الرئيس والحكومة وجماعة عبده الجندي
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 4 أيام
السبت 14 إبريل-نيسان 2012 04:51 م

(جماعة عبده الجندي) هذا المصطلح يمكن إطلاقه على اللوبي المحيط بالرئيس اليمني السابق، وقوامه يتكون من أساطين عهده المتهاوي الذين كانوا يعتبرون أنفسهم فوق سلطات الدولة وقوانينها، ومازلوا غير قادرين على التكيف مع الوضع الجديد، ويريدون جعل اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مجرد نهاية ممنهجة للثورة الشعبية بدلاً من أن تصبح بداية لمرحلة جديدة للتطوير والتغيير نحو الأفضل.

وفي سبيل ذلك نجدهم يُسوِقون ذلك النهج للناس وفقاً لرؤية تفترض فيهم الجهل والغباء. أما في جلساتهم الخاصة فلسان حالهم ومقالهم يردد: بأننا نحن من صنع الرئيس هادي ولا نريده أن يصدق نفسه بأنه قد أصبح رئيس فعلي! وبالنسبة لرئيس الوزراء ومن هم دونه من المسؤولين فخيال جماعة الجندي يصور لهم قدرتهم على سحب الثقة منهم في الوقت الذين يريدون، متجاهلين بأن قرارات البرلمان صارت توافقيه بموجب المبادرة الخليجية ولم تعد تحكمها معايير الأغلبية والأقلية، ولعل ذلك ماجعلهم يلوحون بورقة القوة العسكرية - التي مازالت تحت إمرتهم بعيداً عن وزارة الدفاع والداخلية والقيادة العليا للقوات المسلحة- ويقومون بتهديد رئيس الوزراء ذاته بالاعتقال بواسطة ثلة من جنود الحرس الجمهوري.

وتابعنا جميعاً – بعد قرارات الجمعة الصاخبة- الشروط التي وضعها بعضهم لقبول عزلهم من المواقع التي هيمنوا عليها، وهم في قرارة أنفسهم يعتقدون قدرتهم على فرض تلك الشروط، لأنه قد رسخ في أذهانهم أنهم قد بسطوا على تلك المواقع منذ زمن بعيد وصارت ملكاً خالصاً لهم بحكم وضع اليد طوال هذه المدة الطويلة، ولو لم يكن ذلك منطقهم لما تجرؤا على إغلاق المطار الدولي الرئيسي للدولة أمام حركة الملاحة حتى يتم الرضوخ لطلباتهم. وعندما وجدوا أنفسهم وقد حُصروا في خانة اليك حاولوا تحميل القبائل وزر أعمالهم بحجة أن الدولة قد نهبت أراضيهم لإنشاء المطار؛ متناسين أنهم هم من يمثل تلك الدولة الناهبة وعليهم وحدهم تقع جريرة ذلك الأمر في حال صحته. ورغم استمرار تمردهم ورفضهم لتنفيذ القرارات الجمهورية إلا أنهم قد مارسوا عملية نهب تدميري لمخزون القوات الجوية من الأسلحة وغيرها.

وكان واضحاً أن التغييرات التي أعلنها الرئيس هادي في تلك الجمعة قد أسقطت ورقة التوت عمن يسمون أنفسهم بالضباط المحترفين من أقارب الرئيس السابق الذين أعلنوا أكثر من مرة أنهم ملتزمون بتنفيذ قرارات القيادة العلياء ، وذلك عندما رفض بعضهم العمل في مواقع جديدة تم نقلهم إليها، لكونها تقع في محافظات قصية ولا تتفق مع المواقع الأثيرة لديهم الواقعة في إطار العاصمة صنعاء والتي كانوا قد حددوا للرئيس هادي رغبتهم في قيادتها.

أما أحد المحافظين فقد رفض قرار عزله وتذكر أنه محافظ منتخب وذلك بعد نهاية مدته القانونية، علماً أن أبناء محافظته كانوا قد اجبروه على تركها في الأيام الأولى للثورة الشعبية، ولا أدري لماذا لا يتذكر الإخوة في جماعة الجَندي حكاية الانتخابات إلا عندما تكون لمصلحتهم، بينما تجاهلوها مثلاً عندما قام الرئيس السابق بعزل العديد من المحافظين المنتخبين في بعض المحافظات مثل: عدن والحديدة وحضرموت لرفضهم ممارسة البلطجة ضد الثوار.

وتكمن ثالثة الأثافي بالسطو المسلح لرئيس فرع المؤتمر - في إحدى المحافظات التي شملها التغيير- على مبنى المحافظة وإعلان نفسه محافظاً لأنه كان يريد أن يوكل منصب المحافظ إليه وتفاجأ بتعيين شخص غيره! وتخيلوا معي لو أن كل شخص توقع أو حلم بمنصب ما ثم قرر رفض أي شخص آخر غيره يتم تعيينه في ذلك المنصب كم سيكون عدد العصابات التي ستتسابق لرفض هذا التعيين أو ذاك؟!.. لا تبتسم عزيزي القارئ فأنا أعرف أن الأمر مضحك ومثير للسخرية والشفقة معاً! ولكن ما العمل مع أناس لا يريدون مبارحة مربعهم الأول ويعتقدون أنه مازال بمقدروهم العمل وفق شروط العهد البائد التي قادت البلد نحو حافة التلاشي والانهيار.

