الدگتور سلطان الأگحلي : على جميع القوى التي مارست العنف والقمع الاعتذار والاعتراف الصريح
بقلم/ مأرب برس - الجمهورية نت
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 16 يوماً
الإثنين 27 أغسطس-آب 2012 03:55 م
 
حاوره امين دبوان


تناولتم في بحثكم الموسوم الصراعات المزمنة وضرورة التصالح التاريخي عب ر الحوار الوطني, المقدم للندوة التي نظمتها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة, قضايا دوامة الصراعات المستمرة في تاريخ بلادنا القديم والحديث, فهل لكم أن تبينوا ماهية تلك المولدات وكيفية تغييرها أو اصلاح اختلالاتها المزمنة؟

كانت العصبويات القبلية والمناطقية والعصبويات العقدية (بأشكالها الدينية والسياسية), والمغنمية (دافعية الصراع من أجل الغنيمة) هي الموجهات الثلاثة المتحكمة بالعقل السياسي العربي وفقا لمحمد عابد الجابري, كما وجده في أسس التحليل في المنظور الخلدوني في تفسير نشأة الدول وسقوطها في التاريخ العربي, والذي ظل مؤثرا في التاريخ العربي الحديث, حيث أكد الباحث العربي عبد الإله بالقزيز قيام أكثر من ثمانية نظم سياسية عربية على تلك الأسس بصورة مباشرة, في حين تقوم باقي مكونات النظام السياسي العربي على درجات متفاوتة العصبويات, وقد لعبت الحواجز الطبيعية الجبال, الصحارى, الأودية, السهول, والحواجز السياسية والنفسية والثقافية التي تبتكرها النخب السياسية والمذهبية, دوراً حاسماً في تأجيل وتعطيل الاندماج الاجتماعي داخل القطر الواحد, دون الحديث عن الاندماج بين المجتمعات العربية, رغم تقدم وسائل النقل والاتصالات وتقنيات المعلومات, غير أن الثورات العربية السلمية, كادت أن تطيح بحواجز العزلة, لولا أن تكالبت جميع قوى الهيمنة والتسلط والطغيان لمنع هذه التحولات التاريخية.

ذكرت القيادة كموجه للعقل السياسي العربي، أين تكمن أزمة القيادة العربية وكيف استكشفتموها في أطروحتكم؟

يأتي محدد القيادة كمتغير آخر, كمحدد رابع يوجه العقل السياسي العربي, في منظور الباحث وهي الإضافة التي أحسب أني أسهمت بها إلى المنهج الخلدوني الذي طور صياغته النموذجية محمد عابد الجابري, كأداة تحليلية لمشكلات المجتمعات العربية, فهي إن تبنت منتجات الحضارة الغربية, فإنها تظل محكومة بمحددات الموروث الثقافي, ويكتسب المثل الخلدوني أو (النموذج الخلدوني) إذا ما لجأنا للاستخدام العربي الدقيق والأصيل لمفهوم الأنموذج, الذي صكه قطب اللغة والعرفان (الشيخ أحمد ابن علوان) والقيادة كمحدد رابع هي العامل الحاسم بين المحددات الثلاثة المذكورة, في التحكم بحركية التشكل الاجتماعي العربي ومنها حركية التشكل الاجتماعي في سياقها اليمني.. فإذا كان الصراع الطبقي وفقاً لـ (ماركس) هو محرك التاريخ, فإن “القيادة هي بمثابة المحرك للمسيرة التاريخية” والقيادة بعبارة أخرى أو الحاكم العربي أو كما قال (خلدون النقيب): بأنه هو من يتحكم بأعناق العباد وبأرزاقهم ويحدد لهم نغمات الموسيقى التي يرقصون عليها.

