مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
إشكالية تراثنا الفقهي بين العقيدة والشريعة:
الإشكالية الكبرى في موروثنا الفقهي التاريخي هو حصول نوع من الفصل بين العقيدة والشريعة وإظهار عقيدة التوحيد وكأنها ذات مضمون شعائري تعبدي يتعلق بتنظيم علاقة المسلم بربه في الآخرة فحسب من خلال عدم عبادة الأصنام الحجرية والتوجه إلى الله بكلمة التوحيد والشعائر الفردية ولا علاقة لعقيدة التوحيد بواقع الحياة السياسية والاجتماعية.
في حين أن عقيدة التوحيد في المنظور القرآني هي أصل الشريعة ولافصل بين العقيدة والشريعة ونجد عقيدة التوحيد في القرآن تحمل مضموناً تحررياً ثورياً سياسياً واجتماعياً واقعياً ينظم العلاقات السياسية في المجتمعات والدول والحضارات عبر تركيزه على عبادة البشر للبشر أكثر من تركيزه على عبادة البشر للحجر لأن الاستبداد السياسي والاستبداد الديني (عبادة البشر للبشر- تبعية الناس المطلقة لسلطة العلماء الدينية والروحية وتبعيتهم لسلطة الأمراء والحكام) هي السمة الغالبة المفسدة لحياة الناس السياسية والاجتماعية على النحو الذي سنبينه .
الحرية الإنسانية في المنظور القرآني هي سنة وقانون في أصل الفطرة والخلق الإنساني:
الإسلام كما أوضحت سلفاً هو المنهج والنظام العلمي الناظم للحياة الإنسانية وإلى جوار ذلك هو المنهج العلمي الناظم للحياة الكونية أيضاً بأرضها وسمائها ومجراتها وشموسها نقول ذلك؟ لأن مدلول كلمة الدين في تراثنا التقليدي قد حُصر فيما هو متعلق بالحياة الإنسانية وغيب شمول كلمة الدين الذي يعني النظام الرباني الذي من خلاله تدار حركة الكون وحركة الحياة الإنسانية.
ومما يدل على شمول كلمة دين قرآنياً للحياة الكونية والحياة الإنسانية هو قول الله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } (آل عمران :83).
إذن فدين الإسلام بصريح الآية القرآنية { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } هو النظام الكوني الذي يخضع لله في قوانين خلقه وفطرته وفي قوانين هديه وأمره (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)، فقوانين الفطرة والخلق هي قوانين الصناعة وقوانين الهدي والأمر هي القوانين الناظمة للحركة.
ومن هنا كان في إسلام حركة الكون بمجراته وشموسه وكواكبه وذرّاته سلام حركته وصلاحها وعدم تضادها وتصادمها وفسادها لأن الحركة الكونية خاضعة لله في قوانين خلقها (صناعتها) وفي قوانين أمرها وهديها (حركتها) ولذلك جاءت الإشارة القرآنية المبينة للنهج العلمي الذي تدار به حركة الكون وأن أمر هذا النظام لو ترك للأهواء البشرية لأفسد النظام الكوني ونظام الحياة الإنسانية.
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ } المؤمنون:71.
ثم بين لنا القرآن سر صلاح النظام الكوني وعدم فساده بقوله تعالى{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } الأنبياء:22.
فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية سر عدم فساد النظام الكوني في إسلام النظام الكوني وتوحيده لله بما يعطي لمفهوم التوحيد مضموناً تنظيمياً سياسياً إدارياً وهو ما يمكن أن نطلق عليه بمصطلحات العلوم المعاصرة (علم النظم السياسية، وعلم الإدارة) خضوع النظام الكوني لسلطة سياسية واحدة وعدم تعدد السلطات وهو ما يطلق عليه في علوم الإدارة (مبدأ وحدة القيادة) ويقابل هذا النظام الكوني الإلهي في نظامنا الإداري السياسي الأرضي (مبدأ وحدة الدولة ووحدة الأمة).
وكان نتيجة خضوع الكون لله هو تنظيم الحياة الكونية وفق ميزان دقيق بحيث لا تطغى مجرة على مجرة أو شمس على أخرى ولذلك دعانا القرآن إلى الاعتبار من هذا النظام الكوني والاقتباس منه بقوله تعالى {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ{7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ{8} (الرحمن: 7).
