|
التحية للقرني وباعوم, والوفاء للخيواني
أعيد الفنان فهد القرني لسجنه مرتين وأفرج عنه في الثالثة, بعد ان شعر السجان بحرج موقفه بسبب هذا العنيد الذي بدا مناضلاً اكثر من كونه فنان,وأكد أن قضيته ليست شخصية أو مجرد هفوة شجاعة.
ولكنه أبى إلا أن يظهر للجميع حاملاً لواء قضية شعب ووطن رأى وجوب ان يكون لسان حاله وضميره الصادق وصوته العالي في وجه نظام الظلم والفساد والطغيان والفشل.
والحال كذلك بالنسبة للقيادي الإشتراكي (حسن باعوم) الذي تأخر عن رفاقه لأنه رفض التوقيع على أي تعهد يمنح فرصة للتخفيف من إنكسار الظلمة والسجانين أمام ثباته وصموده وإرادة التضامن الشعبي من ورائه.
وليس ذلك غريب على باعوم, فهو ذات الرجل الذي ألتقيته في منزله بمدينة المكلا ديسمبر الماضي, وكان للتو خارجاً من إعتقال أستمر أشهر, لكن وجدته ثابتاً على موقفه ورأيه بغض النظر عن إتفاقي معه من عدمه.
وعلى عكس جسده المنهك والمرتعش وجدت الأستاذ باعوم شامخاً معبراً عن موقفه بصوت عالي وواضح, وهو يسرد لك تاريخه منذ نضال التحرير ضد المستعمر تكتشف انه لم يكن غير ذلك طوال تلك السنوات حتى مع رفاقه وحزبه.
وكان بإمكان باعوم أن يعيش حياة الرفاهية والمناصب الرفيعة بدلاً عن السجون والمنافي, لكنه أختار طريق آخر غير مهتم للأضرار, ولذلك حملته جماهير الضالع ولحج وعدن وابين على الأعناق.
وحده زميلنا الصحفي عبدالكريم الخيواني بدا حاله في قبضة السجان أشد ظلماً وأذى, فهو ضحية للتمرد المسلح (حرب صعدة) والنضال السلمي الذي رفعت لوائه أحزاب المشترك وقوى المجتمع المختلفة, وهو أيضاً ضحية لأكذوبة حرية الصحافة ولنفسية الإنتقام الشخصي والثأر لدى بعض أركان النظام الحاكم.
ولفداحة الظلم وفجاجة أسلوب الإنتقام الشخصي بإستغلال سلطات الدولة وجهاز القضاء, فحتى الكثير من الزملاء الصحفيين - منهم عاملون في الإعلام الرسمي أو التابع للمؤتمر الحاكم- وهم يختلفون مع الخيواني ويعلنون ذلك صراحة, لكنهم يعبرون بوضوح أكثر عن تذمرهم ورفضهم لما يتعرض له من ظلم وإنتقام شخصي, والذي يدل على مدى ضيق صدور الحكام وإفتقادهم لقيمة التسامح والترفع عن صغائر الخلافات.
ولو كان العزيز عبدالكريم مستعداً للتخلي عن قضيته التي هي من جانبه ليست قضية شخصية, وإبداء القليل من الذل وتنكيس الرأس ماكان هذا حاله, وبإمكانه ان يكون بحالة غير (الجحيم) الذي يعيشه وأسرته, وهو في السجن أو خارجه بين قضبان السجن الكبير (الوطن) الذي رفض كثيراً مغادرته لاجئاً إلى أي دولة سيجد فيها الأمان وسيمنح أطفاله ما أمكن من الطمأنينة وسيبعد عنهم رعب الإقتحامات والإختطافات والمحاكمات والتهديدات والإعتداءات الجسدية واللفظية.
قبل رمضان زرته في السجن ووجدته ذلك الشامخ الذي عرفته, لا يلتفت لحاله الشخصي, ولكنه أخذ يحملني رسائله للزميلين فكري وصلاح أن لا يخذلا سوسن المخطوفة, ولجمال يؤكد أنه ليس المهم الإفراج عنه, لكن وصول المشترك لإتفاق يمنح الحد الأدنى من النزاهة في الإنتخابات وتسوية الملعب قليلاً لخوضها.
