رحلة المغفرة
بقلم/ محمد بن ناصر الحزمي
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الإثنين 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 09:39 م

بالأمس القريب رحل عنا رمضان، وها نحن ننتقل من طاعة إلى طاعة، ومن ركن من أركان الإسلام إلى غيره، وتتوالى مواسم الخيرات محفوفة بفضل الزمان، وشرف المكان، وتأتي أيام الحج إلى بيت الله -تعالى-، أفئدة المسلمين تهفو إلى البيت الحرام، والقبلة التي يتجهون إليها كل يوم في صلاتهم (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) كلهم يريدون الرحلة إليه، باذلين من أجل ذلك الأموال والأبدان، يرجون رحمة الله، وقد اجتمعوا عند بيته وأرضه المقدسة، ليباهي الله -تعالى- بهم ملائكته يوم يقول: (انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم) فما أعظمها من رحلة تهون لها النفوس وتبذل من أجلها الأموال،وتشتاق إليها النفوس لأنها رحلة القلوب قبل الأبدان \" فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ \"

فالحج من أفضل الأعمال: عن أبي هريرة قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال، قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور. متفق عليه.

والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم. وقال الحسن: أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة. إنها رحلة المغفرة فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه. وعن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) رواه النسائي والترمذي.

وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه. ومن اجلها شد الرحال وهجر المال والعيال: ورفع الشعار: \"لبيك اللهم لبيك.....\" وترك المباحات: وتجرد من الدنيا \"الثياب والعطور والنساء والصيد...\" .

وتوحد اللباس بين الغني والفقير والموزور والوزير وذابت الفروقات قال -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ليعلن الجميع فقرهم إلى الله وحاجتهم إليه وضعفهم بين يديه فأكرمهم تعلق القلوب أكثر من غيره: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) فأكرمهم الله من فضله فجعل صلاتهم مضاعفة قال -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة في المسجد الحرام، تعدل 100000 صلاة في غيره) وهم يستلمون الحجر الأسود فيتذكرون ذنوبهم فيزدادون على الله إلحاحا طلبا لمغفرته ورجاء لعفوه ،قال -صلى الله عليه وسلم-: (كان الحجر الأسود أشد بياضاً من الثلج، حتى سودته خطايا بني آدم) صحيح: رواه الترمذي وصحح الألباني نعم هذا تأثير الذنوب على الحجر فما بالكم بتأثيرها على القلب ،ولكن كرم الله ورحمته أوسع من كل شيء فمن اجتهد سينالها لم لا وكل أعمال الحج جوائز قيمة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه، كان كعتق رقبة، لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة) صحيح: رواه الترمذي وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم أكثر من يعتق الله فيه عبداً، أو أمة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء) رواه مسلم. وهو يوم الدعاء الأعظم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله) حسن: صحيح الجامع، ولمن لم يوفق في هذه الرحلة فلا يفوته فضل عشر ذي الحجة وصيام يوم عرفة قال -صلى الله عليه وسلم-: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة).

وليتذكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم خلفهم العذر) اللهم أشركنا في أجرهم ودعائهم.

al_hazmy65@yahoo.com