إذاً فهناك دين أي نظام تخضع له الحياة الكونية كما أن هناك دين ونظام تخضع له الحياة الإنسانية وسر صلاح النظام الكوني وعدم فساده أن قوانين حركته تسير موافقة لقوانين خلقه وفطرته تلقائياً.
ولما خلق الله الإنسان والحياة البشرية شاء المولى عز وجل أن يميز ويكرم بني الإنسان على بقية الكون من أصل فطرتهم وخلقهم فكرّم الله بني الإنسان فطرة وخلقاً بالعقل وهي القدرة على التعلم الذاتي والتمييز بين الخطأ والصواب والهدى من الضلال (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4}). وميّزه بحرية الإرادة أن يفعل ولا يفعل {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} (الشمس).
فهذا هو التكريم للإنسان فطرة وخلقاً تكريمه على بقية المخلوقات بالعقل والإرادة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء:70.
إذاً فأكرم ما في الإنسان خلقة وفطرة هي حريته وحرية الإنسان خلقاً وفطرة تتجسد في عقله وإرادته الحرة وبهذا يتضح لنا أن الحرية سنة فطرية في الحياة البشرية.
الحرية في المنظور القرآني سنة من سنن الشريعة الآمرة الهادية بما يوافق الفطرة الإنسانية:
ولما كانت الحرية في أصل الفطرة الإنسانية على النحو الذي أسلفت وأساس تكريم الإنسان على بقية المخلوقات نجد مفهوم الحرية ومحاربة الطاغوت والاستبداد وإقامة نظام سياسي واجتماعي يجسد معنى الحرية الأصل الأول للشريعة الإسلامية، ولأهمية هذا الأمر وحيويته لإقامة المجتمعات والدول والحضارات إرتبط هذا المقصد العظيم والسنة الاجتماعية الإنسانية بمبدأ التوحيد مباشرة، ولما كانت عملية التحرر السياسي والاجتماعي كسنة لا تتم إلا عبر الثورة التغييرية على حكم الطاغوت والاستبداد أولاً (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ثم إقرار النظام السياسي والاجتماعي الشوروي فلابد لأي ثورة تغييرية أن تمر بمرحلتين مرحلة الهدم والنفي لحكم الطاغوت ثم مرحلة البناء والإثبات للنظام السياسي الشوروي.
من هذا المنطلق نقول أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) حملت في طياتها ثورة سياسية اجتماعية تحررية نفياً وإثباتاً هدماً وبناءًُ نفياًُ وهدماً لحكم الطاغوت والاستبداد وإثباتاً وبناءً للنظام السياسي والاجتماعي الشوروي
فجاءت كلمة التوحيد مركبة من شقين لا إله (نفي وهدم) أي لا خضوع ولا طاعة عمياء ولا تبعية مطلقة لأي صنم حجري أو بشري، ثم الشق الثاني إلا الله (إثبات وبناء) بمعنى لا طاعة مطلقة ولا تبعية مطلقة ولا عبودية إلا لله بإتباع شريعته ومنهجه {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ{3} الأعراف: 3.
فكلمة التوحيد إذاً (لا إله إلا الله) بشقيها لا إله (النفي) إلا الله (الإثبات) تعني الثورة التحررية السياسية والاجتماعية (فلا إله) هي مرحلة النفي والهدم مرحلة الشرعية الثورية ضد حكم الطاغوت، (إلا الله) مرحلة بناء النظام السياسي والاجتماعي الحر مرحلة الشرعية الدستورية {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} المائدة:49.
ومما يؤكد هذا الفهم أن كلمة التوحيد أو العقيدة ليست مجرد طقوس شعائرية فحسب وإنما جاءت عقيدة التوحيد لتنظيم الحياة الإنسانية في شكلها السياسي والاجتماعي بمضمون تحرري ثوري مناهض لحكم الطاغوت والاستبداد داعياً إلى الحياة السياسية القائمة على الحرية هو قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} النحل:36.
