صراع الاستحواذ على ثورة الناس العاديين
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 20 يوليو-تموز 2011 05:11 م

1

يخطئ كثيرا من يصدق إن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد أو تدعم أي عملية نحو التحول الديمقراطي الحقيقي في اليمن أو في العالم العربي، بحيث تدعم ذلك التحول سواء عبر الفعل الثوري كما يحاول شباب الثورة السلمية في اليمن وسوريا القيام به منذ منتصف فبراير الماضي، او عبر الحل العسكري المتبع في ليبيا،وربما كان من حسن طالع الثورتين التونسية والمصرية هو حالة الارتباك العامة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين إزاء تسارع أحداث تلك الثورتين بالإضافة للموقف المشرف للمؤسستين العسكريتين في مصر وتونس، والمدعوم بنسبة عالية من الوعي المجتمعي لدى النخب السياسية الصاعدة والوطنية الشابة فيهما بأهمية إنجاح الثورة من أجل إحداث نقلة نوعية باتجاه التحول الديمقراطي الحقيقي وإنهاء عقود من الفساد والاستبداد واحتكار السلطة.

2

في الحالتين التونسية والمصرية لم يلتفت شباب الثورة كثيرا نحو الخارج ولم يحاولوا استدعائه أو الرهان عليه للتدخل ضد الانظمة التي ثاروا ضدها، وانجاح ثورتهم ولم يسمحوا بفرض الوصاية على ثورتهم من القوى الاقليمية والدولية،فقد شهدت الثورتان تصعيدا شعبيا ثوريا قويا وحاسما، بعيدا عن المسار التفاوضي للأطراف السياسية التي أعلنت انضمامها للثورة كقوى ثانوية داعمة وليس محركة للعمل الثوري السلمي في الميدان ، وتم الحفاظ على نقاء العمل الثوري كفعل جماعي شعبي نجح في الحد من محاولات الأحزاب والأطراف السياسية في التسلق على اكتاف شباب الثورة،أو لعب دور قيادي في تلك الثورات،واستطاع الشباب صياغة أهداف عريضة للثورة وكان دعم تلك الأهداف والإيمان بها والوقوف وراء تحقيقها من قبل جميع المكونات السياسية بدون شرط الوصاية على الثورة وشبابها.

3

في اليمن استطاع شباب الثورة خلال الايام والأسابيع الاولى من عمر ثورتهم السلمية تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، عبر تقديمهم لتضحيات كبيرة وتقديم صورة مغايرة للعمل السياسي والثوري السلمي في بلد طحنته الانقسامات والصراعات السياسية والتحيزات الضيقة، ونتيجة لما حققه شباب الثورة أصيبت مختلف الإطراف السياسية في الحكم والمعارضة بصدمة كبيرة، إزاء الأداء المتميز لشباب الثورة في مختلف الساحات اليمنية التي كانت تتسع رقعتها وتكبر مساحة تأثيرها السياسي والاجتماعي،وكانت مكاسب الثوار المعنوية والسياسية تتزايد كلما افرط النظام في استخدام العنف ضدهم،وكانت جريمة جمعة الكرامة 18 مارس التي ارتكبها النظام في حق شباب الثورة إعلان واضح لكل الاطراف المحلية والاقليمية والدولية بأن الثورة ستنتصر لامحالة، وبأن النظام بدأ في التهاوي والسقوط، ولعل تسونامي الاستقالات المدنية والعسكرية، وقوة المواقف الدولية المنادية بالبدء الفوري في نقل السلطة ووقف العنف ضد شباب الثورة السلمية، كان مؤشرا واضحا على قوة الفعل الثوري ورسالة قوية على أن شباب الثورة باتوا هم الطرف الاكثر قوة وتأثيرا وقدرة على إحداث تغير حقيقي في الخارطة السياسية اليمنية، وتحقيق مافشلت في تحقيقه الاحزاب السياسية في المعارضة على مدى عقدين من الزمان من الفعل السياسي التقليدي والذي كان يخضع لمزاج التحالفات والصفقات السياسية.

