|
على افتراض أن العلماء هم قلب المجتمع النابض فإن نتيجة زيادة عدد العلماء ستكون تناقص عدد المشاكل باعتبار أنهم يتضافرون - جزاهم الله خيرا- لحلها لكننا لا نجد دليلا على ذلك بقدر مانجد العكس .. فكلما ازداد عدد العلماء والدعاة وخريجي الأقسام الإسلامية في الجامعات الحكومية أو بقية الأقسام في الجامعات الإسلامية نجد أننا نبقى في موقعنا من الحضيض ويستمر التدهور في الخطاب العام والتفكير العلني .. لماذا؟
ربما لأن طرق ومواضيع الدراسة التقليدية التي يتلقاها طلاب العلم الشرعي مبتورة الصلة بالواقع وتكرس أحادية التفكير وتحتقر حقول المعرفة الجديدة لأن الإنسان بطبعه عدو ما يجهل كما أنها لا تحض على التفكير الإبداعي لذلك فكل فتاواهم وحتى قضاياهم تنحصر في قضايا القرن الرابع الهجري على أبعد تقدير وعلى سبيل المثال لن يتفاعل أحد منهم مع دعوة البروفيسور حبيب سروري لإنقاذ اللغة العربية من الانهيار العصري والتخلف الإلكتروني .. سنجد من يقول أنها محفوظة بحفظ الله .. ثم لا شيء.
لم أكن أرغب أن يكون لقضية الزواج المبكر نصيب في الجزء الثاني من دردشتي مع العلماء الأفاضل غير أنه طرأ على بالي أن أقترح على فضيلتهم أن يقوموا هم أيضا باقتراح وهم أصلح من يقترح ذلك أن يتم الزواج بعد فحص طبي يتأكد فيه الطبيب أو الطبيبة من ملائمة الطرفين لبعضهما ومن قدرة المرأة على تحمل أعباء الزواج مثلا ؟ فلا يكون الزواج محددا بسن معين لأن التحديد بأي سن هو أمر غير منطقي وفيه ظلم وتضييق لما وسعه الله ولنقل أن التحديد الأصلح هو أن يكون بفحص طبي يخضع له كلا الزوجين المحتمل اقترانهما يتم فيه تحديد الاستعداد الجسدي للمرأة على تبعات الحمل والرضاعة واستعدادها النفسي كذلك لبناء أسرة وتحمل متطلباتها كما يفحص في مدى تقبل الزوجين لبعضهما من الناحية الصحية، وأثر ذلك على الإنجاب، ولامانع حينها من الزواج إذا اُمنت المخاطر وهو المقصود من كل هذا النضال لأصحاب النوايا الصادقة، أم أن صحة الناس لا تهم البعض من العلماء بقدر مايهم أن يموتوا وهم حنفاء لله غير مشركين ؟ لماذا لا يخرج الكثير من العلماء من دائرة العمل المغلقة على أمور الدين والجنس والزواج والطلاق والحيض والطهر إلى مسائل أكثر ملامسة لهموم المجتمع الذي يعيشون فيه ويصلي وراءهم في حياته أو يصلون عليه حينما يموت؟ هل يعرف العلماء الذين قابلوا رئيس مجلس النواب أنه خلال تلك الأسبوعين فقط قُتل 126 مواطنا يمنيا وأصيب 452 إصابة نصفهم خطرة ولا علاقة لهذين الرقمين بأي حرب مقدسة، ولا بأعمال الإرهابيين، بل كانت نتيجة حوادث طرقات بلادنا السيئة التي سجلت 507 حوادث خلال نفس الفترة وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن الخسائر المادية الناجمة عن ما يمكن أن نسميه بكارثة الطرقات وصلت إلى مايقارب نصف مليون دولار "430.000$" بالتحديد؟ لماذا لم يتحرك الكثير من العلماء الصادقين لحل هذه المشكلة أو للعمل على حلها ؟ ربما يقول أحد أن هذه هي مهمة الدولة وهو في ذلك محق .. ولكن لماذا يسمح العلماء لأنفسهم بالخروج من سباتهم في مناسبات معينة يعودون بعدها لمعاودة الاعتكاف السلبي وقراءة المتون التي انقطعت صلتها بالواقع ؟ لماذا لا يقول العلماء أن اللعب بمواصفات الطرق حرام ؟ لماذا لا تصدر فتوى تلزم الناس بعدم منع مرور الطريق من أراضيهم لأن مصلحة الأمه تقدم على مصلحة الفرد أو الأفراد بتعويض عادل؟ لماذا لا تشكل هيئة فضيلة لمراقبة الخدمات العامة كأن يعطل مستشفى أو تغلق مدرسة، او للصلح بين القبائل وتعليمهم وهي المهمة التي لم يقم بها سوى المهندس عبد الله صعتر والمعهد الديموقراطي ؟
