ال"عَلِيَّان".. أبعاد الفصال والتسوية المرتقبة مع الحوثي
بقلم/ صحفي/عبدالله السالمي
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 4 أيام
الإثنين 28 مارس - آذار 2011 04:44 م

أكثر من كونه دعما لثورة شباب التغيير والدفع بها صوب تحقيق هدفها الأوَّلي المتمثل في إسقاط الرئيس على عبدالله صالح فإن انضمام اللواء علي محسن صالح في واحد من أهم معطياته بمثابة خطوة استباقية لتحقيق ولو أدنى درجات التسوية الممكنة مع جهة على صلة بالثورة؛ يدرك الجنرال الأحمر أن فرصة التوصل إلى تسوية من هذا النوع ومع هذه الجهة خلال الثورة أوفر منها وقد حققت أهدافها.

دعونا قبل الخوض في التفاصيل نعرِّج على مسلمّة تعزو أهمية ما مثله تأييد اللواء علي محسن لثورة شباب التغيير إلى موقعه قائدا للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية، والفرقة الأولى مدرع، وفوق ذلك موقعه الذي يُنظر إليه من خلاله بوصفه الرجل الثاني في البلاد، ولوازم اشتغال طويل مع رجالات القبائل وقادة الجيش، فضلا عن الود المتبادل بينه ورموز دينية لا نبالغ إن قلنا بتوزعها على عديد تيارات، منها المذهبية الصرفة، ومنها من يمت بصلة إلى جماعات الإسلام السياسي على اختلافها.

ومن هنا فإن حقيقة أن انشقاق اللواء علي محسن عن الرئيس صالح بمثابة الهزة القوية التي أفقدت الأخير توازنه واتزانه مما لا شك فيه، أما عن مردودها على الذين انضم إليهم فلو لم يكن إلا حسبانها من زاوية أنها أضعفت النظام المطالبين برحيله، وأحدثت تصدعا واسعا في المنظومة التي يتكئ عليها لاستطالة بقائه، سواء العسكرية أو القبلية، بما يعني أن التناقص في منظومة النظام من عمقها وأطرافها زيادة في صفوف شباب ثورة التغيير ورفدٌ لهم، وحسب الكثيرين فلو لم يكن إلا هذا الاعتبار لوحده لكان كافيا حتى اللحظة.

معادلة.. وفرضية

هي بالتالي معادلة تقوم على فرضية واحدة مفادها أن انفضاض رموز النظام عنه وتأييدهم لمسلك شباب ثورة التغيير يعني بالضرورة تقوية للثورة ودعما لها وتأكيدا لمسارها، بصرف النظر عن أية دوافع قد تكون وراء لحاق الكثير من أولئك بركب الثورة؛ سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، سياسيين ودبلوماسيين، بل ليس دوافعهم فحسب وإنما أيضا - ولبعضها ارتباط بالدوافع أو هي الباعثة عليها - ما كسبوه خلال بقائهم في النظام من إرث لا يجامع تطلعات شباب التغيير وتبتغيه ثورتهم الرامية إلى مجتمع المواطنة المتساوية في ظلال الدولة المدنية.

بدا أن هذه المعادلة حاضرة بقوة في وعي شباب ثورة التغيير، وهذا ببساطة يفسر المسلك الاحتفائي الذي تشهده ساحات التغيير والحرية في مواضع شتى كلما انضم إليها ممن كانوا إلى صف النظام، لاسيما الرموز من وزراء وبرلمانيين وسفراء وسياسيين وعسكريين، ومن ثم قادة بحجم اللواء على محسن صالح..

غير أن ثبات تلك المعادلة محل نظر لدى كثيرين من مختلف مكونات ثورة التغيير الشبابية، ذلك أنها وإن كانت اليوم مما تمليه متطلبات تحقيق الثورة لغايتها المبدئية من خلال إسقاط رأس النظام القائم، فإن طي صفحة النظام بالكامل، أو حتى تخطي منطلقاته الرئيسية، تستحضر مخاوف أن يتطور حضور المنضمين للثورة من رموز النظام إلى هيمنة تعيق بلوغها أهدافها الكلية مستقبلا، باعتبار صعوبة الفصل بين محددات النظام القائم القيمية والأخلاقية ورجالاته القابعين فيه، والذين فارقوه بالتأكيد، من حيث أن هذه المفارقة لم تزل شكلية حتى اللحظة، فيما الجوهر هو هو، ولم يتعرض بعد لامتحان حقيقي يبين معه مدى فصاله في العمق والجوهر عن النظام إياه.

