الثورة والتسوية السياسية وتعز
بقلم/ د.صلاح ياسين المقطري
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 27 يوماً
الأربعاء 22 أغسطس-آب 2012 08:32 م

مر على اندلاع ثورة 11 فبراير أكثر من عام ونصف، ورغم كل الزخم الشعبي، الذي أرغم "علي صالح" بقبول تنحيه عن الحكم، إلا أن الثورة لم تنجح بعد، حيث لم تصل "قوى الثورة" إلى هرم السلطة، كما هو الحال في كل ثورات العالم، فقد راهن من وقع على "المبادرة"، ان هذا سيحدث، حال إجراء انتخابات نزيهة قبيل "انتهاء الفترة الانتقالية" وفقا للإلية التنفيذية للمبادرة الخليجية. كما ان الثورة لم تنتصر لأنها لم تحقق أهدافها، ويرى مؤيدو المسار السياسي ان أهداف الثورة ستتحقق تلقائيا اذا ما تم تنفيذ المبادرة واليتها بشكل متكامل والالتزام بحسن النوايا.

لقد نسي وتناسي من اختط المسار السياسي أو انه لم يعي جيدا، خطورة التدخل السياسي في غير أوانه، وما يشكل ذلك من إحباط للفعل الثوري وانحساره، والذي يعد المحرك الأساسي للضغط نحو التغيير، والقوة التي يستند عليها هذه القوى. وبدلا من الاستمرار فيه ورفع وتيرته، عملت عن غير قصد او بقصد على تراخي تدريجي للفعل الثوري، كما أهملت إعلام الثورة. فكما نعرف فأن "الاتفاقات السياسية" الساعية للتغيير ولتحقيق أهداف كبيرة بحجم الوطن تتطلب رؤية ومشروع وأدوات واليات تضمن تحقيقها، خاصة في وضع كاليمن يتسم بانتشار الأمية وضعف الوعي، وهذا مالم يتم الشروع والعمل من اجله، وان وجد فانه لايعدو ان تكون أشكال مفرغة من محتواها كالمجلس الوطني لقوى الثورة الشبابية الشعبية "المجلس التفاوضي"، فلم تبلور رؤيته ولا هيكلته ولا أهدافه، وليس لديه آلية عمل تعمل على تحقيق تلك الرؤى ليصبح "شكل" مفرغ من محتواه ولا قيمة له. وهذا ما ينطبق أيضا على حال اللقاء المشترك، وان كان أحسن حالا، فانه يفتقد لمركز إعلامي وقانوني، كما أن مواقف أعضائه لا تتسق كثيرا وتخالف وتنافي قواعد العمل المشترك

مع مرور الأيام، اتضحت وتتضح للجميع جليا أوجه القصور سواء في "المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية" التي لم يتنبه او لم يعرها "المشترك" ومن أيده اهتمام اكبر، او في التصور والتوقع لما ستؤول إليه الأوضاع في الواقع، وكيف يمكن التعامل مع الطرف الأخر، وهنا ارتكز القرار بناء على أراء شخصية و مجالس قات، ولم يستند لتحليل عميق، لمن ايد الذهاب لاتخاذ القرار مصحوبا بالنظر لمصالح شخصية وحزبية غلفت بعضها بتغليب المصلحة الوطنية، وعبر حجج كثيرة منها " تعرية علي صالح ونظامه"، و"الحل الأقل كلفة"، و"الوضع الاقتصادي في اليمن الذي لا يستحمل حلول ثورية كاملة"، و "تعقيدات الوضع العسكري والأمني والقبلي والقاعدي"

فالقوى المضادة للثورة والتي تجد نفسها أمام تحد صعب، حاولت وتحاول رص صفوفها، لمواجهة الثورة وكسر شوكتها، وحرفها بكل الوسائل، وبكل ما أوتيت من قوة مستندة لتحالفات قبلية وإقليمية، وقاعدية، بل أنها اتجهت مؤخرا للهجوم بدلا من الدفاع، لان هامش المناورة لها أصبح اكبر في ظل تراخي الطرف الأخر، والذي أصبح في موقف الدفاع، مستغلة ثغرات المبادرة واليتها، وضعف وهشاشة بعض القوى الثورية والتي كانت مرتبطة سابقا بالنظام وتعد جزء أصيلا منه، حيث ساهمت معه في الفساد، والتي اندفعت الى الثورة هاربة للأمام.، فهي تدرك أن اكتمال حلقات الثورة يعني محاسبتها او على الأقل فقدانها صدارة العمل السياسي بل والاقتصادي والاجتماعي والتخلي عن نفوذها.