هل يعلم العلماء أنه في ذات الأسبوعين الذي أثيرت فيهما قضية الزواج المبكر قتل طالب على يد جندي في حرم جامعة صنعاء وقتل عامل بوفيه في ذمار على أيدي بلاطجة مدعومين خلال يوم واحد وعمليتين إنتحاريتين في شبام وفي صنعاء خلال أسبوع واحد ومع ذلك لم يتبرع أحدهم بحمل مسودة بيان يبن موقف الشرع من أي من تلك الحوادث؟ وهل يجهل العلماء خطورة حروب القبائل هنا وهناك من بينها حرب في محافظة عمران ذهب ضحيتها عشرين مواطنا حتى بداية الأسبوع،وكانت منظمة سياج قد أكدت من قبل مقتل 60 طفلا في ذات الحرب أم أن منظمة سياج تعمل لأجندة غربية ؟ لماذا لا يتحرك العلماء للصلح بين الناس وإنهاء حرب وقطاع قبلي في محافظة صنعاء ذهب ضحيتها ثمانية أشخاص إضافة إلى خسائر بمئات الآلاف من الدولارات بسبب قطع طريق السوق؟ لماذا لايفتي العلماء بحرمة بيع الوظائف ؟ أو وجوب إعادة شقق العدنيين لأصحابها وهم يعلمون أن أصحاب البيوت يعيشون في بيوت إيجار وهم يرون بيوتهم نهبا للباعة والمشترين ؟ لماذا لانجد في الكثير من العلماء الشجاعة الكافة لرفع قضية حسبة ضد شيخ يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا بدلا من رفع دعاوى الحسبة ضد الموتى والضعفاء من الصحفيين ؟
هل يعلم صحاب الفضيلة العلماء أن 75 طفلا يموتون من بين كل ألف طفل يولد في اليمن وأن منظمة اليونسيف تقول أن 84000 الف طفل يموتون دون سن الخامسة مايعني 230 طفل يموتون يوميا بسبب الجهل وسوء التغذية وأن مقابر اليمن تستقبل ثمان أمهات يمتن يوميا أم أن منظمة اليونسيف هي أيضا منظمة غربية وتكذب في الأرقام من أجل أهدافها الخاصة .. لنفترض ذلك .. لماذا لا ينشئ العلماء منظمات إسلامية تجري إحصاءاتها الخاصة وأبحاثها الخاصة وتعمل لأهدافها الخاصة هي أيضا بدلا من التخرص والتكذيب كعملين سلبيين لا يليقان بعلماء ؟ هل يعرف العلماء أن 12 ألف مواطن يمني يموتون كل عام بسبب السرطان؟ نعم نحن نشهد أن الموت حق ولكننا نريد أن ندافع عن حقنا في الحياة سيموت الجميع بلا شك لكن أليس من حق المجتمع على العلماء أن يساهموا في جعل حياته أفضل بدلا من تعليق كل الأمل على الآخرة مع أن الله لم يطلب من المجتمع أن يتخلى عن الحياة الدنيا التي استعمرنا فيها ليبلونا أينا أحسن عملا وليس أحسن قولا؟
هل يعرف أصحاب الفضيلة العلماء خطورة ازدياد عدد المواليد بنسبة 03% بينما تنخفض نسبة النمو الإقتصادي عكس ذلك ما يعني اتساع الفجوة بين الحاجات والإمكانيات أم سيقولون لنا أن الله على كل شيء قدير ثم لا شيء أكثر من حديث تناسلوا فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة .. هل سيباهي رسول الله الأمم يوم القيامة بأطفال موتى وشباب عاطلين عن العمل ونساء أميات ومجرمين وقطاع طرق ومجتمع مستهلك ؟،
لو قلنا للعلماء أن منظمات عالمية تؤكد بأن حوض صنعاء آخذ في الانتهاء لتكون صنعاء هي أول عاصمة في العالم ينتهي مخزونها من الماء؟ هل الماء أيضا في حوض صنعاء هو هدف للغرب ؟ وهل قام أي شيخ منكم مثلا في آخر كتيب ألفه عن عذاب القبر بطباعة بوستر مجاني يحذر فيه من مضار إحراق النفايات عشوائيا أوينصح فيه بعدم التبذير بالماء؟
