رسالة إلى الحكومة :أربع خطوات لإنعاش الاقتصاد الهزيل 2
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 25 يوماً
الخميس 20 مايو 2010 06:36 م

بمناسبة عيد الوحدة اليمنية العشرين نتوجه بكل التهاني والتحايا للشعب اليمني(محكومين وحكاما) وبكل الود والتقدير نتوجه إلى الحكومة الموقرة بهذه المقترحات إسهاما في أصلاح ما أعطبته أنياب السلطة ونوائب الدهر وتراكم الأخطاء واتساع الخرق دون انتباه ، ونحن نعتقد أن أربع خطوات ضرورية متتالية دون القفز بينها لابد من تحقيقها :

الخطوة الأولى : تنمية إيرادات الخزينة العامة وحصرها ضمن إجراء النافذة الوحيدة للمدخلات في التحصيل والمخرجات في الصرف: وهذا سيؤدي كما بينا إلى سد الثغرات وتجفيف منابع السرقات والفساد المالي الجائر (وقد أوردنا التفاصيل في المقالة (رسالة إلى الحكومة(1). ولا بد لصانع القرار أن يبدأ بنفسه ويعلن للملإ مصروفاته الشهرية مثل جميع رؤساء وحكومات العالم المتحضر. (والفصل بين موازنة الدولة وجعالة الأسرة).

ولأننا لا نستطيع أن نقوم بالإجراءات والإصلاحات التالية تباعا ما لم نتأكد من حقيقة ما نملك، وما بين أيدينا فعلا، وما هو متاح، وهل يكفي أم لا ؟ وكم هو العجز الذي نحتاج تغطيته عند اللجوء إلى فرض سياسات أو بدائل أخرى ؟.

الخطوة الثانية : الإصلاح الضريبي : يقال إن السلطة الفاسدة تصنع مجتمعا فاسدا ، ورجال المال والأعمال والتجار في بلادنا ما كان بوسعهم أن يمارسوا التهرب الضريبي العلني لو لم تكن السلطة بفسادها تشجعهم على مشاركتها في الفساد المالي، وتسكت عنهم، ولكونها قدوة سيئة لهم فهم يفسدون برضاها وبرعايتها وتحت بصرها لأنها تقاسمهم ذلك (على سبيل المثال ما لذي يجعل شركة سوزوكي سابحة تبيع قطع الغيار بفارق 40 في المائة زيادة في السعر عما تبيعه وكالة سوزوكي بامعروف في عدن ما لم يكن هناك تغاضي أو فساد سياسي مكشوف وهذا ينطبق على كثير من السلع المتفاوتة في الأسعار).

أليس باعثا للغرابة أن منذ خمس سنوات لم يتم إصدار قانون ضريبة المبيعات ، ولا يزال في المحكمة منذ عامين، فهل القضاء غير قادر على الحسم في الموضوع خلال شهر، كنا نتمنى أن تصدر السلطة قانون ضريبة المبيعات وفقا لرغبات أصحاب المال والأعمال وتعمل به تجريبيا على مدار عامين لكي تقيس مدى انخفاض أو ارتفاع ونمو نسبة التحصيل عن المبلغ الحالي، فالتجار يصرون على أن القانون المقترح من قبلهم يضمن للدولة ضريبة تتجاوز ترليون ريال (= نصف الموازنة العامة) بينما ما هو محصل الآن لا يتجاوز ربع ترليون ريال ، فإذا كانت نتيجة إقرار القانون بشروطهم لا يلبي الحاجة فبمقدور السلطة عندئذ تشريع قانون آخر دون الالتفات إليهم ومقترحاتهم وفرضه بالطريقة التي تقترحها لأن النتيجة لم تكن متطابقة مع طروحاتهم ومحاسبة المتهربين عن دفع الضرائب وهي عصب الموازنات العامة في أي دولة.

