|
لمايقارب الشهر خضت معركة مصيرية بحثاً عن (توقيع) يُنهي جريمة حبس مرتبي في مكتب التربية والتعليم بمحافظة صنعاء, لكن يبدو أن أيادٍ خفية تريد لي أن ألتحق بطابور المتميزين الذين أحتوتهم (موسوعة غينيس) الشهيرة من حيث عدد التوقيعات والختومات التي جمعتها للإفراج عن سجين أعتبره ضمان إجتماعي بالكاد يغطي إيجار السكن.
فمع ما يزيد عن 40 توقيعاً وختماً رسمياً لم يُفرج عن مرتبي لشهر إبريل, بدت كفخ ذكي للإيقاع بشقيقيه لشهري مايو ويونيو وإقتيادهما ليتوج ذلك بعقوبة قاسية لوظيفتي ذاتها قد تقتصر في حال التخفيف على سجن مؤبد مع أشغال شاقة.
ووظيفتي المهددة بالإعدام كشأن عشرات ومئات الآلاف من الوظائف العامة التي أُعدمت منذ حرب 1994م أو ستُعدم لأسباب سياسية وحزبية هي بحسب الدستور والقوانين النافذة والمواثيق الدولية حق لي ولكل مواطن يمني ولا يصح إحتكارها لأبنائهم و أقاربهم ومن يسيرون في (زفة الحاكم).
بذلت جهدي للتمسك بها سنوات, وفي هذه المرة تجاوز عدد التوقيعات والختومات الـ 30 في ورقة واحدة قُسمت 4 قطع تسمى (إستمارة إعادة توزيع ومباشرة عمل), طبعاً هي فقط من نصيب القوى الفائضة المغضوب عليهم والمقصيين والمُبعدين و(المُطَفشين) ومن لا تشملهم كشوفات الولاء الأعمى للنظام والحزب الحاكم, وحاشا لله أن المشكلة تكمن في عدد التوقيعات فهي (روتين مُمل) تتسلح به المنظومة الإدارية للدولة كلها.
المشكلة تكمن فقط في طريقة الحصول على التوقيعات وحجم الخسائر في الوقت والمال والجهد المبذولة لأجلها, فقد تحصل على توقيع يجرجرك إلى كوكتيل توقيعات أخرى, وقد تنتزع بمالك (نقداً) توقيع لا جدوى منه أو توقيع يقصر لك المسافة والوقت والجهد قليلاً, فكله بثمنه ومكاتب المدراء بإستمرار مغلقة ماعدا دقائق معدودة, وتجدها مفتوحة كـ(مقايل) في المنازل أو في مقرات العمل, لكن بعد الدوام الرسمي.
طبعاً المرافقين والحراس يأخذون فرصتهم في عملية التنمية الوطنية للتوقيعات, فلا يسمحون لك بإيصال أوراقك للمدير وجهاً لوجه, فكيف (سيتعيشون)؟, والختومات الرسمية لا يُمكن منها سوى الأقارب وأهل الثقة, لأنهم أيضاً بحاجة أن (يتعيشوا).
وليس غريباً أن تصل أوراقك بين يدي المدير بعد أسبوع حجز, لكن الوقت غير مناسب والمدير مزاجه (مُعكر), فإما يُشطبها ويقضي على شهر كامل من الوقت والجهد والمال أو (يعصدها) بتوجيه وتوقيع يقودك إلى متاهة توجيهات وتوقيعات جديدة تنتهي جميعها بعبارة (بحسب النظام المتبع لديكم) وقد يسبقها (حياكم الله), وبصورة لا يرضاها الله ولا تتفق والنظام والقانون.
لا مبالغة, فرئيس شعبة التعليم لم يُفتح مكتبه 3 أسابيع لعدم تبادل الحب بينه والمدير العام, وتأتي إختبارات الشهادة العامة مبرراً تالياً, والأخير لو تفضل على الوطن بالحضور ساعة واحدة في الأسبوع فقد حقق إنجازاً كبيراً, وليس مهماً خسائر مئات المواطنين الذين يلاحقون توقيعات وتوجيهات (سيادته) مابين المنزل والمكتب.
الأمر الوحيد الذي نثق في عدم تقصير مدراء المؤتمر تجاهه هو مخصصاتهم المالية وأقاربهم ومقربيهم سواءاً التي لها بنود واضحة أو الخاضعة للتحايل والإلتفاف على النظام والقانون المفترى عليهما, وقد كشف جهاز الرقابة والمحاسبة عن فساد بـ 600 مليون ريال خلال 3 سنوات مضت وهي عملية واحدة من طرف دولاب الفساد الحاكم لمكتب واحد.
من واقع التجربة الشخصية الطازجة أقدم نموذجاً لما يحدث في مكتب حكومي يرتبط بعلاقة مباشرة مع عشرات الآلاف من المواطنين, وبالتأكيد فذلك ضمن رسالتي الصحفية, لكنه ليس غرضي الأهم هنا.
فلأني أسعى لإدراج إسمي في موسوعة غينيس, فيجب أن أسعى لإعدام وظيفتي العامة وسط زفة وزغاريد أؤكد خلالها ومعي الآلاف أن جهود الحاكم لتمرير مخططات التوريث والتملك والإستعباد ستصطدم بإصرارنا على العض بالنواجذ على حريتنا وحقوقنا والمضي قدماً نحو إخراج وطننا من (النفق المظلم) وإحباط مؤامرات (الصوملة) وأحلام (الفرعنة).
فكواحد من عشرات الآلاف من موظفي المعاهد العلمية التي دُمجت عام 2001م, لم يتم تمكيني من وظيفتي وتعرضتُ لسلسلة إبعاد وإقصاء وتهميش أنتهت ضمن كشف طويل لـ(القوى الفائضة), ورغم عملي قبل الدمج موظفاً إدارياً وشهادتي الجامعية في الإعلام, فقد قبلتُ العمل مدرساً في أقاصي مديرية بني حشيش وأنتزعتُ (مباشرة عمل) بوقت وجهد ومال مُعتبر, لكن قبولي بذلك - بعد رفض تمكيني من أي عمل إداري يتناسب وتخصصي- وضعهم أمام إختبار حقيقي قد لا يمكنهم من خدمة الوطن بإعدام وظيفة (مُقلقة).
وكل ذلك دفعهم لعرقلة الإفراج عن السجناء تمهيداً لتقديم سببهم الرئيسي أمام أنظمتهم الفاسدة وضمائرهم الميتة ليكون عقوبتها الإعدام أو التخفيف إلى سجن مؤبد مع أشغال شاقة, فهنيئاً للمؤتمر ونظامه (الصالح) تخليص الوطن من وظيفة تحمل هوية مواطن حاقد يرتدي نظارة سوداء.
في الثلاثاء 30 يونيو-حزيران 2009 06:34:59 ص