هذه القوى المضادة تسعى بكل قوة إلى زعزعة الأمن والاستقرار والتشكيك بالثورة وضرورة التغيير والإيحاء للعامة بان الثورة لم ولن تأتي بما يتأمل فيه الشعب اليمني، وستعمل على تغيير أشخاص بأخرين، ولم يتغير الوضع بل زاد سوء، ليتذمر "العامة" ويحنوا للماضي بكل سلبياته، وان التغيير والثورة "صراع وتصفية حسابات ومزايدة للوصول للحكم". ولكن الأخطر من ذلك ان يختلط الأمر على "قوى الثورة" والتي يفترض ان تعي ما يحاك ضدها وضد الثورة بدلا من ان تتصارع فيما بينها، فيتسع أكثر هامش مناورة القوى المضادة لبث بذور الشقاق، ويصعب حينها على الناس والعامة والقوى الثورية صعوبة التمييز، ليصبح الجميع بنظرهم سواء بما فيهم "من افسد ونهب وقتل".

كما استطاعت هذه القوى ان تفت من عضد الثورة أو على الأقل التشكيك بها، وساهمت اخطأ القوى الثورية في ذلك بما فيها "الأحزاب المنظمة للثورة" والتي تمتلك الإعلام والتنظيم، ولذا فهي تتحمل المسؤولية والعبء الأكبر تجاه الثوار والثورة والدفع لتحقيق أهدافها، والتاريخ لن يرحم من ساعد او ساهم في إجهاض الثورة سواء بقصد او بغير قصد.

وهنا يجدر تذكير شباب الثورة، بأن نزولهم الساحات لم يكن بهدف المشاركة السياسية، بل إسقاط النظام لوضع أسس الدولة المدنية الحديثة، هذا الهدف الكبير، يستدعي ويتطلب تضحيات جسام، وان يظل الشباب قوة ضاغطة، وثورية، ورقابية، ترفض العمل السياسي وتركز على الفعل الثوري، ولايمنع ان تشكل حزب ثوري يكون نواة لمعارضة حقيقية في المستقبل القريب.

كما يتوجب ان يتحمل كل طرف من القوى الثورية مسئولياته، بحسب ما آل إليه الوضع، على ارض الواقع والمفروض إقليميا ودوليا، فاللقاء المشترك ومن أيده يسعى في تنفيذ المبادرة والألية بقوة وحزم، باعتبار أن هذا خياره الذي يراه مناسبا، وان كان دون ذلك فعليه ان يبادر بالانسحاب، ويعود للفعل الثوري فهو "الأساس وليس الاستثناء"، وفي موازاة ذلك على الشباب الاستمرار في الفعل الثوري وعدم الاندفاع الى العمل السياسي دون وعي، فبعضهم بدأ ينساق نحوه، اما اقتناعهم بان "الواقع" يستدعي ذلك، او البحث عن "غنائم" تيمنا بمن انساق وهرول الى العمل السياسي، فعليهم ان لا ينسوا ويعوا ان الأساس هو التغيير والثورة وتحقيق أهدافها وليس من يقوم بها.

وختام القول، نوجهه إلى أبناء تعز بان يعكسوا حبهم لتعز واليمن بأفعال على ارض الواقع وليس بالأقوال، عبر تشكيل نواة فعل ثوري شبابي حقيقي تبدأ بتشكيل لجنة تحضيرية لشباب الثورة او عبر تفعيل "تكتل شباب الثورة" مع إعادة هيكلته ونظامه الأساسي لصبح أكثر مرونة وتعبيرا عن الشباب الثائر. وان يتم تشكيل مجلس حكماء او جبهة وطنية لأبناء تعز تكون المرجعية لقرارات موحدة لأبناء تعز، حيث ان وحدة قرار أبناء تعز سيكون نواة التغيير الحقيقية لتعز خاصة ولليمن عامة، فتعز كما هي رائدة التغيير والثورات فإنها بالمقابل أرضية خصبة لتشكل "الثورة المضادة". وعلى جميع القوى "الثورية" ومن تؤمن بالتغيير، وبان تصبح تعز رائدة التغيير في اليمن ان يلتفوا حول "ميثاق شرف" الذي اقترح من قبل المحافظ وبعض القوى، كفكرة ،حيث يحتاج الى تعديلات جوهرية تحدد فيه "أولويات تعز، ورفع شعار تعز اولا"، ويكون اكثر وضوحا وتفصيلا، وان يترافق بمشروع متكامل بأهداف والآليات واضحة يتفق عليه جميع القوى، وليتم دعم المحافظ ليقود ثورة جديدة "سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية". وهنا تجدر الاشارة الى انه في ظل ما ألت إليه الأوضاع ولما تحاول بعض القوى المتنفذه من استمرار الوضع على ماهو عليه، وبقاء النظام مع تغيير شخوصه مسيطرا على السلطة، والتي عملت وتعمل على تهميش كل فئات الشعب اليمني، وتستحوذ على ثروات البلاد، فيتوجب ان تكون "محافظة تعز" نواة لتبني الفيدرالية "الاتحادية"، ، لتفك ارتباطها عن المركز الذي طالما عمل على تهميشها وجعل أبنائها يدورون في فلك المشاريع الأخرى الصغيرة والمتخلفة، فآن الأوان لان تقود تعز عملية التغيير والتنمية في اليمن.