فالتحصيل الضريبي لا يمثل الآن بإيراداته سوى 15 في المائة مما ينبغي أن يتم تحصيله من إجمالي النشاطات الاقتصادية بكل أنواعها ، ومن الخطأ الفادح الذهاب إلى تحرير الأسعار وسلخ المواطن الضعيف والسكوت عن أصحاب المال والأعمال، وبالتالي فإن إجراء هاتين الخطوتين قد تغني الحكومة اللجوء إلى تحرير الأسعار التي سنصل إليها ولكن كخطوة أخيرة للضرورة القصوى وليس خطوة أولى ووحيدة منذ العام 1995.

الخطوة الثالثة : حماية المستثمر اليمني من التدخلات السلطوية : نريد قانونا يتيح لكل رؤوس الأموال اليمنية بأن يستبيحوا بلادهم وفقا للقانون دون تدخلات أو تطفل وحمايتهم من المحاصصة والمناصفة والتطفيش المتعمد لمقاسمتهم أرزاقهم وأموالهم دون وجه حق ، فإذا شعر رجل الأعمال والتاجر اليمني بالحرية والأمان فنحن في غنى عن الرأس المال الوافد.

ففي دول الخليج لدينا رجال أعمال يمنيون قادرون على إحداث نهضة زراعية وصناعية وعمرانية تغنينا عن التسول والهوان في حياض الغير، وللأسف فالسوابق والسمعة السيئة التي رسمناها في أذهان أصحاب النوايا الحسنة والصورة الشاذة التي خدعنا بها أصحاب الأموال ذو التجارب المرة كانت طاردة ولم تكن مطمئنة للمغامرة مرة أخرى للاستثمار وجلبه مرة أخرى إلى بلادنا فنحن بحاجة اليوم لإثبات المصداقية إلى إتاحة الفرصة للرأس المال المحلي كي يبدأ ويشق طريق النجاح حتى يكون مؤشرا لجذب المال المهاجر بوثوق عال ، ينبغي أن نوفر لأصحاب الأموال مجالا حرا للنشاط الاقتصادي هذا وحده من سيفتح أفاق التشغيل والتخفيف من حدة البطالة والمساهمة في النمو الاقتصادي ، فكل رجل أعمال عاد إلى الوطن ليسهم في مشروع ما واجهته الصعوبات وأفقدته أمواله وعاد من حيث أتي وهو يلعن اليوم الذي قرر فيها العودة إلى مُـقام اسمه الوطن، وليس من السهل إعادة الثقة إلى هذا المستثمر اليمني المهاجر ما لم نبدأ بتحفيز وتشجيع الرأس المال المحلي للنهوض كي يكون نموذجا صادقا لحرية الاستثمار وجذب الأموال.

الخطوة الرابعة (وهي الأخيرة): تحرير كل الأسعار ورفع الدعم : إذا لم تكن كل هذه الخطوات السابقة كافية لسد الاحتياجات عندها تصبح سياسة رفع الدعم التدريجي عن السلع المدعومة ضرورة لابد منها، وإذا شعر المواطن بأن الحكومة جادة وصادقة في برنامج الإصلاح الذي يصب في مصلحته فإنه لن يتذمر من قبول تحرير الأسعار عبر خطوات تدريجية يتزامن معها إجراءات حمائية للمواطن من انعكاسات رفع الدعم ومن هذه الإجراءات ما يلي:

-رفع الأجور وتقـيـيــسها بالدولار وليس بالريال، فنحن كمرحلة أولى بحاجة إلى أن يكون الحد الأدنى للأجور 200 دولار واستمرار صرف المعاشات وفقا للقيمة بالدولار وليس بالريال. وإلغاء العمل بنظام صرف المكافآت التي تعد أحد أبواب السرقات في العرف الإداري.

-رفع الضمان الاجتماعي إلى خمسين دولار ، للتخفيف من حدة الفقر ، مع ضرورة إعادة النظر في الأسماء المسجلة في الضمان وشطب كل الحالات الوهمية والكاذبة المنصرفة لمن لا يستحق ، وهذا يقتضي النزول إلى شوارع كل المدن اليمنية لإضافة وتسجيل كل الشحاتين في قائمة الضمان الاجتماعي وتسليط العقوبة الرادعة لكل من يمارس الشحاتة أيا كان طفلا أو معاقا أو امرأة أو مسنا.

