قناة " الجزيرة " .. من اليمن
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر
الإثنين 15 مارس - آذار 2010 04:28 م

* حتى لو قررت السلطات اليمنية إغلاق مكتب قناة الجزيرة في صنعاء نهائياً بالشمع الأحمر، فإن ذلك باعتقادي واعتقاد الجميع طبعاً بلا استثناء لن يفلح أبداً في تحقيق أيٍّ من الأهداف المعلنة التي عبّرت عنها سلطات صنعاء بواسطة أجهزتها الأمنية، وكان منها- أي الأهداف اليمنية الرسمية-: تحجيم الدور الإعلامي المؤثر داخليا وخارجيا لقناة الجزيرة القطرية، والحدّ من تأثير تغطيتها الصحفية المحايدة لتطورات الأحداث الجارية في شمالي اليمن أو في جنوبه، والحيلولة دون استمرار الجزيرة في أساليب" التضخيم الإعلامي" لما يجري من أحداث في بعض المحافظات والمديريات الجنوبية – بحسب توصيف رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر طارق الشامي الذي برر اقتحام قوات الأمن اليمني لمكتب الجزيرة في صنعاء ومصادرة جهاز البث التلفزيوني الخاص به بالقوة مساء الخميس الماضي..

وفي نظري وفي نظر الجميع أيضاً أن مثل هكذا قرار غبي جداً كالذي أقدمت عليه السلطة في بلادنا مؤخراً عندما قررت مخاصمة واستعداء منبر إعلامي عالمي كبير ومؤثر بحجم الجزيرة، لن يتأذى من ورائه أحد أكثر من تلكم الأذية الإعلامية والمعنوية الفادحة التي لحقت وستلحق سريعاً بالسلطات اليمنية الرسمية ممثلة بشخص الرئيس وحكومته وأجهزتهما الأمنية الذين خسروا الجزيرة وخسروا كذلك من خلفها الجزء الأكبر والأهم من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، سيخسرها الرئيس صالح وستخسرها اليمن الرسمية ما دام جهاز البث المُصادَر مُصادَراً عنوة في مخازن وزارة الإعلام أو استمر إغلاق مكتب القناة في حال نفذت السلطات تهديدها بإغلاقه نهائياً، أما قناة الجزيرة في قطر فستواصل أداءها بحريتها ومهنيتها التي يعرفها الجميع ويشاهدها الغالبية وستستمر في تغطية ما يجري في اليمن بنفس الوتيرة وربما بوتيرة أكبر غير عابئة بضيق صدر الرئيس اليمني أو ملاسنات بعض قادة حزبه الحاكم ضدها، كما لن تتعدى خسارة القناة القيمة المادية لجهاز البث المصادر، وهي خسارة لا تكاد تذكر أمام المكاسب اليومية التي تجنيها شبكة الجزيرة الدولية..

* أتصور مثلما بات يتصور معظم المشاهدين إن لم يكن جميعهم، بأن عصراً متطوراً كالذي نعيشه اليوم في ظل وسائل الاتصال والتواصل السريع والمتنوع والمفتوح بلا قيود، بات من غير الممكن لأي دولة أو حكومة من حكوماتنا العربية المتخلفة أن تنجح اليوم في إعادة فرض أساليبها العتيقة التي كانت مستخدمة سابقاً خلال مرحلة العقود الخمسة الأخيرة من القرن الماضي في التظليل والتعتيم وحجب المعلومات والأحداث والأخبار عن العالم الخارجي أو عن المجتمع المحلي أو منع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من نقل وتغطية أي حدث يقع داخل أي بلد من بلداننا، إلا في حالة واحدة فقط وهي لو قرر الحاكم القيام بتنفيذ حملة واسعة لإزالة صحون الستلايت اللاقطة للبث التلفزيوني من أسطح منازل ملايين المواطنين أو تعطيل شبكات الانترنت والهاتف النقال العاملة في بلاده، أو سحب أجهزة التلفاز والراديو والكمبيوتر وهواتف الثرى والثريا من منازل أبناء الشعب ومن داخل مكاتب الشركات وإصدار تشريعات تجرّم استيرادها أو المتاجرة بها مع تحصين الحدود البرية والجوية والبحرية منعا لما قد ينتج عن ذلك من عمليات التهريب الواسعة لتلك الأشياء والأجهزة والوسائل التقنية التي تعجّ بها أسواق العالم اليوم.

* أما بالنسبة لحكومتنا التي فتحت لنفسها معركة جديدة مع" إمبراطورية الجزيرة الإعلامية"، فأعتقد شخصياً بأن السلطات اليمنية ما تزال تمتلك في يدها ورقة رابحة طالما استخدمتها من قبل في حروبها العديدة ضد وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمرئية والإلكترونية، رغم أن حكومتنا بحسب معلوماتي لم تجرب استخدام ورقتها الفتاكة هذه حتى الآن مع أي وسيلة إعلامية خارجية..

هذه الورقة الحكومية هي ما يسميها بعضهم"التفريخ" ويطلق عليها آخرون بعمليات "الاستنساخ الرسمي"، أي استنساخ الوسائل الإعلامية الغير مرضي عنها حكوميا، وذلك من خلال لجوء الحكومة اليمنية - كالعادة- إلى تنفيذ مشروع استنساخي كبير يطال هذه المرة قناة الجزيرة القطرية والإسراع بإنشاء قناة مماثلة تبث من صنعاء وتحمل نفس الاسم "الجزيرة" وبنفس الحروف ونفس العلامة الشهيرة مع اختلاف بسيط في النطق "ضمّ الجيم وكسر الزاي" مثلاً، تحسباً لأي تبعات أو مساءلات من قبيل حق المِلْكية الفكرية..

بهذا فقط أتصور أن حكومتنا قد تنتصر في معركتها الجديدة للقضاء على شهرة الجزيرة أو على الأقل إرباك أدائها والتشويش على صورتها أمام جمهور المشاهدين العرب، وحينها سترتاح حكومتنا وتقرّ عينها وقد نجحت في تفريخ واستنساخ وحش إعلامي عملاق بحجم أسطورة الجزيرة..!!

* بالتزامن مع صحيفة الناس