حديث جنوبي شمالي
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 18 يوماً
السبت 31 مارس - آذار 2012 05:34 م

دعونا نخرق العادة, ونتحدث حديث متقاطع, ينصرف الى الشارعين الجنوبي والشمالي, ولا ينصرف الى صالونات الساسة, ولا الى مكاتب قيادة واركان العسكر, انسوا الجمهورية والملكية وثورات الشباب والشيوخ, انسوا الحراك الجنوبي بتجنيحاته المتوهمة, انسوا البلد المشطور والبلد الموحد, انسوا انصار الشريعة وجماعات القاعدة, انسوا الحوثيين وحروبهم الصعداوية, انسوا كل اولئك وهؤلاء, ودعونا نتحدث بالمنطق البارد, حديث جنوبي شمالي من القلب الى المعدة.

ولنبتعد قليلآ عن كلام ساسة الوحدة, فتاريخهم السياسي ملتبس بنشاطهم الأقتصادي, اذ اتت سيولتهم المالية كنتاج لسيولتهم السياسية, عبر الاحزاب والبرلمانات الوحدوية, مع ان بعظهم لم يعد يتذكر, اسمي الدولتان اللتان توحدتا في مايو 90م, فاذا سألت عن: من توحد مع من؟ لا جواب. لا لجهل وحسب, وانما لأن في الجواب طعنآ بكل مقدراتهم المالية المكتسبة ببركة الوحدة, وان حاولت معهم عقد مقارنة سريعة بين اوضاعهم المالية قبل الوحدة وبعدها يأتيك الجواب القاطع الباتع (انت انفصالي).

الملفت ان مصطلح الـ (انفصالي) غدا ذا منبت جنوبي, ونلحظ ان جنون الـ (أنفصال) وزهد الـ (وحدة) قد توحدا في ذي المنبت الشمالي, أكان فردآ او جماعة اوحزب, او مدير او وزير او حتى رئيس جمهورية, فالوحدة عندهم قولآ لا شورآ, وللبيع والشراء صناديده الوحدوية, حتى الحوثيين المنتسبين للأسرة لا للوطن, مع انهم منهمكين بقدر لا بأس به من الأنفصال على ارض الواقع, فاقصى ما وصفوا بأنهم (روافض) وصف موتور مستجر من فضاء التاريخ,

حاولت البحث في سر انزياح الأصطلاح على غير الواقع: تململت حيال اصطلاح التشطير جنوبآ! ولكن كل الشبابيك والابواب المهترئة صدت محاولاتي وجاهرتني بالقول جوابك (نشاز), واختلافنا معك يفسد للود كل قضايا الوحدة والجمهورية والشرعية الدستورية, وحتى عرف القبيلة يبرأ الى الوحدة من محاولتك المنفصلة عن (حصّالة) الوحدة, روح ابحث عن مؤذن لـ (مسجدك), بعيدآ عن الوحدة الـ (مباركة)!

وعندما تسأل عن مظاهر بركة الوحدة التي شحنتها الوحده الى الجنوب على ظهر سلحفة! ياتيك الجواب بصيغة الأمر, تحرك ففي الحركة بركة. شوف الـ (افندم) الرائد (..) بنى عمارة من اربعة ادوار بعد 4 سنوات خدمة للوحدة في الجنوب, فبركة الوحدة, لا تصل الى الكسالى عديمي الحركة الـ (مباركة) من امثالك!

قلبت رزقي, في خدمة الوحدة, كثفت الأعمال نوّعتها, واصلت الليل مع النهار, على آمل بناء عمارة ليس بالضرورة تنافس عمارة الـ (افندم) بادوارها الأربعة فأنا والـ (فندم) تجمعنا الـ (وحدة) ويفرقنا الأنتماء, وانما لتكفيني واسرتي مأوى, ولكن وبديلآ عن العمارة اضطرتني (بركة) الوحدة ان ابيع بيتي, الذي امتلكته قبل ان تحل علينا تلك الـ (بركة) وعندما تساءلت عن السبب اتاني الجواب: طموحك غير وحدوي فكيف لك ان تبني عمارة وانت جنوبي انفصالي الطموح! 

لم أيأس واصلت الحركة على طريق الوحدة, عليّ انآل ولو نصيب الارنب او حتى نصيب النملة من (بركة) الوحدة, ولكن اثنتين وعشرين سنة عجاف, الشماليون يستلمون والجنوبيون يدفعون, الى ان (زلج) الرصيد, لم يتبقى لنا سوى لحم الجسد ودم القلب .. (مكنتونا) هات, ادفع, ادي, ادي حق (ابن هادي ), ادي حق (ابن علوان), ادي حق (القات) وغيرها من متوالية الأتاوات, كفرّتونا بهذه الوحدة, التي يدّر ضرعها الشمالي حليب, فيما ضرعها الجنوبي يدّر رصاص وقذائف دانات.

عذاب الوحدة على الجنوبي (سنّة) وبركتها فرض على الجنوبي لصالح الشمالي, لذا كفر الجنوبي باليوم الذي تحققت فيه, وبعد ان صار فريسة اليأس, تحرك ضدآ .. نعم تحركنا ضد هذه الوحدة التي اخافتنا بعد آمان, تحركنا ضد الوحدة التي اطعمتنا الجوع بعد شبع, تحركنا ضد الوحدة التي شردتنا بعد استقرار, تحركنا ضد الوحدة القائمة حفاظآ على ما تبقى من حقوقنا في الوطن, وعلى حياتنا على ارضنا .. الأرض التي ننتمي اليها وتنتمي الينا, الأرض التي نشعر بأنها وطنا لنا وليس وطنآ للأخرين دوننا.

