خمس محطات ساخنة .. في وداع عام اليمن 2011م..!!
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 23 يوماً
الأحد 25 ديسمبر-كانون الأول 2011 09:40 م

ارتبطت أحداث اليمن في العام المنصرم 2011م إرتباطا مباشراً بأحداث الربيع العربي، التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس (ديسمبر 2010م)، حيث أحرق البوعزيزي نفسه حتى الموت في سيدي بوزيد، لتنتصر له تونس كلها، ضد نظام الرئيس بن علي، الذي سقط هاربا، بعد 28 يوما من الثورة عليه، وحيث اشتعل ميدان التحرير في القاهرة بالغاضبين الحالمين بالتغيير بعيداً عن ملاحقات أمن الدولة، وسيطرة واحتكار الحياة من قبل الرئيس مبارك وأبنائة والمقربين منه، ومن القطط السمان، والهوامير الطاغية التي افسدت كل شيء في حياة مصر والمصريين.

ولأن حياة الشعوب العربية في اليمن، ومصر وليبيا، وتونس، والمغرب، وسوريا والسودان، والعراق ...الخ، متماثلة في المعاناة من شظف العيش وقسوة وظلم الأنظمة، وفساد المؤسسات والمسؤولين فيها، فقد مثلت نسيجاً واحداً من الآمال والطموحات باتجاة التغيير، رغبة في التخلص من التمييز، والكبت، وإحتكار الثروة والسلطة، في أسر وفئات معينة دون بقية أبناء الشعب.

وقد كان الشعب اليمني - ولا يزال- في طليعة هذا النوع من المعاناة، فهو لا يختلف كثيراً في واقعه البائس عن الشعوب العربية الأخرى، إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق، فقد تفاقمت الأوضاع المعيشية والإقتصادية في البلاد بحلول عام 2011م بصورة مخيفة، وضاقت سبل العيش بالمواطن، فواجه كلٌ مصيره بماقدر له من هذه المعاناة، بينما الدولة ظلت منشغلة بإدارة وإفتعال الأزمات السياسية، وإشعال الحروب والخلافات، حيناً باسم تحصين الوحدة من \"خطر الإنفصاليين\"، وآخر باسم حماية النظام الجمهوري وضد االحوثية \"الإماميية الجديدة\"، وثالثاً باسم المتآمرين والخارجين عن الشرعية... الى آخر هذه المسميات \"الأزمات\"، التي ولدت بؤساً عاماً ومعاناة مستديمة عند المواطن اليمني، ودفعته للمطالبة بالتغيير والثورة على الظلم.

ولا شك أن أبرز الأحداث السياسية على الساحة اليمنية خلال العام 2011م كان في إشتعال ثورة التغيير، وخروج مئات الألاف من الشباب الى شوارع العاصمة صنعاء وكبريات عواصم المحافظات اليمنية كعدن وتعز والحديدة، (3 فبراير 2011م) يطالبون بدولة مدنية، تحفظ لليمنيين كراماتهم، وتحقق لهم العدل والمساواة، ويهتفون ضد الرئيس علي عبدالله صالح بـالرحيل، مقاومة للفساد ورفضا لمفاهيم\" التأبيد أو التمديد أو التوريث \" في الحكم، التي كانت مظاهرها قد استشرت وبدأت تعم كل مناحي الحياة السياسية والعامة.

ولم يكن غريبا أن تلتهب أحداث الثورة المطالبة بالتغيير في اليمن، مباشرة بعد 8 أيام فقط من إندلاع أحداث الثورة في مصر، فمصر بالنسبة لليمن واليمنيين تعتبر، هي مركز الإسنتارة العربي. وهي ملهمة التغيير فيه ، فقد قامت ثورة سبتمبر1962م، ضد نظام بين حميد الدين، بتأثير فعلي ومباشر من ثورة يوليو المصرية 1952م، وبتأثر بشعاراتها وأهدافها، ثم بدعمها، والوقوف الى جانبها، كما استلهمت ثورة اكتوبر 1963م في جنوب البلاد ضد المستعمر البريطاني قوتها من قوة ودعم مصر عبد الناصر.

وهو الأمر الذي استشعر بخطورته الرئيس علي عبدالله صالح نفسة، مباشرة بعد أحداث القاهرة 25 يناير 2011م، حيث كان يردد على المقربين منه \"بأن ما يجري في مصر، ليس سهلا، وإن انعكاسات الأحداث فيها، ستكون خطيرة على الأوضاع في اليمن، إذا لم نتنبه اليها من الآن\"، وذلك - بالتأكيد- خلافا للتصريحات التي كانت تترد في خطاباته العامة، بأن اليمن \"ليست تونس وليست مصر\".