فهذه الآية العظيمة كشفت عن حقيقة هامة وهي ارتباط مبدأ التوحيد مباشرة بمقصد مقاومة الاستبداد والطاغوت بما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك المضمون السياسي التحرري لكلمة التوحيد بل إن الآية الكريمة تؤكد أن هذا المقصد العظيم اجتناب الطاغوت والاستبداد كأعظم مقاصد التوحيد ليس جوهر الدين الإسلامي ديننا بل جوهر الأديان السماوية ورسل السماء عبر التاريخ البشري {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}
والطاغوت صيغة مبالغة لكلمة الطغيان والطغيان هو الظلم والاستبداد ومما يؤكد ارتباط هذا المصطلح القرآني بالاستبداد السياسي هو قوله تعالى لموسى عليه السلام: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى }طه:24.
وإلى حرمة الطغيان والظلم بكل أشكاله السياسية والاجتماعية قوله تعالى:
{ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} طه:81.
ومن الأدلة القرآنية التي تؤكد مبدأ الحرية الإنسانية بشكل عام وتبين بنصوص صريحة ما أوضحته من أن كلمة التوحيد تحمل مضموناً تحررياً سياسياُ يقوم أولاً على النفي والثورة على حكم الطاغوت كشرط لإقامة التوحيد ثم إعلان الإيمان بالله إثباتاً هو قوله تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{256} اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{257} البقرة .
فقوله تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} بيان قرآني صريح لأصل من أصول العقيدة التوحيدية الإسلامية وهو أصل الحرية الإنسانية كسنة تشريعية كما هي سنة فطرية خلقية ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) والمتعمق في فهم القرآن سيدرك أن الله سبحانه وتعالى بمشيئته جعل من الحرية الإنسانية أصلاً لتنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق أولاً فجعل للإنسان حرية المعتقد ( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ )الكهف: 29. ثم بين الله سبب حرية المعتقد بقوله (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
أي أن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان بفطرته وخلقه عقلاً وإرادة لتمييز الرشد من الغي وجعل من العقل والإرادة مناط التكليف لأنهما أي العقل والإرادة بمثابة السلطة الممنوحة من الله للإنسان سلطة التمييز بين الخير والشر وعلى قدر ما يمنح الإنسان سلطة يتحمل مسؤولية ويستحق الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر فإن آمن استحق الجنة وإن كفر استحق النار.
وكذلك جاء التأكيد الرباني للرسول (ص) على مبدأ الحرية الإنسانية (حرية المعتقد كفراً وإيماناً) بنص قرآني آخر صريح {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } يونس:99.
ولما كانت الحرية سنة فطرية وسنة تشريعية جعل الله مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام لإقناع الناس هي الحوار والحجة عبر البلاغ المبين لا الإكراه بالسيف ولكن أهل الأديان كلما عجزوا عن رفع حجة أديانهم رفعوا سيوفهم.
{قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } الأنعام:149.
{ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } النحل:35.
{ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } النور:54. {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ }الشورى48
ولذلك فآيات عدم الإكراه في الدين ليست منسوخة بآية السيف كما ذهب بعض العلماء من ذوي المنهجية الجزئية في الفهم والاستدلال لأن الحرية أصل في الفطرة وأصل في الشريعة بل إن فلسفة القتال في الإسلام شرعت لتأكيد مبدأ الحرية الإنسانية لا النفي لها .
فلم يشرع القتال إلا لرد اعتداء أو لمقاومة أنظمة سياسية طغيانية تمنع حرية المعتقد وحرية التبليغ {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190، فتعرض على هذه الأنظمة الطغيانية ثلاثة أمور الإسلام كدعوة وليس إكراه فإن أبو طلب منهم الجزية عن يد وهم صاغرون لتعرف شعوبهم الواقعة تحت الطغيان أن ميزان القوة عند المسلمين فلا يمتنعوا عن اعتناق الإسلام خوفاً من أنظمتهم إن اقتنعوا وإن لم يقتنعوا فلا يفرض عليهم وهذا ما فعله المسلمون عبر التاريخ أخذوا الجزية من الأنظمة الطغيانية لتأكيد مبدأ الحرية.
ولم تشهد البشرية حرية للمعتقد الديني مثلما شهدته في عصر الدولة الإسلامية فقد عاش اليهود والنصارى في ظل الإسلام في حالة من السلام والأمن والحرية وبما لا يشهدوها لو كانوا يعيشون في ظل أنظمة يهودية أو مسيحية وعظم الإسلام حرمة أهل الذمة إلى درجة نعلمها جميعاً. {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } الممتحنة:8.