انت من الجناح الـ (متشدد) في الحراك .. وقبل ان استدرك استنتاجه باستفسار عن مفهومهم للتشدد, وعن مقياسهم لمنسوبه صعودآ او هبوطآ في الوسط الجنوبي المتحرك سلميآ منذ ما يقرب من 18 عام .. متح, من مخزون التهم, ومن فائض الأدعاءات: انت من الجناح الـ (مسلح) للحراك الأنفصالي .. كيف ومتى واين؟ لا جواب شافي!

اقسمت باغلظ الأيمان بأني لم اشارك في غزوة الجنوبيين على اخوانهم الشماليين العام 1994م التي تواصلت لـ 64يوم برآ وجوآ, وفتكت بكل حرف من حروف الجنوب اسمآ ومعنآ, وانني لم اكن قائدآ للطائرة التي قصفت محطة الكهروحرارية في الحسوة واخرجتها من الجاهزية, وانني لم اوجه طائرة الـ (سيخوي) التي قصفت مصفاة عدن الصغرى على طلعتين وجعلتها تحترق لأكثر من اسبوعين, لم اقصف بالصواريخ القرى والمدن الجنوبية بمرافقها ومنشئاتها عشوائيآ ليستشهد من استشهد ويجرح من جرح, حتى اسماك البحر, مات منها الكثير بفعل تساقط القذائف التي لم اكن مطلقها, والتي استهدفت ايضآ السفن المدنية والعسكرية وهي رابضه في مراسيها, في ميناء عدن الدولي الذي لم يبيعه رئيس الجنوب لشركة دبي بـ 600 مليون دولار.

كما واقسمت بأني لم انهب ولو مثقال ذرة من الحقوق العامة او الخاصة للشماليين لا من مرافقهم ولا من شوارعهم ولا متاجرهم ولا من اراضيهم البيضاء, الخضراء او الحمراء, ولم امارس القرصنة على خزائن بنوكهم, كما ولم اطعم اولادي لقمة من اموال السحت المنهوبة من الشمال على مدار العقدين المنصرمين!

انت مصلحي فبعد ان فشلت في تحقيق مصالحك الخاصة من خلال الوحدة, هذا هو انت تبحث عن تلك المصالح اينما كان حتى وان على حساب الوحدة!

على اي اساس تشكلت لديك هذه القناعة؟ ان كانت دواعيك جغرافية الدفع فأنني اتفهمها, اما وكانت وحدوية المبعث فأنني اتساءل: هل ضبطتني متلبس في البسط على ارضية من الأملاك العامة او الخاصة, امام مسكنك في صنعاء, في تعز او في الحديدة, اكتم من خلالها انفاسك واحجب عنك اشعة الشمس, وضوء القمر, وصوت اذان الفجر, وصوت ابنك ان استغاث بك وهو يلعب بعد العصر, ام ان احدهم قد وشى لك زورآ وبهتانآ, بأنني صادرت مزرعته في تهامة, او في مارب, او لربما ان فاسقآ اتاك بنبأ, أنني زورت وثائق عقار من املاكه الخاصة في سنحان او في عمران او بلاد الروس...

ازداد الرجل حردآ وصرخ: اغرب عن وجهي فانت حاقد ومن المتضررين من قيام الوحدة, فالوحدة قامت لتبقى رغم كيد العدى, شاء من شاء وابى من ابى, ومن لم تعجبه الوحدة يشرب من البحر. 

لقد اجبرتني الوحدة فعلآ على الشرب من البحر بعد ان قصفت قواتها مضخات وخزانات المياه في بئر ناصر وشبكة انابيب المياه, فللوحدة ذكريا دامية, مالحة وحارقة, ولكن, اخبرني هل استشعرت الضرر, بفعل تبوؤ الجنوبيون كل المواقع الحساسة والمدرّة, في اجهزة الدولة في العاصمة صنعاء وفي عواصم المحافظات والمديريات؟ ام استشعرته بعد تسريح مئات الآلاف من الشماليين موظفي السلك المدني, واقرانهم افراد وضباط السلك العسكري؟ ام ان فتوى الشيخ العلامة الجنوبي عبدالسلطان الدريمي, التي اباحت دماء الشماليين, خلال حرب الجنوب على الشمال العام 94م, هي التي افاضت مشاعرك حردآ وتهجمآ, وعمومآ ومن منطلق الجغرافيا فأني اقدر فيك الحماسة في الدفاع عن الوحدة بصيغتها الشمالية الحالية!

هذا هو ديدنكم, اصحاب المشاريع الصغيرة, اردنا لكم ان تكبروا معنا ولكنكم مصرين على البقاء كيفما كنتم صغارآ بضلال مشاريعكم التي لا ترقى الى مستوى المنجز الوحدوي العظيم!

نعم نحن اصحاب المشاريع الصغيرة, جمعتها الوحدة من كل مؤسسات القطاعين العام والمختلط التي كانت قائمة قبل ان تحل الوحدة بـ(بركت)ـها وتسخرها لصالح المؤسسة الاقتصادية العسكرية التي عمدت على تسقيعها بغرض المتاجرة بها لصالح الـ (افندم) اللأعلى, بعد تسريح الآف مؤلفة من العمال والموظفين, ورمتهم واسرهم الى الشارع على نحو غير اخلاقي وغير انساني, وما يبرر مغادرة الوحدة قلوب الجنوبيين هو استقرار (بركتها) في جيوب شماليه بعينها .. وللحديث بقية تحكى ولا تكتب, حفاظآ على مشاعر المؤلفة قلوبهم على (بركة) الوحدة تحت سقفها الواطي.