غير أن ثقة الرجل بنفسه، مكنته من أن يثبت أنه، ليس بن علي، وليس مبارك، وليس القذافي أيضاً، وهذه الثقة، لم تمنعه من المكابرة والمناورة، والمراوغة واللعب على كل الحبال، بتقديم المبادررات، تلو المبادرات، لتقريب المعارضين، ومحاولة الإتفاق معهم حينا، وحيناً بمحاولة الالتفاف عليهم، بدعوة الشباب للحوار والإستعداد فورا لتنفيذ مطالبهم، وحيناً بتحميل العلماء، مسؤلية توفير صيغة مناسبة، لتجنب ما حدث في كل من تونس ومصر، ثم اللعب بذكاء على القوى الإقليمية والمبادرة الخليجية، التي وافق عليها أخيراً - وفقا لشروطه - ولكن بعد خراب مالطة، ووصول ضحايا الإعتصامات وقتلى الساحات، والمواجهات المسلحة في تعز وارحب ونهم، والحيمة وعدن وأبين، الى ما يزيد على الأربعة الآف بين قتيل وجريح، لكن كل هذا لم يمنعه بالمقابل من الرضوخ لمطالب الثورة والتغيير، والقبول بالإنتقال التدريجي للسلطة ، الذي سينتهي حتما بقبوله بالخروج من دار الرئاسة، لينتهي بذلك حـــكمٌ دام 33 عاماً.

ولعل أبرز أحداث اليمن خلال العام 2011م، تمثلت برأيي، في خمس محطات رئيسية ساخنة هي:

المحطة الأولى:

كانت في إندلاع ثورة التغيير، وتحشيد السلطة والمعارضة لأنصارهما لإحتلال الساحات والميادين العامة ونصب الخيام، والتجمهر للمطالبة بالتغيير، أو رفضه، بما جسّدَ على واقع الحياة اليمنية العامة شعار \" التحدي بالتحدي\" الذي رفعه الرئيس صالح منذ اليوم الأول لإندلاع الثورة ضدة.

المحطة الثانية:

حادث ما سمي بــ\"جمعة الكرامة\" الدامي، الذي اتهم فيه قناصة من الحرس الجمهوري، بقتل أكثر من (53) متظاهراً سلمياً في ساحة التغيير بصنعاء، والذي حدث ظهر يوم الجمعة 18 مارس 2011م، وأهتز له وجدان الضمير الإنساني اليمني والعالمي، ودفع بأعداد كبيرة من قيادات الدولة، وأعضاء المؤتمر الشعبي العام، ليس فقط لأدانته وإستنكاره، وإنما للإعلان عن التبرؤ من النظام ومن الحزب الحاكم.

المحطة الثالثة:

إعلان اللواء علي محسن صالح الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع قائد المنطقة الشمالية الغربية، بتاريخ 21 مارس 2011م، الإنشقاق عن الجيش الذي يخضع لسيطرة وإدارة الرئيس، والإنضمام للثورة، ودعمه\" السلمي للثورة السلمية\" بحسب تعبير البيان، الذي تلاه بنفسه عبر قنوات فضائية محلية وعربية، ضد نظام الرئيس صالح، وقد مثل إنشقاق اللواء علي محسن، الذي اشتهر بــ\"مطفئ حرائق الرئيس\"، نقطة هامة وفاصلة، في زعزعة نظام الرئيس علي عبدالله صالح، ليس فقط بكونه قريب الرئيس، وإنما أيضاً بما عرف عن الرجل من قوة، وحضور فاعل ومؤثر في المؤسستين المدنية والعسكرية، وبكونه كان يعتبر الرجل الثاني في النظام، وأقوى القيادات العسكرية اليمنية على الإطلاق\".

المحطة الرابعة:

وهي تكمن في إستمرار الثورة من أجل التغيير لأكثر من أحد عشر شهراً، سعياً في تحقيق مكاسب ملموسة على الأرض، تمكن الشباب من الإنطلاق لبناء دولتهم المدنية الحديثة، التي يحلمون بها، والتي - ربما- تحقق جزء يسير من مطالبها بتشكيل حكومة\" الوفاق الوطني\" برئاسة محمد سالم باسندوة، التي يمثل الشباب فيها قيادات أحزاب \"اللقاء المشترك\".