ومما يجدر التنويه إليه في سياق الحديث عن الحرية ، أن الحرية في منظور الأديان السماوية لا تعني الفوضى والإباحية وإنما هي قيمة وسط بين الطغيان والفوضى والحرية من هذا المنظور هي نظام ومسئولية ويترتب على هذا النظام والمسئولية حقوق وواجبات لأن الفرد لا يستغني عن الحياة ضمن المجموع وما دام الأمر كذلك فحريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، فجوهر الحرية هو تنظيم العلاقة بين ( الأنا ) و ( الآخر ) ، والنفسية الحرة هي النفسية التي بقدر رفضها للظلم من الآخرين ترفض الظلم على الآخرين .
وإذا كان الإسلام قد قرر حرية المعتقد والتبليغ وجعل مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام هي البلاغ المبين وليس إكراه الناس بالسيف حتى يكونوا مؤمنين فإنه بالمقابل قد أوضح لنا أن الحياة الإنسانية في غياب هدي السماء يكون الطابع العام فيها للعلاقات الإنسانية السياسية والاجتماعية هو الطغيان والظلم، وميزان القوة لا ميزان العدالة، منطق صراع الحضارات لا منطق السلام العالمي وطغيان القوى العالمية على الدول الضعيفة وطغيان الدول على مجتمعاتها وشعوبها.
وإنه لا سبيل لإقامة مجتمعات ودول وحضارات بعيدة عن الطغيان والاستبداد السياسي والاجتماعي إلا عبر هدي السماء ، لأن هدي السماء هو المنهج العلمي الموافق لقوانين الفطرة الإنسانية وعلى رأسها مقصد الحرية الإنسانية ومقاومة الطغيان والاستبداد ( أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل:36.
وجاءت كلمة التوحيد عبر التاريخ البشري بمثابة البيان الأول لإعلان الثورة على حكم الطاغوت والاستبداد وإقامة الأنظمة السياسية والاجتماعية الشوروية عبر مضمون كلمة التوحيد القائمة على النفي أولاً (لا إله) ثم الإثبات (إلا الله) بحيث يستقر في عقيدة كل مسلم أنه لا إيمان له بالله صحيحاً إلا بعد إعلان الرفض والثورة على حكم الطاغوت.
ويتأكد فهمنا هذا لمضمون كلمة التوحيد بقوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة:256.
فقد جعل الله بصريح هذه الآية شرط الإيمان بالله أولاً النفي لحكم الطاغوت والكفر به (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) ثم الإيمان بالله ( وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ).
فدلت هذه الآية على المضمون التحرري الثوري لكلمة التوحيد كثورة تغييرية من حكم الطاغوت والاستبداد السياسي إلى حكم الإسلام ذو المضمون الشوروي وعلى إرتباط عقيدة التوحيد بمضمون سياسي اجتماعي تحرري بخلاف الفهم التقليدي التراثي الذي فصل العقيدة عن الشريعة وأبرز مضمون العقيدة التوحيدية بطابع تجريدي مفصول عن الواقع وكطقوس شعائرية فقط ودخلت مواضيع العقيدة في تاريخنا في جدل كلامي سخيف لا يتعلق بمواضيع العقيدة ولا بجوهرها مثل قضية خلق القرآن وقضية الصفات والذات وتم إفراغ عقيدة التوحيد من مضمونها الجوهري كثورة تحررية سياسية اجتماعية على كافة أشكال الطغيان السياسي والاجتماعي وكان هذا من أثر الهجمة الشرسة المجوسية اليهودية على الإسلام .
ومما يؤكد أن المقصود باجتناب الطاغوت والكفر بالطاغوت في الآيات السالفة هو ارتباط عقيدة التوحيد بمضمون سياسي اجتماعي يدعوا إلى تنظيم العلاقات السياسية بعيداً عن الأنظمة السياسية الطاغوتية الذي يكون طابع العلاقات السياسية فيها استبدادي عبودي هو أن معظم آيات القرآن التي تحدثت عن عقيدة التوحيد قد ركزت على مفهوم (الولاية العامة-الولاء والبراء).
والولاية العامة بمفرداتها (ولي _أولياء) هي المصطلحات القرآنية المعبرة عن النظام السياسي والنظام الاجتماعي.
فقوله تعالى في نفس السياق: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة: 257.
فالربط بين الطاغوت والولاية في الآيات دليل على ارتباط التوحيد بمضمون تحرري سياسي ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ ) ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) .