 لا أريد هنا الحديث عن التغيير وضرورته الوطنية الملحة فقد صار ذلك أمر واضح وجلي ولا يجادل فيه إلا غبي أو صاحب مصلحة. ولا أريد أيضاً أن أتتبع كل ردود فعل لوبي الفساد تجاه قرارات التغيير أيضاً لأنها باتت مفضوحة ومكشوفة للجميع. لكننا بحديثنا هذا نريد أن نصل إلى ضرورة الحسم الصارم في مواجهة ذلك العبث، ونحن هنا نوجه حديثنا إلى فخامة رئيس الجمهورية ومعه رئيس وأعضاء حكومة الوفاق الوطني، الذين يتوجب عليهم معرفة أن رحلة التنازلات تبدأ بتنازل وحيد، وأن اتخاذ موقف صارم تجاه التمرد الأول سيصبح درساً لقوى العبث والإفساد وسيكفينا عناء الصراع مع كل قرار جديد يتم إصداره.

 والحل للتعامل مع تلك التمردات لن يكون على طريقة لعبة الشطرنج بالنقل من مربع إلى آخر من أجل إرضاء هذا الطرف أو ذاك، لكنه يتمثل بإصلاح مسار القضاء ومن ثم إحالة كل الفاسدين إليه، لأن الحصانة المرفقة بالمبادرة الخليجية لم تشمل عملية استغلال المناصب وممارسة الفساد والنهب المهول والمنظم لمقدارات الدولة وحقوق الناس؛ بما فيها التي حدثت قبل صدور قانون الحصانة. ويكفي مثالاً على ذلك أن تصل صرفيات الدعاية والإعلان في أحد البنوك الحكومية خلال عام واحد فقط إلى قرابة المليارين ريال.. علماً بأن ذلك ليس إلا بداية لظهور أذن جمل الفساد الذي مازال بقية جسمه مطمور تحت الرمال، وهو ماتخشاه جماعة عبده الجَندي وتقاتل من أجل التستر عليه وعدم إخراجه.

ويجب أن يعرف الجميع بأن الناس لم يقبلوا بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية رغم العيوب الكثيرة التي تشوبها إلا رغبة في الخلاص من حالة الفساد والفوضى والشخصنة التي أصبحت سمة مميزة للدولة اليمنية، ولذلك فهم لن يقبلوا بوضع يقل عن تأسيس الدولة المدنية الرشيدة التي يطمحون لها، دولة المؤسسات والعدالة والمواطنة وسيادة القانون، ولا يخفى بأن دولة مثل هذه لايوجد فيها مجال لمسئول فاسد ومؤبد، ولا لمسئول يرفض قرار عزله من الجهة التي تملك حق ذلك، أو يربط تنفيذه للتوجيهات والقرارات باشتراطات محددة، وليس فيها مسئول يتطاول على القيادة الأعلى منه كما يفعل نائب وزير الإعلام وغيره من المسئولين.

وبذكر نائب وزير الإعلام سنصل إلى السر الذي جعلنا نطلق على أساطين العصر البائد تسمية (جماعة عبده الجندي) ذلك أننا جميعاً نتابع المؤتمرات الصحفية التي يديرها المذكور بعد تعيينه عضواً في لجنة المؤتمر العامة وتنصيبه ناطقاً باسمه، وكان ذلك بعد يوم واحد من تركه لحزبه القديم وانتقاله لحزب المؤتمر (إخلاصاً منه للمبادئ حسب قوله)!.

 وما يهمنا هنا هو التطاول الذي يمارسه نائب الوزير في مؤتمراته وتصريحاته تجاه مسئوليه الأعلى منه؛ ابتداء بتهجمه على الوزير الذي يعمل نائباً له، ومروراً بسخريته من رئيس الوزراء، وليس انتهاء باستهجانه لقرارات رئيس الجمهورية وإعلان رفضها، ثم يبقى بعد كل ذلك في منصب سياسي رسمي يفترض بموجبة أنه يعمل تحت إمرة هؤلاء الذين (يشرشح) بهم، ومطلوب منه تنفيذ أوامرهم حسب التوالي الإداري المعروف، لكنه بدلاً عن ذلك نجده ينفذ أوامر تأتيه من تحت الطاولة ومن أناس ليس لهم علاقة بمنصبه الرسمي الذي يشغله، وهو في حقيقة الأمر أصبح ناطقاً باسمهم وليس باسم حزب المؤتمر، وهو ماجعلنا نعتبره عنواناً لتلك الجماعة.

 ونحن هنا لا ننكر عليه تصريحاته الحزبية رغم المغالطات والتهريجات والتهم الباطلة الكثيرة التي تحتويها، لكننا ننكر عليه الجمع بين الموقعين، فمن حقه أن يبقى في موقعه الرسمي شريطة التعامل باحترام تجاه رؤسائه وتنفيذ توجيهاتهم، وعدم الاعتراض عليها إلا في إطار ما تخوله له القوانين النافذة.

 أما إن أرد أن يترك للسانه العنان للقدح بهم والتشهير بسياساتهم فيكفيه الاحتفاظ بمنصب ناطق المؤتمر ( وإن كان ذلك أيضاً فيه نظر بحكم أن المؤتمر شريك في حكومة الوفاق وإليه ينتمي رئيس الدولة الجديد)، أو ليكن مستعداً للمحاسبة وفقاً للقوانين والأنظمة التي تنظم العمل بين الرئيس والمرؤوس في الجهاز الإداري للدولة، مالم فقرار عزله من موقعه الرسمي هو وكل من يحذو حذوه يجب أن يكون مطروحاً على طاولة الرئيس هادي ودولة رئيس الوزراء باسندوة، حتى لا تصبح مؤسساتنا الرسمية غابة تفتقد للضوابط التي تحكمها، وبذلك فقط سنمنع تسخير المنصب العام لصالح المنصب الحزبي بما يمثله ذلك من تحقير للوظيفة العامة ويفقدها مكانتها المحايدة.