4

أدركت جميع الإطراف والقوى السياسية اليمنية مدى خطورة ما قد ينتج عن تصدر الشباب للعمل الثوري والذي نجح في تخطي تقليدية الاداء السياسي واستطاع خلال فترة زمنية قياسية رفع سقف الخطاب السياسي والاقتراب من حلم التغيير والتحول السياسي والاجتماعي وإنهاء عقود طويلة من الجمود السياسي واحتكار السلطة،لم يختلف أداء وتعامل السلطة عن تلك التي الطريقة التي تعاملت بها المعارضة وكافة القوى التقليدية على الساحة المحلية،ومثلما سعت السلطة للضغط على شباب الثورة عبر ممارسة العنف والتحريض والتشكيك والتخوين،انطلاقا من شعور النظام بمدى مايمثله شباب الثورة من خطورة على النظام نتيجة النهج السلمي للثورة ونجاحهم في كسب قاعدة عريضة من التأييد والمساندة الشعبية والسياسية والتعاطف الخارجي، كان موقف بقية القوى والاطراف السياسية الاخرى غير بعيد تصرف النظام، حين استشعرت إن ما انجزه شباب الثورة خلال فترة محدودة قد يكون بمثابة الرافعة القوية لطموحات تلك القوى بالخلاص والخروج من عباءة الهيمنة التي فرضها الرئيس صالح وحزبه ونظامه العائلي لفترة طويلة، ولم تفوت تلك القوى على نفسها الفرصة التي سنحت فجأة ولن تتكرر فأعلنت مساندتها وتأييدها لشباب الثورة قبل أن تنظم إليها لتستفيد من تلك المكاسب والانجازات التي تم تعميدها بتضحيات ودماء الشباب،وعلى عكس ما توقعه شباب الثورة الذين رحبوا بانضمام كل تلك القوى، أيمانا منهم بضرورة مشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية في الثورة،من أجل الوصول نحو تحقيق الهدف النهائي لثورتهم وهو بناء مجتمع مدني والبدء في عملية التحول الديمقراطي القائم على الشفافية والمساواة والعدالة،فما حدث عقب تلك الانضمامات الواسعة كان مخيبا لآمال شباب الثورة حيث سعت كل تلك الأطراف لمحاولة الهيمنة على الفعل الثوري للساحات،واعادة إنتاج افرازات مخاوف وسلوكيات تلك القوى التقليدية التي هي في الاصل نتيجة إخصاب لبذور الازمة السياسية والاجتماعية التي افرزها النظام خلال المراحل السابقة، ونقلت تلك القوى كافة أمراضها ومخاوفها وحساباتها الضيقة للساحات.

5

وبدلا من الدفع بالعمل الثوري في الساحات والوقوف وراء شباب الثورة، قامت كل تلك القوى بمحاولة تصدر الأداء الثوري واكسابه طابعها السياسي والتفاوضي التقليدي، وبدلا من تركيز الفغل الثوري باتجاه تحقيق اهداف الثورة السلمية،تم اشغال الساحات بمعارك تلك القوى التقليدية واعاقت تلك القوى المشروع الثوري، بحجة حماية الثورة من الاختراق وانحسر الفعل الثوري بسبب قيام تلك القوى التقليدية باستدعاء الخارج لفرض حلول سياسية تتناسب واشتراطاتها ورغباتها، وتم تعطيل الفاعلية والمساحة الكبيرة من قدرة شباب الثورة على العمل الثوري، وتركت تلك القوى بصماتها السلبية على أداء الساحات، مفضلة تعطيل العمل الثورى ختى يتسنى لها البدء في عملية التفاوض السياسي التي (لاتجيدها)لحصد ثمار الثورة ولجأت تلك القوى لاستدعاء الخارج الاقليمي والدولي في ذات الوقت الذي قام الرئيس صالح باستدعائه لانقاذه ونظامه من التهاوي والسقوط على يد شباب الثورة السلمية.