ثم بين الله سبحانه وتعالى نتائج تحرير الولاء السياسي للمؤمنين من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) فنظام العدل الإسلامي يخرج الناس في دنياهم من النفق المظلم الذي يُدخلهم إليه نظام الطاغوت إلى نور صراط النعمة الشاملة في الدنيا والآخرة، في حين أن الأنظمة السياسية الاستبدادية الإستعبادية القائمة على نمط العلاقة العبودية علاقة السيد بالعبد وعلاقة التابع بالمتبوع وعلاقة الطاعة العمياء تؤدي إلى نظام ولاء سياسي طاغوتي استبدادي يخرج الناس من النور إلى الظلمات من الخير والنعمة إلى حياة الفقر والجهل والمرض. ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) .
ولذلك جاء الإسلام وجعل أولويات العقيدة والتوحيد هي أولويات إصلاح المجتمعات والدول بتنظيم العلاقات الإنسانية والاجتماعية على أساس من الحرية (إطلاق حرية الإنسان إزاء الإنسان) ورفض العلاقات السياسية الإستعبادية علاقة السيد بالعبد علاقة التبعية المطلقة علاقة الطاعة العمياء لا الطاعة المبصرة.
ولذلك كان مضمون التوحيد والعقيدة في القرآن ومقصده الأول هو تنظيم الحياة السياسية وكل ما ورد في القرآن عن الولاية وهي مساحة كبيره في القرآن إنما جاءت في هذا الإطار إطار تحرير العلاقات السياسية من العبودية والتبعية إلى علاقة قوامها الشورى والحوار والطاعة المبصرة لا العمياء.
فجاء القرآن وعمل على تحرير الولاء السياسي (أي التبعية المطلقة) من بشر لبشر وجعلها خالصة لله.
{وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } الأنفال: 40.
فعند ما يجعل المسلم الولاية لله يعلن أنه لا سيد ولا مولى له ولا عبودية إلا لله وبالتالي فإن أي إنسان يزعم نفسه سيداً ويعتبر الآخرون عبيداً يكون قد جانب عقيدة التوحيد وتأله على الناس.
ومما يؤكد معنى كلمة الولي والمولى والولاية بالسيادة والعبودية وأن الإسلام جاء ورفض أن تكون علاقة الإنسان بالإنسان قائمة على هذا النمط نمط السيد والعبد بجعل الولاية المطلقة والسيادة لله تعالى والعبودية لله خالصة له مع ملاحظة أن العبودية لله بخلاف عبودية البشر للبشر لا تجر نفعاً للخالق وإنما نفعاً للمخلوق لأنها عبودية رحمة تطلقه من عبودية البشر للبشر، قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } الكهف:102.
والولاية يقصد بها التبعية ويقصد بها السيادة والنصرة ويقصد بها الطاعة وهي معاني متكاملة كلها تتضافر وتشكل قوام السلطة السياسية.وكل معنى يفهم بحسب سياق الآية التي تتحدث عن الولاية.
وبالتالي فالولاية الخالصة لله يقصد بها إتباع منهجه وشريعته أي تنظيم الحياة السياسية الإسلامية على قاعدة قداسة الشريعة لا قداسة الأشخاص سواءً كانوا علماء أو أمراء فمشكلة الأنظمة السياسية الدائمة هو ولاء الناس المطلق لعالم الأشخاص لا عالم الأفكار. {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (الأعراف:3).
فهذه الآية وضّحت أن معنى الولاية هي التبعية وحددت تبعية المسلمين المطلقة للشريعة المقدسة لا للأشخاص سواء كانوا علماء أو أمراء.
ويتأكد نفس المعنى السابق للآية - حصر التبعية والولاية في الشريعة والمنهج لا في الأشخاص - بقوله تعالى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{9} وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{10} (الشورى:9-10).
فهذه الآية حررت الولاء السياسي من عبادة الأشخاص إلى قداسة الوحي وأكدت العلاقة الشوروية بين أفراد المجتمع من خلال التأكيد على مشروعية الاختلاف وأنه في حال الخلاف تكون المرجعية للمنهج والوحي أي قداسة الشريعة فقط ولا قداسة لعلماء أو أمراء، إذن فالأساس الأول الذي يرتكز عليه النظام السياسي الإسلامي هو مبدأ التوحيد أي إفراد الله بالولاية إفراد الله بالتبعية المطلقة والطاعة المطلقة لشريعته واعتبار التبعية المطلقة أو الطاعة العمياء لغيره انحراف عن مبدأ التوحيد { مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } (الكهف:26). ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) (الزمر:3) {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ } (الشورى:9).
