لكي تبقى وتدوم الوحدة ..
بقلم/ د.أحمد عبيد بن دغر
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 22 يناير-كانون الثاني 2013 11:37 ص
أجدني مرة أخرى مضطراً للحديث عن موقفي من المشاكل التي تبدو شائكة اليوم، لقد حاولت منشورات صفراء أن تنقل عني حديثاً في “ مجلس الوزراء “ لكنها لم توفق في نقله، لا نصاً، ولا مضموناً.

أما النــــص فقد أجتزئ وبدا غير متماسك، وأما المضمـــون فقد شوهه العنوان، “ الوحدة في خطر، والانفصال قادم شئنا أم أبينا” وكان الجزء الأول من العنوان صحيحاً، نعم فالوحدة في خطر، وهذا الخطر يزحف شيئاً فشيئاً ليستولي على المشهد السياسي عامة.

لقد قوّلن أصحاب تلك المنشورات كلاماً لم أقله. بالنسبة لي ولغيري، وهم كثر، الانفصال ليس أمراً حتمياً، وإن كنت وسأبقى أتمنى أن تكون الوحدة حتمية، ليس فقط من منطق وطني، بل من إيمان قومي بأن الأجيال القادمة لن تقبل لهذه الأمة هذا الهوان، فلتلتفت يميناً وشمالاً وتقلب الأفكار، وتقرأ التجارب، فتدرك بفعل التطور، تطور الوعي، وتقدم الواقع. إنها قد أضاعت وقتاً ثميناً جربت فيه خيارات كثيرة، ولم يعد أمامها سوى خيار الوحدة، أو الاتحاد.

هناك أمل قادم، هو مؤتمر الحوار الوطني.. وكوننا نعلق آملاً على المؤتمر، فذلك لأننا لا نرى سواه مخرجاً نبحث في إطاره عن حل لمشكلاتنا. لكن التعلق بانفراج محتمل، وانتظار النتائج في وضع مضطرب، هو ما يجعل حالة الانتظار هذه قلقة .

واقعنا لا يحتاج منا إلى جهد كبير لتشخيصه. هو يتبدى أمامنا في عناوين رئيسية وفرعية، حالة احتقان شديد في الجنوب، ونزوع واضح نحو الانفصال، لقد تبدت لنا الأوضاع في الجنوب وبعد 13 يناير الماضي، صادمة خاصة لمن كانوا يعيشون حالة الاسترخاء، هؤلاء كانوا يعتقدون أن الوحدة قد أضحت في منأى عن المخاطر، عاشوا وربما مازالوا يعيشون في منأى عن التحولات في وعي الناس هناك، للأسف من بين هؤلاء قادة سياسيون ونشطاء اجتماعيون يفترض فيهم الحذر، لكنهم للأسف غارقون في التفاصيل وفي الخصومات حد المبالغة.

يود البعض أن ينجزوا مهاماً رأوها تتحقق في بلدان عربية أخرى، ويحاولون شحذ الهمم، وحشد الطاقات لانجاز هذه المهام، لا يهم بعد ذلك عندهم أن يذهب اليمن إلى أي من مشاهد العنف والتفكك التي عاشتها أو تعيشها بعض البلدان العربية، أو كما يبدو لنا، ودون أن نقلل من قيمة ما يعتقدونه، لا نرى أن واقع اليمن سيسمح بذلك.

إن محاولة فرض واقع معين على الحياة السياسية، وعلى المسار الوطني عموماً سوف تصطدم بهذا الواقع. وحينها سوف تنهض أدوات العنف لتحل التناقض الذي سوف ينشأ بالضرورة بين الرغبة في التغيير وبين القدرة على تحقيقه سلمياً. فلا يبقى غير العنف وسيلة متاحة.

لكن العنف لن يحل إشكالية السلطة، ولا يحقق التغيير المنشود وأقصى ما يمكن أن يحدثه العنف هو خلق أرضية وبيئة مناسبة لانهيار الدولة، ولا نحتاج إلى القول أن انهيار الدولة يعني سقوط الوحدة.