المحطة الخامسة:

توقيع الرئيس علي عبدالله صالح على المبادرة الخليجية، التي خط بيده معظم بنودها، في حفل مهيب رعاه الملك عبدالله في الرياض بتاريخ 23 نوفمبر 2011م، حضره سفراء الدول دائمة العضوية، ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، حيث تنازل بموجب هذا التوقيع عن صلاحياته لنائبه، لقاء الشراكة في حكومة\"الوفاق الوطني\"، وإنتخابات رئاسية مبكرة، وبضمانات قانونية محلية ودولية وإقليمية، يتخلى بموجبها عن الرئاسة، وفقا للآلية التنفيذية الموقع عليها من قبله وأطراف معارضة في اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام، وبذلك يكون الرئيس علي عبدالله صالح قد حقق مبتغاه بخروج مشرف وتدريجي وآمن من السلطة.

إن أبرز مايميز العام 2011م في اليمن، هو أنه عام أطول ثورة تغيير في العالم العربي، وعام أشهر محاولة إغتيال غامضة للرئيس علي عبدالله صالح وأركان حكمه، بتفجير جامع النهدين بدار الرئاسة في 3 يونيو 2011م، وعام إتساع نشاط تنظيم القاعدة، وسيطرته على أجزاء من محافظات أبين وشبوة، وتعزيز تواجده في مارب ومحافظات أخرى.

ويبدو أن هذا العام 2011، سيكون هو العام اليمني الذي ودع الثورة ومعارضيها، بالتهدئة بتشكيل حكومة \"الوفاق الوطني\" مناصفة بين \"المؤتمر وحلفائه\"، و\"المشترك وشركائه\"، لكنه - ربما- سيحيل للعام الجديد 2012م، صراعاً من نوع آخر، لا نتماه، ولا نرجوه، هو صراع تمدد تنظيم القاعدة، الذي ستتهيأ له الأجواء إذا ما استمرت الأوضاع في التأزم وعدم الإستقرار، وصراع المشكلة الجنوبية، والبحث لها عن مخارج قد تكون صعبة، لكنها يجب أن لا تكون على حساب ثبات واستمرار الوحدة اليمنية، وأن يكون ارقاها وأقلها ضرراً، إقرار اللامركزية المالية والإدارية بنظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات، وأهونها نظام الأقاليم، وربما أخطرها وأكثرها ضرراً القبول بـنظام (الفيدرالية)، والعودة للتقاسم والمناصفة \" المقيتة\"، التي قد تقود-لا سمح الله- الى صراع من أجل بقاء الوحدة والحفاظ عليها، حفاظا على مستقبل أمن واستقرار اليمن، وضمان تنميته، وانتقاله الى الحكم الرشيد.

ثم إننا ونحن نودع العام 2011م، بإيجابياته وسلبياته، نتمنى أن لا يكون العام المقبل هو عام توسيع المواجهة \"المذهبية\" المسلحة بين \"الإخوان المسلمين\"، و\"الحركة الحوثية\"، والتي بدأت تشتعل في أكثر من مكان، بعد أن تمكن الحوثيون من التواجد القوي في ثلاث محافظات (الجوف، عمران، حجة)، إثر إحكام سطرتهم الإدارية الكاملة على محافظة صعدة، وتحول العلاقة بين الخصمين العقائديين \"الإخوان- سنة\" و\"الحركة الحوثية- زيدية\" من نقطة التقارب أثناء حروب الأخيرة مع نظام الرئيس صالح، الى نقطة المواجهة المسلحة، التي نرجو أن تتوقف عند المواجهة في منطقة دماج بمحافظة صعدة، التي استمرت خلال الشهرين الماضيين، وانتهت بالتهدئة بتدخل وصلح قبلي في 22 ديسمبر الجاري 2011م.

لقد جاء العام 2011م الى عالمنا العربي، وكان يحمل معه مشاعل وأحداث ثورة التغيير العربي، التي امتزجت فيها مشاعر الحزن والدم والألم، ببوادر الحلم والأمل، ليس فقط في تونس ومصر وليبيا واليمن، وإنما في كل الأنحاء والأقطار التي تعاني شعوبها من ظلم وقهر الأنظمة، فشعوبنا العربية أصبحت متعطشة حتى الضمأ، وضمآنة حتى الموت، لأن تعيش في ظل أنظمة تحقق لها العدالة ، وتؤمن لها حياة كريمة، في أوطان تكون ملكا للجميع، ولا يوجد فيها سادة وعبيد ، وحكام ومحكومون، وإنما يوجد فيها مواطنون تحكمهم دساتير، وتسودهم قوانين وأنظمة.

وكل عام ووطننا أمنُ وسلام، وشوارعنا بلا متارس، ومدارسنا مدارس، وبيوتنا بلا خراب ولا دمار.. والجميع بخير.

*عضو مجلس الشورى