حالة اللواء والشيخ

وبقصر الحديث على اللواء علي محسن صالح باعتباره المرتكز أو حجر الزاوية في سياق روافد ثورة شباب التغيير المنضمين إليهم من أعمدة النظام فإنه بقدر ما استوجبه تأييده للمعتصمين من أهمية كان لها أثرها في الفت من عضد النظام وتقوية شوكة المطالبين برحيله إلا أن ثمة من نظر لموقف الجنرال من الثورة بعين الريبة، وتكشف المشهد عن مخاوف لدى الكثير من شباب التغيير أنفسهم أن يتخطف العسكر ثورتهم لصالح إعادة تكرير بنية النظام العسكري القبلي السلفي القائم بذات اللبوس ولكن بلابسين جدد، وربما ساعد على إذكاء هكذا مخاوف التزامن بين إعلان اللواء علي محسن تأييده لشباب التغيير وانضمام الشيخ صادق الأحمر إليهم بثقله القبلي على رأس قبيلة حاشد، وما له من حضور في أوساط قبلية تتعداها.

وقد قيل ما قيل من شأن هذه المخاوف التي استوجبت من الرجلين كليهما – الشيخ صادق الأحمر واللواء علي محسن – المسارعة إلى نفيها، وطمأنة شباب التغيير من خلال التأكيد على أنهم المعنيون بتوجيه مسار ثورتهم صوب غاياتها، بينما يقتصر دورهما وسواهما من المؤيدين لشباب التغيير على الدعم والمساندة والمؤازرة.

وبهذا الخصوص أرى مع كثيرين أنه لا معنى للتوقف طويلا أمام مخاوف أن يفضي حضور إنْ اللواء علي محسن أو الشيخ صادق الأحمر بدرجة رئيسية إلى تنكب الثورة عن مسارها، فالماثل أمامنا مما مثله من أهمية تأييدهما لشباب التغيير على صعيد الزخم الذي حظيت به الثورة وشبابها يطغى حتى اللحظة على مخاوف اليوم التالي.

ثم إن استيضاح شباب الثورة في ساحات التغيير والحرية على امتداد الوطن لأهداف ثورتهم وثباتهم عليها والعزم على عدم مغادرة أماكنهم حتى تحقيقها كاملة غير منقوصة كفيل بكبح جماح أية جهة، فردا كانت أو جماعة، من التفكير - مجرد التفكير - في ركوب الموجة لحرف الثورة عن طريقها المؤدي إلى القطيعة التامة والفصال البائن مع نظام الرئيس صالح بكل ما ينطوي عليه.

الخطوة الاستباقية

لعل ما سبق قد أخذنا بعيدا عن مناقشة الفكرة الجوهرية التي تصدرت هذه السطور، إلا أنه في المحصلة النهائية يأتي في الصميم منها، ومرة أخرى فإن انضمام اللواء علي محسن صالح في واحد من أهم معطياته بمثابة خطوة استباقية لتحقيق ولو أدنى درجات التسوية الممكنة مع جهة على صلة بالثورة؛ يدرك الجنرال الأحمر أن فرصة التوصل إلى تسوية من هذا النوع ومع هذه الجهة خلال الثورة أوفر منها وقد حققت أهدافها.

وهذه الجهة هي جماعة الحوثي، أما لماذا وكيف، ففيه تفصيل يستوجب ابتداءً التنبيه إلى أن استمرار وقوع الحوثيين واللواء علي محسن صالح على طرفي نقيض في حال أدركت ثورة شباب التغيير أهدافها من شأنه إبقاء الأبواب مشرعة أمام مخاوف ما كان من أمر السجال المسلح في شمال الشمال، في بعدها الوطني وكذلك الإقليمي.

من المسلم به أن الجنرال محل ثقة النظام السعودي، وبقدر وقوفه على رأس جبهة الصراع مع جماعة الحوثي إلا أن سياسة النظام في الشقيقة الكبرى بالنظر إلى مرئيات سيرورة ثورة شباب التغيير في اليمن حتى اللحظة ربما رأت أن الحضور القوي والفاعل للحوثيين على مقربة منها يتطلب للتعاطي معه التهيئة لتسوية ممكنة طرفها جماعة الحوثي من جهة، والمملكة السعودية من جهة أخرى ابتداء بالرجل الذي تثق فيه، وليس سوى اللواء علي محسن.