وبهذا نكون قد أوضحنا أن عقيدة التوحيد تحمل مضموناً تحررياً سياسياً اجتماعياً يرتبط بواقع الحياة، مضموناً تحررياً برفضه لحكم الطاغوت وجعل مقاومة الطاغوت المقصد الأول للتوحيد (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).
ومن أدلة ارتباط مضمون التوحيد بمضمون تحرري سياسي أيضاً أن جعل مقصده الأساسي تنظيم العلاقات السياسية بين الناس من خلال تحرير الولاء السياسي من الولاءات التقليدية لعالم الأشخاص وجعل الولاية العامة - بمعنى السيادة المطلقة والعبودية المطلقة - علاقة بين الخالق والمخلوق، والنتيجة السياسية لجعل الولاء البشري خالصاً لله هو نقل الحياة السياسية والاجتماعية من قداسة الزعامات الروحية (العلماء) والزعامات الزمنية (الأمراء) وحصر القداسة في قداسة الشريعة الإسلامية وهو ما يمكن أن نطلق عليه بالمصطلح السياسي مبدأ سيادة الشريعة الإسلامية وقداستها ونزع قداسة قيادات الدولة العلمية الروحية والسياسية بتحرير العلاقات السياسية والاجتماعية بين الناس من الولاء للأشخاص والتبعية العمياء والطاعة العمياء لهم وجعلها خالصة لله واعتبار التبعية المطلقة والطاعة العمياء خروج عن التوحيد ووقوع في الشرك ونوع من العبادة لهم، ولم يشدد القرآن على رفض التبعية العمياء والطاعة العمياء من بشر لبشر وربطها بخرق التوحيد واعتبارها وقوع في الشرك إلا ليتحقق مبدأ حرية الإنسان إزاء الإنسان ويتأكد هذا الفهم بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران: 64).
فهذه الآية دلت بصورة صريحة قطعية لا مجال للشك فيها في أن جوهر التوحيد وعدم الشرك هو في إطلاق حرية الإنسان إزاء الإنسان من خلال النهي عن عبادة الأشخاص من خلال التبعية المطلقة لهم بدليل قوله تعالى: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) فجوهر التوحيد هو في هذا المقطع الرائع (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) إذاً فهي عبادة الأشخاص لا عبادة الأحجار والعبادة هنا ليس التوجه إليهم بالصلاة أو شعائر معينة وإنما عبادة التبعية المطلقة والطاعة العمياء.
وإن كانت الآية وردت في سياق أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول علماء الأصول وبدليل قول الرسول (ص) ((لتتبعن سنن من كانوا قبلكم شبراً بشبراً وذراعاً بذراع)).
ومن الأدلة القرآنية على أن المقصود بقوله تعالى: ( أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ) هو التبعية المطلقة والطاعة العمياء لفئتين قياديتين فئة العلماء والأحبار والرهبان (السلطة الروحية) وفئة الأمراء والحكام (السلطة السياسية)، وهو قوله تعالى في سياق الحوار مع أهل الكتاب وبيان الطغيان والاستبداد العلمي والسياسي الذي مارسه الأحبار والرهبان في عصور تسلط الكنيسة {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (التوبة:31).
ومن المعلوم أنهم لم يعبدوا الرهبان وإنما أطاعوهم وقلدوهم في فهم الكتب السماوية من جهة وفي تسلطهم السياسي.
ومن الأدلة على أن مضمون التوحيد وعدم اتخاذ أنداد من دون الله مرتبط بالتبعية لله وحده بإتباع شريعته قوله تعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }الأعراف3. وفي نفس الوقت اعتبار تبعية البشر للبشر تبعية مطلقة بمثابة اتخاذ أنداد من دون الله هو قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ{165} إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{167} (البقرة).
ومن الآيات المبينة أن المقصود بالتبعية الطاعة العمياء من بشر لبشر قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً{64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{65} يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً{68} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً{69} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71} (الأحزاب).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } (آل عمران:100).
{ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } (الأنعام: 121).