 فمظاهر الفخامة والضخامة في العمران والمواكب والموائد والهبات والألقاب والصور والخطب بعض من مظاهر العظمة التي تستهوي هؤلاء المرضى بجنون العظمة, فمثلت صراعات قيادات وعصبويات الدول اليمنية القديمة, والإسلامية والحديثة, تعبر عن تجليات تلك العقدة المرضية, لا سيما أن بذرة الفردانية وحب الامتلاك الغريزي التي لم تهذب اجتماعيا, تظل كامنة تحت سطوة السلطة الأبوانية, إلى أن تواتيها فرص الظهور, عندما تترافق بروح المغامرة والجسارة, فكانت تلك الطبيعة الشخصية وراء معظم الصراعات الهدمية التي تعاقبت على مسيرة مجتمعنا اليمني وتحديدا عندما غيبت القيادات النخبوية فرص استخلاص آليات تستوعب التنافس السلمي على الحكم, فلم تكن الأوضاع السياسية في الحضارة اليمنية وحدها, تفتقد لآليات تداول الحكم ولكبح الصراعات المتصلة به, حيث تكررت حالات إفلات فرص استثمار الضرورات التاريخية لتأسيس قواعد جديدة لاحتياجات الانتظام, فعند انتقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ربه, واختلافهم بعد اغتيال الخليفة عثمان, واقتتال المسلمين بعدها للاستئثار بالحكم دون أدنى المبررات, فأستبعد الأنصار وادعت قريش بأحقيتها بالخلافة, فمنعتها عن الهاشميين, وهؤلاء اختلفوا إلى من تؤول, فقد تفرعت عنهم ثلاثة أجنحة, تدعي لنفسها ذلك الاستحقاق, وآخرون نازعوا القرشيون الخلافة كالخوارج. وتبنى فقهاء السنة مبدأ “حاكم غشوم خير من فتنة تدوم” رغم إقرارهم العام بأن الإمارة لقريش, وبفعل هذه الإشكالية الجوهرية في الفقه السياسي الإسلامي, تأرجحت مفاهيم الحكم وتميعت, والتبست وتناقضت في نفس الوقت. فالمساواة التي أسس لها الرسول, بين أمته, غدت عرضة للجدل والتأويل والاختلاف, وأضحت القوة وحدها وأسانيدها الشرعية المتباينة, بين قيادات الفقه الإسلامي, مجالا واسعا للخلاف والاختلاف, ليس فقط على ما يتصل بالفقه السياسي, بل يمتد الخلاف إلى المسائل العقدية والمنهجية والمرجعية.

وكذلك لم ينحصر الخلاف حول الإمامة الزيدية أو الاثنا عشرية أو الإسماعيلية أو القبول بإمارة التغلب, بل أن هناك اختلافات حول قضايا المواطنة المتساوية والحقوق السياسية والمدنية, وإشكاليات كولاية المرأة والتعامل مع المفاهيم الفقهية لولاية المرأة والجهاد ومفهوم دار الإسلام ودار الحرب, كل هذه المسائل المشكلة في عصر العولمة وما ترافقت معه من تطورات مذهلة, كثورة المعلومات والاتصالات والأسلحة النووية والأقمار الاصطناعية, والاعتماد المتبادل بين الدول, وما يترتب عن ضرورات التعايش السلمي والاندماج وانتشار الثقافات والأفكار والدعوات, يفرض على جميع المفكرين والمجتهدين وجميع المعتقدين بعالمية الدعوة الإسلامية و كينونيتها, أن يجتهدوا ويجاهدوا فكراً وعملاً ونموذجاً وقيماً ليجسدوا نبل مقاصدها الإيمانية الإحسانية السامية, فمنذ مطلع القرن الماضي وتياراتنا السياسية القومية والإسلامية واليسارية, تقتتل في سعيها للحكم أو للحفاظ عليه, فتسببت في كل هزائمنا..

ما هو تقييمكم للقيادات العربية التي تهاوت بفعل ثورات الربيع العربي؟

هذه الثورات تعبر عن الرفض لأزمات تلك القيادات التي طال عليها الأمد, التي امتلكت كل شيء ولم تترك شيئا للجماهير, فكانت الثورة لذلك شامخة صامدة مستعدة بجماهيرها لتقديم التضحيات, حيث أجمعت كل القوى على أنها تتشارك الظلم والرفض له, فقد جاءت الثورة.. بعد أن أدركت الطلائع الشبابية ما لم تدركه القيادات النمطية والتقليدية من قبل, أن المقاومة السلمية والعلنية والشفافية والقبول بالتنوع والحوار والتوصل إلى القواسم المشتركة للمطالب الشعبية, هي من أنجح الأساليب, في مواجهة النظام المتمترس خلف تحصينات القوة العسكرية والأمنية و الاستخباراتية, التي ليس لها عدو إلا الشعب وحده..

