمنية وهذا من ناحية يطمئن شكلياً ومظهرياً بل ويعمل على زغللة حدقات المستثمرين الامريكيين الذين يفتقروا الى الثقافة النووية وبلدان العالم الثالث لا سيما عندما يطلعوا على اهداف المشروع وجدواه الاقتصادية المبالغ فيها كونه ليس بالضرورة ان تكون صادقة وصحيحة بديهياً قياساً بأهدافها الحقيقية ويكتفى بما هو موجود على الورق في مثل هذه الحالة كما هو معلوم من طبيعة هذا المشروع.

إذاً نحن امام قضية نصب واحتيال رسمية بإمتياز من قبل حكومة متهمة عالمياً بالفساد ضد مواطني بلد اخرمن حقهم ان يرفعوا شكوى بأسمائهم او من ينوب عنهم للقضاء والمطالبة بالتعويض عن الخسائر والاضرار الناجمة إن كان قد تم الاعلان عن هذه الشركة ، ومن حق الدولة التي تم داخل حدودها إرتكاب هذه العملية أن تلاحق الدولة التي اشتركت بهذا الفعل قضائياً وبكل الوسائل والطرق القانونية المتاحة وذلك في اطار حماية مواطنيها من عمليات النصب والاحتيال الخارجية كهذه . 

لرفع الحرج وكل الملابسات ينبغي على الحكومة اليمنية ان تسعى الى نشر كل التفاصيل الخاصة بهذه القضية بكل وضوح وشفافية بإسرع ما يمكن اذا كانت الحقيقة تخالف مااشرنا اليه قبل ان تاخذ هذه القضية طريقها الى المحاكم الفدرالية وارجوا ان لا يتحول بهران الى كبش الفداء كي يتوارى خلفه عتوالة وحيتان الفساد خلال العقود الطويلة الماضية والله من وراء القصد.