مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله
في البدء؛ غضضنا الطرف عن السعي الحثيث الذي أبداه هؤلاء المتشددون للسيطرة على ساحات الاعتصام. كذلك تم التغاضي عن اعتداءاتهم التي طالت عدداً من المعتصمين، غير أن هذه الاعتداءات اتسعت لتشمل عدداً أوسع، وصولاً إلى عدد من الناشطين، والصحفيين.
تلقينا شكاوى عدة لانتهاكات مخجلة ومحزنة، بيد أننا تجاهلناها مدفوعين بالمقولة العربية الخرقاء: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". كنا نريد أن نُفوت الفرصة على النظام. لكن متشددي الإصلاح لم يهتموا بشيء، واستمروا في عمليات التنكيل برفاقهم المعتصمين.
بدون شعور؛ أذعنّا لمقولة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، التي تُشرع الانتهاكات بحجة مواجهة العدو! والحاصل هو أن المتشددين يُقدمون تجمع الإصلاح اليوم كما لو أنه العدو الأكثر خطراً على اليمنيين.
رفعت أنظمة عربية عدة هده المقولة، وبشكل خاص سوريا الأسد، واستخدمتها مبرراً لتعليق الحياة السياسية، ومصادرة الحريات، وقمع الناس، وقتلهم. وخلال العقود الأربعة الماضية؛ عاش العرب مذعنين لاستبداد عسكري وديني مزدوج، اعتمد على أجهزة بوليسية اقترن وجودها بانتهاك الحقوق والحريات. وإلى آلية القمع الأمنية؛ أضفى نظام الحكم في صنعاء نوعاً من الضعة على أدواته القمعية، التي أعلت من الفساد كقيمة، وعملت على ضرب منظومة القيم؛ وفي المقدمة منها قيمتا النزاهة والشرف.
غير العمليات المنظمة للفساد؛ ثار اليمنيون على القمع، والتصرفات الأمنية القذرة، التي اعتمدها النظام لإدارة البلاد. ثار اليمنيون ضد الإقصاء، وعمليات الهيمنة والاستئثار بالسلطة. والمفارقة أن اليمنيين يجدون أنفسهم اليوم، وثورتهم لم تنتصر بعد، أمام تنظيم يُمارس ضدهم انتهاكات بالجملة تتم تحت اسم الثورة، ورايتها!
استولى متشددو تجمع الإصلاح على ساحات الاعتصام، وعلى التبرعات المالية التي قُدمت وتُقدم للمعتصمين. ومساء السبت الماضي؛ صادروا صحيفة "الساحة" التي وزعها عدد من الشباب المعتصمين في "ساحة التغيير" بصنعاء! تصوروا؛ صادروا صحيفة، لا لشيء، إلا لأنها تناولت قضية الاعتداء على الناشطات! هل هذه هي الثورة التي يحلم بها اليمنيون؟
السبت الماضي؛ نشبت اشتباكات عنيفة بين الشباب في تعز وبين متشددي الإصلاح، بسبب سيطرة هؤلاء على الساحة، وفرض مزاجهم عليها. وقد تكرر هذا الأمر في أغلب الساحات تقريباً. ومنذ أسابيع؛ شن هؤلاء حملة على الزميل فكري قاسم، الذي اتهموه بالعمل لصالح الأمن القومي، بسبب اختلافه معهم حول إدارة الساحة! فكري يشتغل مع الأمن القومي؟! هل لمصلحة الحركة الإسلامية في اليمن أن تبدو وكأنها في مواجهة أصولية مع المجتمع اليمني، بما فيه كوادر شركائها في العمل السياسي؛ أحزاب اللقاء المشترك؟
اعتقل هؤلاء المتشددون عشرات الشباب المختلفين معهم، ومارسوا تنكيلاً بعدد آخر عبر استخدام العنف والضرب. اعتقلوا شباناً لا ذنب لهم غير أن شعر رؤوسهم، أو أظافرهم طويلة. ولأن هذه الأشياء من مظاهر "الميوعة"، تقول عدد من القصص إن المتشددين حلقوا شعر عدد من الشباب، وقصوا أظافر آخرين. والكارثة أنه تم الاستعانة بسجن الفرقة الأولى مدرع، حيث يتردد أن هناك عشرات المعتقلين أغلبهم من الشباب الذين اختلفوا مع متشددي الإصلاح. وصادقاً؛ أتمنى على اللواء علي محسن الأحمر أن يوجه بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين، وألا يزج بنفسه وبالفرقة في هذه الممارسات المخجلة والمعيبة.