ماهي مواصفات القيادة الجيدة إذاً؟

 إن القيادة الناجحة تتطلب التربية على حرية الفكر وحرية التعبير وتجنب التربية القمعية السهلة لأطفالنا بنين وبنات, فالقمع والتعنيف يدل على عجز الآباء والأمهات والمدرسين والإعلاميين والفقهاء, على التعامل الرفيع مع تساؤلات الأطفال والشباب وعلى الطرق التي يلجؤون إليها للتعلم وللاستكشاف, وتشجيع الأطفال والشباب على تحمل المسؤوليات وعلى اكتساب الخبرات والمعارف العملية, وتعلم أساليب الحوار وتعلم حل المشكلات, وتشجيعهم كذلك على العمل الطوعي والمنظم و التشاركي, هو السبيل لإكسابهم الخبرة والإتقان, ولكن ينبغي أن لا يكون ذلك في بيئة إقصائية وعدائية للآخرين؛ لذا ينبغي تبني ثقافة استيعابية وتنوعية وجامعة, يحرم فيها المجتمع إنتاج ثقافة الكراهية والتمييز.

 إن حرية الفكر هي الاشتراط المنطقي للنهوض, وأن إشاعة قيم التسامح والسلام والصدق والمساواة والعدل هي الشروط اللازمة لمنع الصراعات والحروب بغية الاستحواذ على حقوق الشراكة الوطنية في الثروة والقوة والحكم والشراكة في جني ثمار التنمية.

هل حققت الثورة السلمية أهدافها وإلى أين تمضي بنا التسوية برأيك؟

إذا استطاعت الثورة السلمية, عبر المبادرة وآلياتها تحقيق تصالح تاريخي لصالح الوطن وأجيال المستقبل, تتخلى بموجبه قيادات مراكز القوة المهيمنة في اليمن عن أدوارها في ممارسة السياسة أو التأثير عليها، وتفويض القوى الاجتماعية ذوي الكفاءة والنزاهة لبناء قواعد الدولة الوطنية الاتحادية, عبر اختيار المتخصصين في الاجتماع والقانون والاقتصاد والسياسة والأمن والدفاع, تتوافق عليهم القوى السياسية والاجتماعية والمدنية والشبابية بصورة خاصة لأنها المعنية وحدها بتحمل أعباء الموروث الاجتماعي المثخن بالجراحات الغائرة والمتأجج بالضغائن والأحقاد, ولا يمنع من مشاركة جميع الأطراف بالتساوي في مراحل الحوار الأولى, ومن ثم التوافق على اختيار هذه الصفوة الخيرة, وأجزم أن اليمن لا تخلى من مثل أولئك المخلصون الأكفاء والمنصفون للجميع ولأجيال المستقبل, أن الصراعات القائمة اليوم على نسب التمثيل وتحديد من يشارك, لا يعبر إلا عن مراكز القوة التي تمتلك السلاح والأموال والقدرة على الحشد, ولا يمثل مخرجا حقيقيا لليمن ولشعبه, وإنصافاً لأجيال الثورة الشبابية الشعبية السلمية وتضحياتها البرية, والتي تفردت في أسلوبها وغاياتها, الوطنية, فاليمن لا تعرف مثيل لها عبر ألفياتها الثلاث الماضية.وإن مقتضيات الحوار الوطني ومآلاته المتوقعة, تستوجب إنصات نخب البلاد وقادتها لأجيال اليمن المتعاقبة, للعمل على إقرار التوافق على أسس التعايش والحياة المدنية, والتخلي عن استخدام القوة بأشكالها المتعددة لحل النزاعات أو لتحقيق مكاسب دون اللجوء إلى القانون.

ذكرتم بعض النقاط لإنهاء دوامة الصراعات في اليمن وكخطوط عامة لحوار وطني ناجح, يحقق التصالح التاريخي, هل من الممكن سردها لنا؟

 يتوجب على جميع القوى التي مارست العنف والقمع الجسدي والفكري والاجتماعي والسياسي والمذهبي, و المناطقي, الاعتذار والاعتراف الصريح بانتهاكاتها وبأخطائها التاريخية الفادحة, والقبول بنقدها ليتقن الجميع بصدق توجهاتها.. وعلى كل من تسبب في قتل وبجرح وبإلحاق المعاناة بالمواطنين أثناء الثورة السلمية, الاعتراف بجناياتهم, قبل أن يستحقوا العفو أو الحديث عن (التعويض العادل وجبر الضرر) المسائل المطروحة في ما يسمى بالعدالة الانتقالية, وهذا مشروط بتطبيق ما يعرف بـ (العزل السياسي والإداري), للمتورطين في ممارسات أفعال عدائية ضد المتظاهرين السلميين, أو المواطنين, فبدون ذلك لا يتحقق السلم الاجتماعي والتصالح الفعلي.. والتمثيل في الحوار الوطني لا ينبغي أن يكون حكراً للأطراف المسلحة. 