-إقرار منحة مالية لكل طالب يمني يدرس في الجامعة اليمنية بمقدار خمسين دولار وتوفير السكن الجامعي لكل الطلاب والطالبات الحاصلين على معدل 70 في المائة فأكثر وهذا يقتضي إلغاء نظام الدراسة بالموازي أو النفقة الخاصة ليتمكن بقية الناجحين من مواصلة الدراسة حتى تصبح نسبة التعليم فوق 90 في المائة، وكذلك صرف منحة مالية شهرية بواقع 25 دولار لكل تلميذ وتلميذة في التعليم العام يحصل على تقدير جيد جدا فما فوق. وهذا سيترتب عليه ضرورة إصلاح منظومة التعليم من ألفه إلى يائه.

-تشجيع المنتج الزراعي المحلي والصناعي من خلال فرض رسوم ضريبية على المنتجات المستوردة التي يمكن إنتاجها محليا، وفرض نظام تسويق عالي الجودة للدخول في المنافسة عالميا في أي فائض محتمل.

-تأمين الخدمات العامة المجانية الجيدة مثل التعليم والصحة ، والتوسع في البنى التحتية وخاصة الطرقات السريعة والدولية بين كل المحافظات، وتأمين الخدمات الضرورية مدفوعة الثمن مثل الكهرباء والماء والإسكان. ويا ليت تلتفت السلطة جديا إلى مشروع الجسر البحري بين اليمن وجيبوتي فهو مشروع عملاق قد يدر مداخيل غير متوقعة لليمن.

ملاحظات ختامية : (حول التخفيف من ارتفاع الأسعار): تقول الحكومة إنها بحاجة إلى 85 مليار ريال لتحريك استراتيجة الأجور لكل موظفي الدولة (بحسب إفادة وزير الخدمة المدنية) وقد قامت الحكومة من جهتها برفع سعر اسطوانة الغاز من 650 إلى 1100 ريال بقفزات سريعة ومتوالية، ولكون الغاز المنزلي تستهلكه ستون في المائة من الأسر اليمنية البالغ عددها خمسة ملايين أسرة وبواقع اسطوانتين شهريا على أقل تقدير وإذا احتسبنا عدد المطاعم البالغة تقريبا من خمسين إلى مائة ألف مطعم وبوفية ومقهى (تستهلك بعض المطاعم الكبيرة يوميا أكثر من عشر اسطوانات غاز) فإن مجموع الزيادة المترتبة لرفع سعر الغاز يتجاوز سنويا 60 مليار ريال، ولأن استهلاك اليمن يوميا من البترول يساوي 70 ألف برميل يوميا (البرميل يساوي 170 ليتر) فإن الزيادة المقررة على البترول والديزل يتجاوز سنويا خمسين مليار ريال على أقل تقدير، وتصبح مجموع الزيادات السعرية للمحروقات 110 مليار ريال سنويا، وبهذا فإن تحريك استراتيجة الأجور قد توفر لها ما يغطيها ماليا وبفائض 25 مليار ريال(110-85=25).

ولكون إقرار هذه الزيادات السعرية تمت بمعزل عن إقرارها برلمانيا ضمن الموازنة العامة فإن فائضا ماليا على مدار العام الحالي غير داخل في الصرف والتصريف المقـنن، وما لم تتحرك الأجور سدا لارتفاع الأسعار الثقيلة على كاهل الموظفين والمتقاعدين والضمان الاجتماعي والمنح الدراسية، فإن هذه المبالغ المحصلة لا شك مرصودة لإجراء انتخابات 2011 ، وبالتالي فإن تحريك استراتيجية الأجور بدءا من مطلع 2011 سيكون بمثابة رشوة انتخابية مبكرة من جهة وتوفير فائض مالي حتى ديسمبر 2010 للنفقة على إدارة انتخابات محسومة نتائجها سلفا كما جرت العادة . ورددوا معي الزامل الشهير « يستاهل البرد من ضيع دفاه».

hodaifah@yahoo.com