السبت الماضي؛ منع هؤلاء 10 فتيات من دخول الساحة بحجة أنهن كاشفات وجوههن! واعتدوا، عبر لجنة النظام النسائية العاملة معهم، على نساء ينتمين لصنعاء القديمة، ومحسوبات على الحوثيين. كان الاعتداء بشعاً؛ إذ فرض هؤلاء المتشددون طوقاً على خيمة هؤلاء النسوة، ودفعوا بنسائهم إلى الخيمة، حيث باشرن الاعتداء، وعندما تجمع عدد كبير من المعتصمين أمام الخيمة، بمن فيهم الحوثيون؛ تولى متشددو الإصلاح تهريب المعتديات بنقالات إسعاف أُخرجن من الخيمة محولات عليها كما لو أنهن ضحايا! هل هذه هي الثورة التي يحلم بها اليمنيون؟
بينما كان الزميل غمدان اليوسفي يتحدث مع قناة الجزيرة؛ اعترضه عدد من أعضاء اللجنة الأمنية في "ساحة التغيير" بصنعاء بدعوى أنه مندس! كذلك اعترضت ناشطات الإصلاح نادية الكوكباني، وأخذن منها، بالقوة، كاميرا التصوير التي كانت تلتقط بها صوراً للساحة! ونادية مدرسة جامعية حضرت الساحة منذ انطلاق الأيام الأولى للاعتصام، وتقوم بعمليات تنظيف للساحة.
...
لم ينتظر هؤلاء انتصار الثورة لفرض أنفسهم ومزاجهم الديني، ولم يتعاملوا بنوع من الذكاء مع المعتصمين، ومع العالم. والحاصل أنهم يُقدمون خدمة كبيرة للنظام، إذ أوجدوا شرخاً كبيراً في صفوف الثورة، وقدموا صورة سلبية عنها للخارج، الذي ظل متخوفاً من أن تأتي الثورة بالمتشددين الإسلاميين للسلطة في اليمن.
تابع الدبلوماسيون الغربيون خبر الاعتداء البشع على الناشطات، وأخبار الاعتداءات الأخرى التي مارسها متشددو الإصلاح على المعتصمين في الساحات المختلفة. والمؤكد هو أن هذه الاعتداءات تجعل "المخاوف من حكم طالبان محل اعتبار وتصديق".
ارتفعت درجة مخاوف الأمريكيين والأوروبيين، وانعكس الأمر، على الأرجح، في تغيير مواقفهم. والشاهد أن الموقف الأمريكي والأوروبي تغير، إذ خف الضغط على نظام الرئيس صالح، وهناك نوع من الاسترخاء في التعامل مع ما يرتكبه من عمليات قتل، وانتهاكات ضد المحتجين سلمياً. ومن تابع المبادرات الخليجية، التي جاءت بدعم أمريكي وأوروبي، سيدرك هذا التغيير الواضح. نص البند الأول في المبادرة الخليجية الأولى على تنحي الرئيس صالح، فيما نص البند الأول في الثانية على نقل سلطاته إلى نائبه. والأسبوع الماضي؛ قدم الخليجيون مبادرتهم مع تعديلات جعلت من بند نقل الرئيس لصلاحياته يأتي بعد 3 بنود تمهيدية، و5 أخرى شرطية، أغلبها مطاطية تحتمل أكثر من تفسير، ويُمكن للرئيس الالتفاف عليها.. بسهولة.