ربما لا يستسيغ البعض تحليلا كهذا، ولكن دعونا نذكّر بأن لجماعة الحوثي اليوم من الحضور والفاعلية ما يرجِّح كفتها ليس في محافظة صعدة فحسب وإنما في ثلاث محافظات بجوارها على الأقل، كما أن لها الكثير من الأتباع والأنصار في سواها من محافظات الشمال، والأمر المهم أن للحوثيين صلتهم القوية بثورة شباب التغيير، وكانوا من أوائل المنظمين للمسيرات والمظاهرات والاعتصامات المطالبة بإسقاط النظام، بما يعني أن ثمة تلازم بالضرورة بين سقوط النظام ومزيد من الحضور والفاعلية للحوثيين، ويعني أيضا تزايد مخاوف الرياض من تعاظم نفوذ الحوثيين على تخومها مقرونة بفقدانها حليفها في صنعاء المتمثل في نظام الرئيس صالح الذي لطالما أذكى مخاوف المملكة بالحديث عن أجندة إيرانية تستهدفها عن طريق الحوثيين، وقد كان من أمرها معهم في جولة الحرب الأخيرة ما كان.

إذاً فإن التعاطي الأسلم مع استطالة فاعلية الحوثيين وحضورهم في المشهد اليمني مستقبلا، باعتبار أن النظام القادم في اليمن لن يخلو منهم، أفرز في الرياض سيناريو أرى أن انضمام اللواء علي محسن إلى ركب ثورة شباب التغيير ليس ببعيد عن استحضاره كواحد من الدوافع على الأقل.

وليس لأحدنا أن يستنقص من شأن هذا الدافع، فهو في حد ذاته مطلب ملح علي الصعيد المحلي بالخصوص، باعتباره أولا يرتبط بالتوصل إلى تسوية من شأنها تحقيق السلم الأهلي وطي صفحة ماض دموي مؤلم في جزء عزيز من اليمن، وذلك قبل أن يكون ثانيا إجراء مطمئنا يبدد مخاوف الجارة الكبرى من ديمومة شمال الشمال اليمني نقطة توتر تقلقها.

الفرصة السانحة

من شأن بقاء اللواء علي محسن في خندق النظام حتى إسقاطه اجترار تراكمات ست جولات من الحرب في صعدة ومديرية حرف سفيان في محافظة عمران، وهو ما سيلقي بظلاله على الوضع مستقبلا، بما لا يمكن استبعاد استطالة التوتر بين الحوثيين وشركاء لهم سواء في المعارضة أو شباب التغيير بسبب ملف حرب صعدة، والتعاطي مع طرف فاعل فيه على رأسه الجنرال، فللأخير مكانته لدى كثيرين يُنظر لهم الآن بوصفهم شركاء للحوثي، بما يعني إمكانية أن يشكل هذا الملف أزمة حقيقية بين أطراف كان يجمعهم مطلب إسقاط النظام.

وعلى هذا الأساس فإن خطوة اللواء علي محسن بانشقاقه عن الرئيس صالح استباقية وعلى قدر كبير من الأهمية، ذلك أن إمكانية التوصل الآن إلى تسوية حقيقية بشأن تبعات حروب صعدة مع الحوثيين أوفر منها بعد رحيل النظام، لقد التقى الطرفان مع شباب التغيير والمعارضة السياسية وقوى عديدة على مطلب إسقاط النظام، ولعل هذا التوافق ضمنيا ينطوي على تحميل رأس النظام كل تبعات صراعات القوى المختلفة في الماضي، بما لا يعدو بهم جميعا بلا استثناء ضحايا لا أقل ولا أكثر.

صحيح أن زعيم الحوثيين طالب اللواء علي محسن إثر إعلانه الوقوف إلى جانب ثورة شباب التغيير بالاعتذار عن الماضي، وللشعب الحكم على اعتذاره، إلا أنه موقف طبيعي من قبل عبدالملك الحوثي بالنظر إلى خصمين خاضا ست جولات من الحرب، ولعله ردة فعل مبدئية حتماً سيتجاوزها زعيم الحوثيين والجنرال علي محسن، فالمؤكد أن إمكانية التقارب بينهما قائمة، وأن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى تسوية قوامها التسامح وطي صفحة الماضي والتطلع إلى شراكة حقيقية في المستقبل.

وفي حال تم التوصل إلى تسوية من هذا النوع فإنها فضلا عن كونها مؤشرا حقيقيا على أن ثورة شباب التغيير تتجه نحو المستقبل بخطى واثقة وتضع ليمن ما بعد الرئيس صالح أسسا ثابتة تبشر بمستقبل واعد لكل اليمنيين، فإنها في الوقت نفسه تقدم صورة مطمئنة عن مستقبل علاقة اليمن بمحيطها الإقليمي، وبالخصوص جوارها العربي، ومن ثم العالمي.

*عن صحيفة "الناس