وقفة في الذكرة الثلاثين لاستعادة الوحدة
بقلم/ عادل الاحمدي
نشر منذ: 4 سنوات و 5 أشهر و 28 يوماً
الخميس 21 مايو 2020 11:39 م
 

تعاني الوحدة اليمنية فى الذكرى الـ30 لاستعادتها، من ندوب عديدة وجروح غائرة تجعل من التناول الاعتيادي لهذه المناسبة أمراً شحيح الجدوى.

وفي تقديري، فإن أصل الإشكال (في التشظيات التي لحقت الجسد اليمني) يعود في جذوره البعيدة، إلى تبعات الموقع الجيوسياسي لليمن بعد انتقال عاصمة الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة إلى الكوفة فدمشق فبغداد، بحيث أصبح اليمن ضمن الأطراف النائية للدولة الإسلامية بعد أن خلا من الكثير من سكانه الأقوياء الذين استنزفتهم فترة الفتوحات. 

وبالتالي أصبح اليمن لقمة سائغة للحركات السياسية المتمردة على نظام الخلافة، ومنها العلويون الذين اقتطعوا اليمن من جسد الخلافة منذ 284هـ ليدخل البلد من يومها دوامة الصراعات بين المشاريع الوافدة والمجتمعات الأصلية التي حرمت منذ ذلك الوقت من حكم بلادها إلا في فترات متقطعة. 

وكثيرا ما نجحت القوى الوافدة في جعل السكان يتحاربون فيما بينهم ويصبحون حطبا لبقائها. وكان حاصل هذا الصراع هو ضمور فكرة الدولة على صعيد النظرية والتطبيق، ونشوء ثقافة الكيانات المتشرذمة التي أذكتها "نظرية الخروج" في فكر الشيعة الجارودية الزيدية. 

وباستثناء تجربة الصليحيين (439-532هـ) والرسوليين (626-858هـ) فإن اليمن خلا طيلة عشرة قرون من نموذج الدولة القوية التي تبسط سيطرتها على كامل الأرجاء وتوحد الأنظمة والقوانين والمناهج، وتعمل على بناء الجيش الوطني، وتشجع العلوم والمعارف والعمران، إلى أن جاء الاستعمار البريطاني 1839 إلى عدن، ليغدو اليمن نهباً بين ثلاثة مشاريع متصارعة كلها من خارج البلاد، الإنجليز والأئمة الهادويون والأتراك. 

ونجم عن هذا التصارع التشطير المعروف إلى وقت قريب بالشمال والجنوب منذ عام 1873م. وهو بالمناسبة، توصيف لا يعتمد العِلمية الجغرافية بشكل دقيق، إذ على سبيل المثال، تقع سيئون (جنوبية) وصنعاء (شمالية)، على خط العرض نفسه. 

الشمال منقسم إلى زيدية وشافعية، والجنوب سلطنات، عدا التباينات الطبيعية الناشئة عن تنوع المناخ والتضاريس في اللهجات والأزياء. 

والواقع أنه مع كل ذلك ظلت الوحدة الوطنية للشعب اليمني أمرا لا غبار عليه، مهما تعددت المسميات السياسية، لكن هذه الوحدة تعرضت لتهديد حقيقي منذ أن سعى الأئمة والإنجليز إلى تأبيد التشطير باتفاقيات دولية وترسيم للحدود (11 فبراير/شباط 1934م) وحصر مسمى اليمن على الجزء الواقع بيد الأئمة، وتعود للإنجليز الحقوق الفكرية في ابتداع مصطلح "الجنوب العربي" لباقي مناطق اليمن (وهو ما سقط حينها على يد أبناء الجنوب سقوطا ذريعا). 

هذا التمزيق الممنهج استفز الطلائع اليمنية الحية في الشمال والجنوب من تلك التي تعلمت خارج البلاد، وكونت "الحركة الوطنية" التي مهدت لقيام الثورة على الإمامة والمستعمر حفاظاً على وحدة اليمن. 

وتحقق ذلك في 26 سبتمبر/أيلول 1962 فأقصى الإمامة الاستعلائية المتخلفة في الشمال، وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963 الذي مهد لخروج المستعمر من عدن في 30 نوفمبر 1967، ليعود لليمنيين -ولأول مرة منذ قرون- حكم بلادهم، دون أن يكون لديهم ميراث دولة ولا تقاليد حكم ولا ذاكرة إدارة، إذ لم يكن ما لدى الأئمة صالحاً لوصفه بالدولة، أما الاستعمار فقد انحصر في منطقة "المعلا" بعدن تاركا بقية الجنوب اليمني لإدارة السلاطين المتصارعين فيما بينهم. وبموجب الثورة قامت جمهوريتان توحدتا في 22 مايو/أيار 1990 بعد سلسلة من الحروب الشطرية (بهدف تحقيق الوحدة). 

ومنذ الثورة اليمنية، سبتمبر وأكتوبر، وحتى اليوم، لا يزال اليمنيون يتعلمون إدارة الحكم، ولا يزال المجتمع يكابد العديد من العوائق الذاتية والموضوعية للتكيف مع فكرة الدولة. (وهو أمر أدى إلى نوع من النكوص والتفريط استغلته مخلفات الإمامة في الشمال لتعاود الظهور مجددا بدءا من تمردها في صيف العام 2004 وصولا الى سيطرتها على العاصمة صنعاء خريف العام 2014، مستغلة الندوب العميقة التي خلفتها أخطاء النظامين السابق والحالي، واحتجاجات 2011. ولا شك أن استعادة مكتسبات سبتمبر وأكتوبر هو التحدي الكبير الذي يجابهه اليمنيون منذ سنوات خمس).

- جزء من دراسة نشرها الكاتب في مواقع عربية في العام 2009، باستثناء الفقرتين الأولى والأخيرة