رواد الأدب الماليزي الحديث .. حضارمة
بقلم/ أحمد هادي باحارثة
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 9 أيام
السبت 05 فبراير-شباط 2011 05:26 م
 

 أول من كتب رواية في الأدب الماليزي الحديث كان ماليزيًا من أصول حضرمية أي أنه أحد أبناء المهاجرين الحضارمة ، أو ممن عرفوا بالمولدين الذين اكتسبوا جنسية بلد المهجر وصاروا مواطنين آسيويين .

 جاء ذلك في رسالة دكتوراة نوقشت سنة 2004 في دار العلوم بجامعة القاهرة ، هي عبارة عن دراسة أدبية مقارنة حملت عنوان ( تأثير الأدب العربي في الأدب الماليزي ) ، للباحث الماليزي الدكتور روسني بن سامة .

 ذلك الروائي الماليزي هو ( شيخ بن أحمد الهادي ) ، وعنوان روايته الرائدة هو ( فريدة هانم ) ، كتبها سنة 1925 ، باللغة الجاوية ، لكن بحروف عربية ، يقول الباحث عن قيمتها الأدبية : " إنها بذرت بذور الرواية الفنية في الأدب الماليزي ، وكان كاتبها متأثرًا بالرواية العربية الرائدة ( زينب ) للكاتب المصري محمد حسين هيكل " .

 وهو في روايته هذه لم يكن فقط متأثرًا بتلك الرواية المصرية بل بالمجتمع المصري نفسه حيث جعل أحداث روايته تدور في أحياء العاصمة المصرية القاهرة ، وأبطالها مصريون وأبرزهم المعشوقة فريدة هانم وعشيقها شفيق أفندي .

 والعجيب أن الباحث حيث أشار في سبب التأثر إلى اطلاع الروائي على الأدب العربي لم يشر إلى الأصل العربي للمبدع نفسه ، ومن ثم لم يشر إلى أصوله الحضرمية ولعل في هذا دلالة على عمق التمازج بين العنصر الماليزي للمواطن الأصلي والعنصر العربي الحضرمي للمواطن الوافد ، وعند إشارته في مهاده إلى الهجرات التي اتجه بها الماليزيون نحو الإسلام والتأثر بالأدب العربي كان يكتفي بوصفها بالهجرات العربية أو التجار العرب دون تحديد لهويتها أو موطن انطلاقها .

 وحتى أتأكد من الهوية الحضرمية لذلك الروائي الماليزي استشرت كتاب ( شمس الظهيرة ) في أنساب العلويين في الوطن والمهاجر حيث يبدو من اسم الروائي أنه من أبناء أحد العلويين الذين هاجروا قديمًا من حضرموت ، أو كما يقول المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف :

 " منذ بداية القرن التاسع الهجري على أوثق الروايات بدأ العلويون هجرتهم من حضرموت فجابوا الربوع الآسيوية والإفريقية ولهم بها إلى اليوم أسر كان لبعض أفرادها شأن يذكر في مختلف نواحي النشاط الإنساني " .

 فأكد لي كتاب ( شمس الظهيرة ) هوية الروائي الماليزي الحضرمية وأنه ينتمي إلى أسرة آل بن شهاب العلوية ، بل ترجم للكاتب نفسه في الهامش وأكد على صلته بسائر أقرانه من المهاجرين الحضارمة دراسة وصداقة ، وأشار إلى روايته تلك فرأى أنها قد " اشتملت على أهداف أخلاقية ووطنية وتعليم البنت بأسلوب أدبي " .

 يذكر أن الكاتب الروائي الرائد شيخ بن أحمد الهادي من مواليد 1867 في ماليزيا ، زار مصر وتأثر ببعض من عاصرهم من كبار رموزها مثل الشيخ محمد عبده والأستاذ قاسم أمين والروائي جورجي زيدان وترجم بعض مؤلفاتهم إلى اللغة الملاوية ، كما ألف كتبًا وروايات أخرى ، وأصدر بعض الصحف أو شارك في تحريرها ، وتوفي سنة 1934 .

 إن تأثر المهاجرين الحضارمة ككل بالثقافة المصرية في كتاباتهم واهتماماتهم الأدبية أمر مشهود نوه به الأديب الحضرمي المهجري طه بن أبي بكر السقاف حيث قال :

" هؤلاء إخواننا المصريون الذين ندين لهم ونعترف اعترافًا جازمًا أن التطور الأدبي والحركة الفتية المباركة ليست إلا من تيار نهضتهم التي سرت في جزائر إندونيسيا سير الكهرباء في الليل البهيم ، وليست هذه الحركة التي تبهج المتطلعين إلى سماء الأدب والشغوفين بدرسه ، وليست هذه النهضة السارية في جزائر جاوا إلا نتيجة تلك البذور الصالحة التي حملها إلينا أولئك المصريون الأمجاد " .

 ونختم بالإشارة إلى أن أحد أولئك المهاجرين العلويين الحضارمة وهو الأديب أحمد بن عبد الله السقاف ( ت 1947 ) يعد أول من كتب رواية على مستوى اليمن والجزيرة ، وهي الرواية التي حملت عنوان ( فتاة قاروت ) وأعادت نشرها قريبًا بعض الصحف اليمنية ، ومن لطيف شعره أنه حين أراد الرجوع من مهجره ( جاوة ) إلى موطنه حضرموت بمدينة الشحر قال مخاطبًا إخوانه في المهجر :

 

 يا حضرمي لاحت علامات الخطر تنذر بشر ، وتقول أرضك يا غريب

إن عاد حـد عاقل ويبعد في النظر والفكر ، لا يبقى إلى اليوم التعيـب

ولعـاد يتـرك له هنـا أدنى أثـر فالأمـر واقع ، والسفر وقته قريب