وضع متشددو التجمع اليمني للإصلاح، والحركة الإسلامية بشكل عام، الثورة اليمنية، واليمنيين ككل، أمام امتحان صعب وعسير. وإذا اعتمدنا التنظير القديم لمحمد حيدرة مسدوس؛ سيكون علينا أن نُطالب بإصلاح مسار الثورة. ولئن كان إصلاح مسار الثورة يعني إنهاء سيطرة متشددي الإصلاح عليها، وعلى ساحاتها؛ فهو، بالنتيجة، سيحمي الإصلاح، كحزب وكتنظيم إسلامي، من الاندفاع غير الواعي لمتشدديه، الذين يدفعونه اليوم إلى مواجهة المجتمع، ويُقدمونه كتنظيم أصولي متشدد يُهدد مستقبل اليمن وسلمه الاجتماعي.
...
حدد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل موقفاً محترماً؛ بتعليق عضويته في المجلس الأعلى للمشترك، احتجاجاً على الاعتداء على الناشطات. والخميس المنصرم؛ كتب الدكتور ياسين سعيد نعمان، في صحيفة "الثوري"، معتذراً من أروى عبده عثمان وصديقاتها. ومن قرأ المقال سيدرك أن الدكتور ياسين كان يعتذر لأنه شعر أنه شريك في الاعتداء، لا لشيء، إلا لأنه تم فيما هو يضع يده في يد تجمع الإصلاح.
أتمنى أن يُقدر قيادات الإصلاح الموقف الذي حشروا فيه الدكتور ياسين، الذي سيكون عليه، في حال استمرار هذه الاعتداءات، تحديد موقف مما يجري. صادقاً أيضاً؛ أتمنى من الإخوة في قيادة الإصلاح تقدير الموقف، وذلك يكون عبر اتخاذ إجراءات جادة للجم جماح متشدديهم.
...
إن انتقاد التصرفات البوليسية التي يُمارسها متشددو تجمع الإصلاح ضد المعتصمين، لا يعني "إثارة الرعب في ساحات الاعتصام"، ولا يُمكن، بأي شكل من الأشكال، اعتباره، كما ذهب أحدهم مسرفاً في الإنشاء المنمق، "طعناً" للثورة "في قلبها الغضّ". وإمعاناً في الركة؛ ذهب الرجل إلى اعتبار الحديث عن اعتداءات متشددي الإصلاح، وجنود الفرقة على أروى عبده عثمان، وبقية الناشطات، أنه "انتهاك لقداسة الثورة"!
لا أدري بأي معيار تم اعتبار النقد "إثارة للرعب"، واعتداء على الثورة. كذلك لا أدري كيف اعتبر النقد مجرد "هجاء مقذع"، قال إنه "لا ينتمي إلى زمن الثورة"، و"يجسّد أزمنة الانحطاط والعطالة القاسية"! إحدى مشاكل العرب الرئيسة تتمثل في استسهال الكتابة؛ التي تتحول إلى نوع من الثرثرة والهذر. لهذا يتم التعامل مع النقد باعتباره مجرد هجاء، ويتم التعامل مع إدانات الانتهاكات باعتبارها شكوى تعكس "الإحساس بالاضطهاد"! ربما هذا الهذر هو الذي دفع صاحب الإنشاء المنمق إلى التعامل مع النقد بطريقة رعوية غير واعية، دفعته إلى القول بأن هناك نقداً قانونياً، وآخر غير قانوني، ونقداً صحياً، وآخر غير صحي، ونقداً منهجياً، وآخر غير منهجي! يا إلهي ما أبشع الهذر والتنطع!
*عن صحيفة "الأولى" اليومية