حذاء اسماء الاسد
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 16 يوماً
السبت 24 مارس - آذار 2012 07:01 م

لا نعرف ما هو الضرر الذي سيلحق بالسيدة اسماء الاسد زوجة الرئيس السوري اذا مُنعت من دخول دول الاتحاد الاوروبي، والشيء نفسه ينطبق على حماتها السيدة انيسة التي لم نسمع او نقرأ انها غادرت دمشق طوال الاربعين عاما الماضية، وربما اكثر. فبعض قرارات الحظر الاوروبية تبدو بلا معنى على الاطلاق.

السيدة اسماء الاسد وجدت نفسها، وبمحض الصدفة زوجة رئيس سورية، وعندما اصبحت كذلك لم يكن زوجها مطلوبا، او مكروها، بل كانت معظم الدول التي تعاديه حاليا يفتخر حكامها بصداقته، ويفرشون له السجاد الاحمر، ويعتبرونه زعيما للممانعة، رغم انهم كانوا يعرفون جيدا انه ديكتاتور، وان سجل نظامه هو الاسوأ في المنطقة العربية، وربما العالم بأسره على صعيد قضايا حقوق الانسان.

زوجة الرئيس السوري التي صدر قرار يحظر دخولها الى الجنة الاوروبية كانت حتى اقل من عام تحتل اغلفة جميع المجلات النسائية العربية، ومعظم الاوروبية، وتدبج المقالات حول اناقتها وجمالها، وتقدم على انها الوجه الحضاري للمرأة العربية الجديدة، ولم يحاول أحد من الذين يطاردون سيدة سورية الاولى ووالداها طلبا للقائها، ان يتوقف لحظة عند ديكتاتورية النظام السوري، وانتهاكه لحقوق الانسان واهانته لكرامة اكثر من عشرين مليونا من مواطنيه.

لا نعرف لماذا تعاقب السيدة اسماء الاسد على وجه الخصوص، فهي ليست جنرالا في الأمن السوري تشرف على تعذيب المعارضين او تصدر الاحكام بإعدامهم، انها لا تستطيع تطليق زوجها او الهرب من سورية لو ارادت الهروب، مما يؤكد ان هؤلاء الذين اصدروا مثل هذا القرار لا يعرفون سورية اولا، ولا يعرفون قوانين الاحوال المدنية ثانيا، ولا احكام الشريعة الاسلامية ثالثا، والاكثر من ذلك يغلقون ابواب النجاة في وجه امرأة، في حال قررت ان تترك زوجها واطفالها، وهذا ما نستبعده كليا.

ربما تكون الرسائل الالكترونية (ايميل) التي جرى تسريبها اخيرا الى بعض الصحف الغربية، ومنها الى نظيراتها العربية، قد كشفت عن استهتار السيدة اسماء بمعاناة الشعب السوري الذي يواجه القتل يوميا، من خلال اقدامها على شراء احذية او مزهريات مرتفعة الثمن، وهذه مسألة قابلة للنقاش على أي حال، لان حمى التسوق هذه كانت موضع اشادة قبل الاحداث الدموية السورية، ولكن لم يتوقف احد، او ربما القلة، عند امور اكثر اهمية وخطورة كشفت عنها الايميلات نفسها، وابرزها غياب دولة المؤسسات في سورية، وتركيز السلطات كلها في يد شخص الرئيس ومجموعة صغيرة من مستشاراته ومستشاريه، الذين يقررون كل شيء دون الرجوع الى اي مرجعية مؤسساتية في البلاد.

' ' '

كنا سندين بشدة مسألة تسريب هذه الرسائل، والسطو بالتالي على بريد الكتروني خاص، حتى لو كان لزعيم ديكتاتور، فهذه سرقة مخالفة للقانون، وتتساوى مع فضيحة التنصت التي هزت الصحف البريطانية التابعة لمجموعة روبرت مردوخ الاعلامية الضخمة، وهي فضيحة طالت تسجيل مكالمات مئات الاشخاص من المسؤولين الكبار، ومشاهير الفن وكرة القدم. وما يجعلنا نتحفظ على الادانة، او مواجهة الحد الادنى من شبهة الدفاع عن نظام ديكتاتوري، ان هذا النظام لم يحترم مطلقا خصوصية الكثير من اصدقائه وخصومه على حد سواء، وكانت عمليات التصوير والتنصت وفبركة الافلام من ابسط ممارسات بعض اجهزته الامنية، فكم من انسان، بمن في ذلك بعض رجالات الحكم، تعرض للابتزاز بسبب هذه الممارسات وغيرها؟

ندرك جيدا ان النظام السوري تجاوز كل الخطوط الحمر في حربه الدموية للسيطرة على الانتفاضة، مثلما ندرك ايضا ان هناك حوالى عشرة آلاف شخص فقدوا ارواحهم برصاص حلوله الامنية، ولكن للحرب اخلاقياتها ايضا، فمشكلة الشعب السوري مع النظام ليست في شراء السيدة اسماء الاسد حذاء بثلاثة آلاف دولار، وانما في ديكتاتوريته ودمويته وقمعه، فهناك آلاف السيدات، خاصة من بنات وزوجات الاثرياء العرب ،والسوريات منهن خاصة، المحسوبات وازواجهن على المعارضة للنظام يشترين احذية بأضعاف هذا المبلغ، ونحن نعيش في لندن ونعرف قصصا يشيب لها شعر معظم ابناء الشعب السوري المحاصرين، او الذين يتعرضون للقصف في حمص وادلب ودير الزور وغيرها، ولا يجدون الماء او الكهرياء او ابسط انواع الدواء لعلاج جرحاهم، او الامان لدفن شهدائهم.

' ' '

نحن هنا لا نتحدث عن زوجات الحكام العرب وبناتهن، كما اننا لا نشير الى بريدهن الالكتروني الخاص، وما يتضمنه من رسائل وصور، وفواتير تسوقهن في لندن وباريس وجنيف، فقط نردد المثل الذي يقول 'عندما تسقط البقرة تكثر السكاكين'.

الشعب السوري الذي يواجه القتل لاكثر من اثني عشر شهرا لوحده، دون ان يتعب او يتراجع مليمترا واحدا في اندفاعاته المشرفة لتقديم التضحيات من دمه وارواحه، يتعرض الى خديعة كبرى من العرب والغرب على حد سواء، فهناك الكثيرون الذين يبيعونه الوهم، ويسطّحون قضيته، ويصعّدون آماله في قرب النجاة على ايديهم، وهنا تكمن الفضيحة الحقيقية، وليس الرسائل او الصورة اليتيمة لامرأة شبه عارية جرى العثور عليها وسط هذا الكم الهائل من الرسائل الالكترونية.

التغيير الديمقراطي الحقيقي سيصل الى سورية حتما في نهاية المطاف، ليس لانه تغيير مشروع، وانما لان الشعب السوري لن يوقف مسيرته وتضحياته حتى يفرضه بكل الطرق والوسائل، مهما كان الثمن، اما من يتوقفون عند حذاء او حقيبة او فرض حظر على امرأة، فهؤلاء لا يمكن ان يفيدوا الشعب السوري او هكذا نعتقد.