لذلك وبقية الأسباب الأخرى أحسست إستحالة الإفراج عنه, وشعرت بحرج وقوفي مبتسماً أمامه, حيث تفصل بيننا طبقات حديديه وأسأله كالعادة "أي خدمات أستاذ عبدالكريم؟", لقد وجدت نفسي عاجزاً عن مساندته حتى بأبسط الأشياء, على عكسه تماماً لو كنت في مكانه.
الشعور بالعجز ليس فقط بسبب قلة عدد مرات زيارة الخيواني في سجنه, ولكن لأني أراه بين تلك الجدران الصماء وبين يدي موظفي السجان, حراً عزيزاً شامخاً مرفوع الرأس, تبدو عليه معالم المرض والإنهاك وإن حاول مواراتها, يدفع وحده ضريبتنا ويضحي لأجلنا جميعاً.
لكن أسوق لنفسي المبررات ان الواقع يؤكد أننا جميعاً سجناء, نحن سجناء في منازلنا ووطننا بسبب الفقر والبطالة والإستبداد والفساد, نتحرج من الخروج في مواجهة طوابير الشحاتين والمتسولين والمظلومين ومسلوبي الحقوق ومنتهكي الحريات.
نمتنع عن مغادرة منازلنا إلا للضروريات حتى لايتضاعف الحقد تجاه هذا النظام ونحن نسمع عن أرقام المنخرطين في عصابات السرقة والنصب والتزوير التهريب وجماعات الإرهاب والتطرف والتمرد المسلح, أو محتويات كشوفات أزلام الإستبداد والفساد, ناهبي المال العام وسالبي الحقوق ومسلوبي الضمائر, التمسحين بالحاكم ومكرماته ومنجزاته الوهمية, والتي أثمرت لهم الفلل العامرة و(الكروش المنتفخة) والسيارات الفارهة.
نواسي أنفسنا ونواري عجزنا ونبرر تقصيرنا بأننا لن نخذلك ياعبدالكريم, ولن نتنازل عن قضية شعبنا ومصالح وطننا, سنبقى على العهد وسنظل أوفياء وسنمضي على الطريق الذي أخترناه سعياً للحرية والخلاص وحياة وكريمة, سنعض على شموخ الرؤوس والضمائر الحية بالنواجذ مهما كانت البطون خاوية والجيوب فارغة و(جحيم) الحاكم مصيرنا المنتظر.
• رهاب أم كباب؟
جميعاً نداين الجريمة الإرهابية التي أستهدفت السفارة الإمريكية بصنعاء أو أي جرائم أخرى سابقة أو لاحقة بغض النظر عن هوية الجاني, سواءاً تنظيمات متطرفة تمت تعبئتها بصورة خاطئة أم من يمتلكون مفاتيح لتحريك عناصر متطرفة ومغرر بها؟.
لكن من حقنا أن نتساءل: هل الإجراءات الأمنية وحدها الحل المناسب لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المضرة بمصالح شعبنا ووطننا, دون الإلتفات للبيئة التي يتوالد فيها المئات والآلاف من الشباب والعناصر المتطرفة؟
السؤال طبعاً لغير المسئولين اليمنيين, خاصة ونحن نرى منجزاتهم ماثلة أمامنا, كالتدهور الإقتصادي وإتساع مساحة الفقر ونسبة البطالة, وتزايد الإحتقانات السياسية والإجتماعية وتقييد الحريات وقمع الإحتجاجات السلمية والتراجع المخيف لأي أمل بالتغيير عبر الإنتخابات أو الوسائل السلمية لإنهاء حالة الفساد والإستبداد والعبث والنهب للثروات والمال العام والإحتكار للوظيفة العامة وكل شيء, وقبل ذلك إستمرار الحاكم في إنتهاج سياسته المعتادة القائمة على اللعب بالكروت والجماعات الدينية وفق قاعدة (فرق تسد).
في الإثنين 22 سبتمبر-أيلول 2008 03:34:32 ص