6

عند هذه النقطة كان صالح اشد ادراكا من المعارضة اليمنية بأن الخارج يمثل له طوق نجاة بانيا ادراكه ذاك على خبرة طويلة في قدرته على استثارة مخاوف الخارج وحساسية موقفه مما يدور في اليمن،بينما كانت المعارضة تفتقد لخبرة التعامل مع الخارج ولا تدرك حساسية حساباته،وسرعان ماوقعت المعارضة في فخ المبادرة الخليجية التي لم تكن اكثر من حيلة لمنح صالح الوقت للمناورة ومحاولة تجميد العمل الثوري، وللبحث عن طرائق لإيقاع الانشقاق والانقسام في صفوف مكونات الثورة، والتنكيل بالفئات العريضة من المطالبين بالتغيير،وهو ماحدث فعلا من البدء بتنفيذ حزمة من عريضة من انواع العقاب الجماعي، من على شاكلة افتعال ازمات الكهرباء والمشتقات النفطية واشعال صراعات عسكرية عنيفة في تعز وابين وصنعاء، وترويع الساحات واحراقها، ومع كل تنازل تفاوضي تقدمه المعارضة كان نظام صالح يوغل في العنف والعقاب الجماعي، وبدلا من ان تصبح المبادرة الخليجية التي قدمت بوصفها آلية لنقل السلطة،تحولت تلك المبادرة لازمة اشترط صالح للموافقة عليها إيجاد خارطة طريق لها،وقام هو باقتراح خارطة طريقها وحرص على ملئها بالمتفجرات ومسببات افشالها.

7

الثورة بحاجة لاسناد حقيقي من جميع الفوى السياسية الراغبة في إخراج البلد من جراب الرئيس الحاوي والاعيبه التي اصبحت أكثر عنفا وتستهدف إخضاع جميع اليمنيين بمختلف الوسائل والطرق، ويستعين بخبرات شركات علاقات عامة امريكية وبريطانية لابتكار اساليب عقابية جديدة في مواجهة الارادة الشعبية.

الحل لما يدور في اليمن لن يأتي إلا من الداخل ولايجب انتظاره من الخارج الذي إذا ما تدخل فسيلتفت أولا لترتيب الاوضاع بما يخدم استمرار مصالحه،ولن تتغير المعادلة اليمنية في طريقة تعامل الخارج مع اليمنيين طالما والذات اليمنية مسلوبة، والأطراف السياسية ترى الأمور من ثقب الصراع على السلطة وهي رؤية قاصرة يجب تغييرها اولا لتحقيق التحول المنشود.

8

وعلى الأحزاب السياسية المعارضة التي هي نتاح حقيقي لمرحلة الاستبداد وهي جزء من نتاج مؤسسة الحكم ولم تكن نتاج لواقع الحرية،واذا ما أرادت تلك الأحزاب الاستمرار خلال الفترة المقبلة فعليها أن تعيد تشكيل وتطوير أدائها ليتماشى مع رغبات وتطلعات الجماهير الشابة التواقة لضحي فجر غد جديد.

وذلك قد يحدث عندما ينجح المجتمع في إنتاج انماط سلوك جديدة في العمل السياسي وعندما تتمرد قواعد الاحزاب على قياداتها او تنتج الضرورة والحاجة كيانات تؤمن بالحرية وبالآخر،ولتحقيق ذلك علينا كسر حاجز الخوف والالغاء والاقصاء والرهان على تدخل القدر كمنقذ ومنفذ وحيد باتجاه المستقبل،وعلى شباب الثورة التفكير في ايجاد منافذ للضوء وخلق رئات جديدة يتنفسوا من خلالها هواء نقيا مشبع بالحرية، مع قبول التعايش مع الآخر،واعتبار ذلك جزء من مكونات الدولة المدنية التي ينشدون تحقيقها.

تشكيل مجلس انتقالي هو خطوة مهمة في إطار عملية التصعيد الميداني فليس من المعقول إن يتم احباط مسيرة الثورة في انتظار الخيار التفاوضي الذي تحاول فرضة الاطراف السياسية المحلية والاطراف الاقليمية والدولية،وقد أعادت خطوة الاعلان عن تشكيل المجلس النقاش الثوري للساحات وبغض النظر عن ردود الفعل والاراء المتفاوته حول هذه الخطوة،الا انها جاءت في وقتها ويجب أن تأخذ حقها في النقاش والتطوير حتى تنتقل الثورة من مربع الجمود الذي اصابها نتيجة الارتباك الذي اصاب مختلف الاطراف الثورية نتيجة لجوء النظام والقوى الدولية بممارسة التشويش والتظليل والعقاب الجماعي بكافة أساليبه اللاأخلاقية تجاه الشعب اليمني والثوار في الساحات، في محاولة بائسة لخنق الثورة السلمية، والدفع بها نحو الانزلاق في أتون عملية العنف الممنهج من قبل بقايا النظام الاسري.