كارثة الانقلاب على ثورة الشباب
بقلم/ أديب السيد
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 16 يوماً
الجمعة 01 إبريل-نيسان 2011 06:38 م

"الثورة يخطط لها العباقرة وينفذها الشجعان ويستثمرها الجبناء".. عبارة تتردد أصداؤها في أذهاننا طوال الوقت الذي ننهمك فيه في مشاهدة ودعم وإقناع فئات الشباب والشعب بضرورة نصرة ثورة الشباب, لكن ما لم يفكر به أحد ربما, وبسبب الانشغال بالثورة وخدمتها بأشكال مختلفة وكل في مجاله, هو (الانقلاب على الثورة), وهو الخطر الذي يداهم ثورتنا اليوم من حيث لا نشعر.

فلو فكرنا قليلا لوجدنا أن الثورة لم تقم أصلا إلا ضد الفاسدين والمسؤولين الذين تلطخت أيديهم بفساد وسرقة وقتل وجرائم وغيرها, ولكن ألا يشعر أحدنا وجميعنا بأن هؤلاء الفاسدين الذين أفسدوا خلال الفترة الماضية والحكم السابق (بعد نجاح الثورة) قد تحولوا إلى شرفاء ومخلصين للوطن والشعب بعد أن قدموا استقالاتهم من عضوية الحزب الحاكم المؤتمر (مع أننا نرحب بكل من ينظم إلى الثورة) ليتلقفوا بعد نجاح الثورة خيراتها ويعودوا إلى نفس مناصبهم التي أفسدوا من خلالها سابقا.

طبعا أنا هنا لا أتهم جميع من انخرطوا في حكم الرئيس صالح, لكن أقصد الفاسدين الكبار, وأولهم حيتان الفساد الكبيرة والذين كان لصوت انضمامهم إلى ثورة الشباب صوت قوي, أمثال (قيادات عليا في الحكم وقيادات الألوية العسكرية والجيش ورؤساء فروع المؤتمر والمحافظين ووكلاؤهم والمدراء والسفراء والممثلين عن نظام الحكم وغيرهم).

أليس هؤلاء فاسدون وأيديهم ملطخة بالفساد والقتل الذي صار خلال حكم الرئيس صالح؟ ألم يفسد أولاد الأحمر بنهب المال العام وفتح تجارات ومشاريع استثمارية كبيرة من أموال الشعب؟ ألم يكن قادة الألوية فاسدين وتجار حروب أشعلوا الحروب في شمال اليمن وجنوبه؟ ألم ينهبوا اعتمادات الألوية ورواتب الجنود؟ ألم يرتكبوا مجازر في الجنوب والشمال من أجل حماية الرئيس وقبيلته وذويه من الفاسدين؟ ألم يفسد المحافظون في محافظاتهم بعد نهبهم للمشاريع العامة والخدمية وإيرادات محافظاتهم وتحايلهم على أموال الشعب؟ ألم يكن للمحافظين دور بارز في ارتكاب مجازر وقتل الجنوبيين الذين خرجوا في مسيراتهم السلمية وكذلك الشماليين الذين قتلوا في أحداث متفرقة إبان حكم الرئيس؟ ألم يطبل ويزمر أعضاء المؤتمر ورؤساء فروع الحزب للفساد والقتل والجرائم معتبرينها دفاعا عن الوطن؟ ألم ينهبوا أموال الشعب تحت مظلة الانتخابات والديمقراطية؟ ألم يكونوا شهود زور على كل ما أحدثه نظام الرئيس صالح في اليمن ابتداء من تشويه الوحدة وتفتيتها وشرذمة النسيج الاجتماعي اليمني بعد الوحدة, مرورا بالنهب والسرقة والاحتيال والبلطجة وانتهاء بجرائم الإبادة الجماعية في الجنوب وفي الشمال كذلك؟ ألم يعيث وكلاء الوزارات والوزراء والسفراء ووكلاء المحافظات إلا القليل منهم فسادا ونهبا لم يحدث مثله في تأريخ الشعب اليمني؟ ألم يعملوا على الاستئثار بأموال الخدمات والمشاريع لصالحهم الخاص؟ ألم يخونوا مناصبهم ومسؤولياتهم ليصلوا بها إلى خيانة عظمى للوطن والشعب محولين البلد إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف؟ فلماذا إذا نصنع منهم أبطالا الآن؟ مع أنهم سيضلون من أبناء هذا الوطن الجريح منهم على مدى التاريخ الإنساني؟ لماذا نقدم من يثبت تورطه من قيادات الجيش الكبار والوزراء وأعضاء الحزب الحكام الفاسد على أنهم من لا تقوم الثورة إلا بهم ولولا انضمامهم لما نجحت الثورة؟.

صحيح قد يكون الرئيس هو أبو الفساد والفاسدين, لكن هناك الكثير من الفاسدين الذين ماشوا الرئيس ونهبوا الأموال وسرقوها ويجب أن لا يتركوا هملا ولا يصنع منهم أبطالا ورموزا للثورة الشبابية. وعلى أقل تقدير ونظرا لانضمامهم للثورة يجب على الحكومة الشبابية القادمة أن تطلب منهم إعادة كل ما سرقوه سابقا, وأن لا يتم تعيينهم في أي مناصب جديدة, حتى وإن كانت أقل من تلك التي ارتقوها سابقا؛ وذلك تقديرا لمواقفهم تجاه الثورة, مع أنها كانت متأخرة حتى لا يتم محاكمتهم ونيلهم العقاب والسجن جزاء ما ارتكبوه بحق الوطن والشعب والمال العام.

ومع كل ما ذكر آنفا, إلا أن الخطر الحقيقي والانقلاب التي قد يبدل أهداف الثورة الحديثة هو عمل أحزاب المعارضة وركوبها موجة الثورة بطريقة قانونية ومقنعة للجميع وهو الخطر الذي نخاف منه جميعا, وهو ما سيحدث فعلا, حيث لن يتبقى ولن يستطيع أحد إيقافها عند حدها إلا الضمير والأخلاق التي يجب أن تكون عليها الأحزاب السياسية, حيث يجب عليها طرح كل الحسابات وجمعها على كل الأسس المعروفة التي تظهر حق المشاركين في الثورة ممن يرفضون أحزاب المعارضة والمشترك في تملكهم للثورة وركوب موجتها.

وإذا ما حصل المتوقع من أحزاب المعارضة مما ذكر آنفا, فإن ذلك سيكون انقلابا على الثورة, وبذلك يسجل التاريخ فشل ثورة الشباب الحديثة بالانقلاب عليها, وبذلك تكون ثورات اليمن كلها فاشلة, ابتداء من ثورة سبتمبر وأكتوبر اللتان تم الانقلاب عليهما بالإضافة إلى مشروع الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه.

والمطلوب الآن من كل القوى السياسية, وخاصة أحزاب اللقاء المشترك, التنبه الجيد للخطر الذي من الممكن أن تقع فيه, وتُوقع معها شعب اليمن وأجياله, كما عليها أن تتخلى في الوقت العصيب عن أطماعها وتنظر بروح المسؤولية إلى حجم التضحيات, وأن لا تكرر أسلوب الإقصاء الذي انتهجه الحزب الاشتراكي سابقا وحزب المؤتمر لاحقا.