اعادة بناء الدولة اليمنية
بقلم/ احمد صالح الفقيه
نشر منذ: 10 سنوات و شهر و 3 أيام
الإثنين 29 سبتمبر-أيلول 2014 12:38 م

"الحرية بدون نظام هي الفوضى بعينها والنظام بدون حرية هو الاستبداد بعينه" (ايمانويل كانت)

النظام الذي بناه ورعاه علي عبدالله صالح طوال ثلاثة وثلاثين عاما كان نظام الفوضى، تماما بقدر ماكان الحكم الملكي الذي انهته ثورة 26سبتمبر 1962، والنظام العسكري الذي تلاه نظامي استبداد.

الثورة التي تعترف بالحرية والمساواة وتزيد عليهما حق المقاومة، تولد الفوضى والرعب، وهو ما فعلته ثورة 2011 واليوم وفي ظل ما سمي بنظام الثورة او نظام الوفاق في اليمن، نشهد تقوض الدولة وتفكك عراها نتيجة الجهل باصول ادارة الدول، والعجز امام انفلات حرية الفوضى والرعب الارهابي..

 في السياسة العملية التجريبية تصدق مقولة ان الطريق الى جهنم مفروش بالنيات الحسنة، او بالارادة العامة المؤسسة على النظريات المعتمدة على النيات الحسنة، والتي تجد نفسها عاجزة عن التطبيق على الرغم من كونها قادرة على استقطاب الاحترام والاعجاب، تماما كمخرجات الحوار الوطني.

في السياسة العملية التجريبية يجب اخذ خبث البشر وميولهم الانانية باقصى اعتبار عند تبني دستور وقوانين مثالية ، حتى لا تعتمد في التطبيق على الارادة الطيبة والنيات الحسنة لانها لن تجدي .

"ان حسن تنظيم الدولة امر بمتناول الانسان. وحسن التنظيم يعنى توجيه الميول الانانية للبشر واستخدامها في وجه بعضها، الامر الذي يؤدي الى تحييدها جميعا في اخر المطاف، ويمنع قدرتها على الايذاء" (ايمانويل كانت). وربما كان هذا ما حاول الرئيس هادي فعله، ولكن بالتآمر وليس باستخدام الدستور والقوانين، وتلك نزعة مغامرة من اسوأ الانواع لانها مفامرة. لقد اضاع فرصة اعادة هيكلة القوات المسلحة خلال العام الاول من حكمه، وهو الذي ورث جيشا وقوات امن قويين ولكنهما مبنيان على اساس جهوي وقياداتهما قبلية. فكان كل ماعمله ان نقل القيادات من وحدة الى اخرى ونقل الوحدات من منطقة الى اخرى وكأنه يرتب مقاعد الموسيقيين على ظهر التايتانيك.

كان عليه ان يفرض التجنيد الاجباري لخريجي الثانوية والجامعة، وان يشرع فورا في بناء الجيش والامن على اسس وطنية، مع ابعاد تاثير الاحزاب وشيوخ القبائل والدين عنهما تماما.

 "ان حسن تنظيم الدولة يعني ان الانسان يمكن ان يصبح مكرها على ان يكون مواطنا صالحا على الاقل، وان لم يكن صالحا اخلاقيا. وعلى الرغم من ان هذا الامر يبدو متناقضا، فان قضية بناء الدولة يمكن ان تتحقق حتى مع شعب من الابالسة، شريطة ان يكونوا فقط مزودين بالذكاء. فالانسان يمكن دفعه الى التصرف كمواطن صالح دون ان تحركه دوافع اخلاقية، وذلك بفعل الخوف من العقاب أو الرغبة في الثواب، والسؤال المطروح ليس معرفة كيفية تحسين البشر اخلاقيا، وانما كيف يمكن استخدام غرائزهم ونوازعهم وتوظيفها من اجل تقدمهم ".(ايمانويل كانت)

ان دافع الخوف منوط بالقانون والنظام الصارم، اي انه منوط بجهازي الشرطة والقضاء اللذين يجب اعادة بنائهما كليا. والثواب ايضا منوط بالقانون والنظام الذي يراقب ويقيم اداء الشخص الذي يامل في تحقيق فائدة، فيثيبه بشكل واضح اما بالترقية او المكافاة او بالتنويه او بكلها معا .

جاءت الدولة الحديثة في الأساس بدولة النظام والقانون الصارمة، وبفكرة الفصل بين السلطة المتغيرة والدولة الدائمة، التي ينبغي الحرص على بنائها بحيث تكون دولة لكل مواطنيها لا تحجب الوظائف في أجهزتها عن أي منهم لأسباب حزبية أوعرقية أو طائفية أو مذهبية .....الخ. ولا يمس موظفوها إلا طبقا للقانون الذي ينظم شئون خدمتهم، الامر الذي يسمح بتراكم الخبرات وعدم ضياعها أو انقطاعها. ثم يأتي بعد ذلك الفصل بين السلطات.

ولكن شعوبنا وقعت ضحية الديماغوجية الاميركية التبسيطية عن الانتخابات والديمقراطية. مع ان الامر في حقيقته اشبه بمعادلة خطية تقود احدى حدودها الى الاخرى وفق هذا الترتيب (دولة نظام وقانون فعالة وشغالة + ليبراليبة اقتصادية يؤديان الى تنمية ناجحة وهذه بدورها تؤدي الى نشأة المجتمع المدني بشكل واسع في انحاء الدولة وهو الذي بدوره يشكل الحاضنة لنظام ديمقراطي حقيقي) تماما كما حدث في كوريا الجنوبية، وسنغافورة، والفليبين، وكما سيحدث في الصين. ولذلك فان القول بانه يمكن استباق الامور، وانشاء ديمقراطية شغالة قبل نشأة دولة النظام والقانون، او انجاز قدر معقول من التنمية بدونها، وقبل ظهور المجتمع المدني الواسع والقوي، ليس الا ضربا من الدجل، والكذب السياسي،وخداع النفس، كما هو الحال في مصر، واليمن، والجزائر، والسودان، وغيرها من الانظمة (الثورية) التي لم تحسن بناء الدولة دولة النظام والقانون.

قي اليمن كإن قيام دولة الوحدة على أساس المحاصصة في وظائف الدولة من قبل نظامين لم يحسنا بناء الدولة في الأساس، قد أدى إلى الحرب عام 1994، ثم أضيف إليه التمييز في المواطنة الذي طال سكان أغلبية المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية والشرقية والغربية وصعدة، إلى جانب الفساد المستشري والخروج على القانون من قبل أجهزة الدولة والمتنفذين فيها. ثم جاءت ثورة 2011 ليتم اعادة المحاصصة بين الاحزاب الحاكمة في حكومة الوفاق الحالية، وكأن الدولة غنيمة يتقاسمها مجموعة من اللصوص، وهو ما ادى خلال اقل من ثلاث سنوات الى سقوط صنعاء بيد الحوثيين دون ادنى مقاومة، لان الشعب، ببساطة، اصابه الغثيان من الحكام.