 ومعالجة القضية الجنوبية وقضية صعدة, كمدخل لمعالجة جميع القضايا الوطنية, وأسس تلك العملية تقوم على حقوق المواطنة المتساوية, بما يضمن حرية الفرد واستقلاليته. وكذا استقلالية كل محافظة ومساواتها في التمثيل, وقيام دولة اتحادية.. هذه بإيجاز أهم ملامح رؤيتي لإنهاء دوامة الصراعات في اليمن, ولبعض الخطوط العامة لحوار وطني ناجح, يحقق التصالح التاريخي, ويؤسس للدولة المدنية الاتحادية وللمجتمع اليمني الديمقراطي القادم.

 ما هو دور القبيلة في ظل الدولة المدنية الحديثة القادمة؟

لا يستطيع أحد إلغاء القبيلة كوحدة اجتماعية, ولكن دورها لا ينبغي أن يتداخل مع سلطة القانون والقضاء, فدورها الاجتماعي يظل قائما يعزز التضامن والتعاون, لكنها يجب أن تتخلى عن وظيفتها الدفاعية والقضائية, وعلى الإضرار بسيادة الدولة وقطع الطرق وتدمير المصالح العامة, نحن نتفهم لموضوع ضعف سلطة الدولة, وغيابها في كثير من المناطق القبلية, لكن ذلك كان نتيجة لتعزيز الدولة الفاسدة من سلطة المشايخ والأعيان. والآن وقد أصبحت القلة المشيخية والتجارية والعسكرية والدينية وبعض رجال السياسة والبيروقراطية تمتلك جزئا كبيرا من الثروة الوطنية, فهي مطالبة بإبراء ذمتها بغية دخول عهد جديد, إذا أرادت حماية مصالحها وأرادت الاستقرار السياسي والاقتصادي وقبلت بسيادة دولة القانون. ودون ذلك فمن حق أي جماعة تنظيم نفسها والمطالبة بالاستقلالية من مثل ذلك الاستحواذ بالنفوذ, فتهامة وتعز و إب والبيضاء لم تكن تحت الحكم الإمامي, وكثير من مناطق المحافظات الجنوبية كانت تتمتع بالاستقلالية كردفان وأجزاء من يافع و شبوة وحضرموت حتى فرضت على هذه المناطق معاهدات الحماية البريطانية, وعلى هذه المسوغات التاريخية, فإن أحدا لا يستطيع إدعاء شرعية معينة, وإن الشرعية التاريخية الضاربة في الأعماق, تأتي من هوية الانتماء إلى اليمن وليس إلى نظام سياسي لنخبة من الأقلية استفردت بالحكم عبر القوة والدعم الخارجي.

الدكتور سلطان الأكحلي في سطور


الدكتور سلطان عبد ناجي الأكحلي, من مواليد 1956م فقد بصره وهو في سن الرابعة.. نشأ وترعرع في مدينة عدن حيث درس في مدارسها.. ثم أرسل إلى مصر لإكمال المرحلة الثانوية.. ومن جامعة (جورج تاون) الشهيرة في واشنطن حصل على شهادة البكالوريوس متخصصاً بالدراسات الدولية والدراسات الاجتماعية الشرق أوسطية.

 ثم التحق بالجامعة الأمريكية بواشنطن لدراسة الماجستير بنفس التخصص.. أما شهادة الدكتوراه فقد كانت في علم الاجتماع السياسي.

حصل عليها هذه المرة من جامعة (بونا) الهندية.. يعمل حاليا كأستاذ مساعد في علم الاجتماع السياسي والتنمية بكلية التربية جامعة صنعاء، ورئيس مؤسسة الريادة الاجتماعية للمستقبل, التي تهتم بمختلف جوانب التنمية الاجتماعية.. في هذا الحوار سنتعرف على رؤيته كباحث متخصص في كيفية إنهاء بؤر الخلاف والتوتر في حياتنا السياسية والمجتمعية..