ستقولون أن الماء من الله وكأن هذه معلومة جديدة علينا لكننا أيضا نعرف أن الماء الذي هو من الله تعاني تعز من شحته في أزمة عمرها أكثر من عشرين سنة وانضمت إليها مدينة البيضاء التي وصلت فيها قيمة حمولة الماء 18 برميل إلى عشرة آلاف ريال (50 دولار) رغم أن الماء لايزال من الله ، لكن هل فكر رجل لديه إمكانيات مادية وتقنية وبشرية مثل الشيخ الزنداني بإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بجوار مستشفى علاج الإيدز أم أن تحلية مياه البحر ليس فيها إعجاز علمي وبالتالي فهي من متاع الغرور لا أكثر ؟
إذا قلنا للعلماء أن وزارة الصحة تنفق مايعادل خمسة دولارات لصحة كل مواطن طوال العام مايعني مائة وعشرين مليون دولار ،في الوقت الذي تصل فيه قيمة آخر صفقة سلاح من روسيا مليار دولار أي عشرة أضعاف ميزانية الصحة، هل سيقول العلماء وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ؟ ماذا ستكون قوة عشرين مليون مواطن ليس لهم ميزانية للصحة ؟ وماهي قيمة الأسلحة التقليدية التي تقتطع قيمتها من قوت الأطفال وعلاجهم في زمن أصبحت الحرب فيه على مواقع في الفضاء والسباق فيه على الأسلحة البيولوجية ؟
إذا عرف العلماء أن اليمن بحسب تقارير رسمية تسيء استخدام القروض ولا تجيد توزيع إمكاناتها ففي الوقت الذي يبدأ فيه موعد سداد القرض مع فوائده تكون الحكومة لم تبدأ بعد في تنفيذ المشروع الذي اقترضت من أجله القرض! هل سيكتفي العلماء بالقول أن الربا حرام ؟ لماذا لم يقولوا شيء حين أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي أن اليمن في طريقها للانهيار مالم تتراكم المساعدات الأجنبية لتنقذ اليمن من مصير الصومال وتنقذ العالم من شرور اليمن .. لم نعد مصدر إشعاع ومنطلق لقوافل الدعوة والتجارة .. أصبحنا متسولين ومشاريع وحوش يتقي العالم شرورنا بفتات العيش ؟ ألا يحز هذا في صدور العلماء الذين يضيعون مئات فرص التواصل مع الناس في مواضيع هامشية مثل تحريم مصافحة الأجنبية أو وجوب ستر المرأة كامل جسدها في الصلاة ؟
حسنا .. سأضع بين يدي العلماء الأجلاء هذه الحقائق التي نشرت من قبل وفق تقرير رسمي صادر عن وزارة التخطيط يكشف حقائق مرعبة منها :ارتفاع معدل التضخم رغم انخفاض نسبة التضخم من 12.49% عام 2004م إلى 11.4% عام 2005م إلا أنه ارتفع بصورة كبيرة إلى 18.39% عام 2006 وإلى 17.6% عام 2007م وبذلك يكون متوسط معدل التضخم السنوي خلال 2004-2007م قد بلغ حوالي 13.7% بحسب التقرير وهو معدل مرتفع مقارنة بمعدلات التضخم التي كانت مستهدفة ضمن الإطار الاقتصادي الكلي للخطتين الخمسيتين الثانية والثالثة كما أشار التقرير إلى تراجع حجم الاستثمارات العامة وتدني قدرة المالية العامة على مواجهة التقلبات الاقتصادية المفاجئة وتراجع في نصيب الإنفاق الاجتماعي من الإنفاق العام خاصة قطاعي (التعليم والصحة) حيث انخفضت من 13.7% من إجمالي الإنفاق العام عام 2005م إلى 13.6% و14.2% خلال عامي 2006 و2007م، على التوالي عكس حاجة المجتمع المفترضة للزيادة كما كشف التقرير عن تراجع نسبة الإنفاق على الصحة من 4.0% من إجمالي الإنفاق العام في 2005م إلى 3.9% عام 2006م ثم إلى 3.7% عام 2007م ومع التهديدات الحقيقة التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتتلاعب بقيمة البترول والدولار الأمر الذي يحتم على الدولة العمل على الوصول إلى حد أدنى من الاكتفاء الذاتي فقد كشف التقرير أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في اليمن لم تتجاوز 6% خلال السنوات الماضية كما أسهم عدم توفر المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية والاستراتيجية في تزايد حدة المضاربة على هذه السلع وبالتالي زيادة التضخم كما أشار التقرير إلى أن فرص العمل التي أوجدتها الحكومة خلال الأعوام (2004-2007م) أقل من الزيادة في جانب العرض الكلي للعمل الأمر الذي أسهم في ارتفاع نسبة البطالة إلى 16.3% عام 2005م وإلى 16.4% عام 2006م وإلى 16.5% عام 2007م، هل سيجد أيا من العلماء في نفسه القدرة على الصبر على قراءة وتحليل هذه الأرقام المملة والتي لا علاقة لها بعلم المواريث ؟
شكت وزارة التخطيط أيضا في تقريرها من القصور في الخدمات التعليمية وبالذات في المناطق المحرومة والنائية .. هل سيكون الحل بإنشاء مراكز ممولة من الخليج لنشر العلم الشرعي وتحفيظ القرآن الكريم وزرع الشقاقات الفكرية بين المراهقين ؟ وتراجع الإنفاق على التعليم وهيمنة الإنفاق الجاري وافتقار موازنة التعليم العام للأسس العلمية السليمة لإدارة الإنفاق بكفاءة وبالأخص التحديد الدقيق للأهداف وضعف التنسيق بين الجهات المعنية بالتمويل في قطاع التعليم مما يؤدي إلى حدوث عشوائية في توزيع المنشآت التعليمية وإهدار في مناطق على حساب أخرى! هل سيطالب العلماء مع الوزارة أيضا بضرورة إعادة النظر في السياسة المالية الحالية، وإعادة هيكلة النفقات العامة والحد من التوسع في النفقات الجارية وتفعيل دور وزارة الصناعة والتجارة وأجهزتها ومكاتبها على مستويات وتحركات أسعار السلع والخدمات ومحاربة الاحتكار وانتهاج الحكومة لسياسة (نقدية) مساندة للحد من ظاهرة ارتفاع الأسعار ورفع كفاءة أدوات السياسة النقدية، أم كل هذا لا يهمهم فالمهم هو أن يبقى الإسلام شامخا عزيزا ويضلوا قادرين على شتم بعضهم البعض ؟
يعاني القطاع الزراعي من حالة أشبه بالكساح بعد تخلي المزارعين عن زراعة الفواكه والقمح والاتجاه نحو زراعة شجرة القات التي استهلكت السيولة النقدية لشريحة واسعة من المجتمع واستهلكت المخزون المائي ولايزال العلماء مختلفين هل مضغ القات جائز أم لا ولم يقل أحد هل حفر بئر زارعة القات جائز أم لا ؟ ولا أدري ما إذا كانوا سيعارضون مشروع قانون بمنع حفر الآبار ويخرج لنا منهم من يقول أن حفر الآبار مباح وليس من حق الدولة تقييد المباح!
وجدت الحكومة في ميزانيتها نصف مليون دولار(مثل مبلغ خسائر حوادث الطرق التي في الأعلى ) أنفقتها في اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو), لتوفير بذور القمح للمزارعين لمدة ثلاثة أشهر، مع أن المبلغ يكفي لاستصلاح خمسة وعشرين ألف فدان وجعلها خمسمائة مزرعة لو تم توزيعه كقروض حسنة على المزارعين الفقراء من أهل تهامة الذين تحولوا إلى عمال باليومية في الأراضي التي يملكونها أصلا .. ولم يتحدث أيا من العلماء عن التبذير في توزيع الأموال في الاتفاقيات الدولية من جهة ولا حتى عن الظلم الذي رزح تحته أبناء تهامة الطيبين أكثر من اللازم من جهة أخرى .
كان من المفترض أن يكون عنوان هذا المقال هو "دردشة مع ورثة الأنبياء 2 من 2 غير أني عدلت عن ذلك بمشورة كريمة من الأستاذ منير الماوري الذي فضل أن تكون بعنوانها الجديد باعتباره أكثر جذبا لذوي الشأن للقراءة على اعتبار أن السعي لمعرفة الحقائق المجهولة هو أهم من السعي لمجرد دردشة "
في الإثنين 30 مارس - آذار 2009 03:46:30 م