السلطة ليست ثمناً مقبولاً، لرأس الوحدة، بل ليس هناك ثمن يعادل منجز الوحدة، والتغيير الذي ننشده إيجابياً ولكنه لا يتحقق، بل يتحول إلى أداة هدم وتدمير ، ومرة أخرى نعني بالتغيير في الحالة اليمنية هو الإرادة غير الواعية للوصول إلى أهداف تأتي في درجة أدنى بكثير من هدف الحفاظ على الوحدة، وضمان استقرار البلاد. إننا نعتقد أن المبادرة الخليجية بما تضمنته من أهداف، ووسائل، وآليات هي الحد الأقصى لكل طموح تغييري. وحتى ثوري قياساً إلى واقع مستعصٍ ومؤلم.

إزاء هذا الواقع، ماذا يجب علينا أن نفعل. قلت في رئاسة الوزراء وللأسف الشديد هناك من نقل آرائي ناقصة ومشوهة، إن هناك أملاً يبدو ممكن التحقيق هو أن نوحد الطاقات والمواقف والجهود دفاعاً عن الوحدة، ولم الشمل للدفاع عن الوحدة أمر يتطلب بالضرورة ولو مؤقتاً التخلي عن الأهداف الأقل سمواً أو تأجيل تحقيقها. حفاظاً على مصلحة أسمى وأعظم.

في الواقع كل الأهداف التي تسعى لتحقيقها بعض القوى، حاكمة وغير حاكمة، هي أدنى وأصغر من هدف الدفاع عن الوحدة والعيش في كنف دولة موحدة نرتضيها جميعاً، ونرى فيها تحقيقاً لمصالحنا المشتركة الحاضرة والمستقبلية.

ذلك ما يتعلق بالجزئية الأولى من عنوان ما تناولته تلك المنشورات، أما أنني قلت أن الانفصال قادم شئنا أم أبينا، فتشويه متعمد لرؤيتي التي بسطتها في أكثر من محفل، ومن على أكثر من وسيلة ومنبر. لن يفرض علينا الانفصال إلا في حالة واحدة. هو عجزنا عن إدراك طبيعة التحولات في بلادنا، ومحاولة البعض المضي في عمليات الإقصاء للأخرين بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. لا أحد يمكنه أن يفرض علينا أمراً لا نرتضيه. ليست هناك قوة قادرة على القيام بأمر كهذا. فقط وحده الصراع غير المبرر في أوجه عديده منه. هو القادر على هذا الفعل.

إن المضي خلف أهداف ثانوية، وعدم الالتفات لمخاطر المرحلة، والمضي خلف شعارات تتجاوز الممكن مكاناً وزماناً، هذا الطريق هو الذي سيفرض الانفصال. وسنكون بحق في نهاية المطاف أمام أوضاع صعبة، وخيارات محدودة، وتدخل سافر ومهين من الغير في رسم معالم طريقنا.

إذاً الوحدة تتطلب وعياً جديداً بالمخاطر، وارتقاءً فـــــــي التفكير والبحث في الوسائل، وهذا التفكير، وهـــــذه الوسائل لن تكون إلا وسائل تصالحيه ومتسامحة، أولاً لمعالجـة أزمة الجنوب وفق رؤية جديدة، ثم بعد ذلك نتنافس سلمياً في تقديم ما هو أفضل على صعيد الواقع. وبأفق تغييري، يحقق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد.

وبالتأكيد فإن التصالح هنا ليس بهدف إجهاض التحول القادم من الجنوب ولا الانقضاض على قوى الحراك. أو محاولة إخضاع الجنوب بالقوة، هذه أمور نسلُم جميعاً بأنها غير متاحة. وأن ما هو متاح يتطلب بالضرورة إعادة النظر في تفكيرنا نحو الجنوب، وكذا في نظرتنا إزاء تجربة الدولة التي نشأت في 1990م، وليست إلى الوحدة ذاتها. فقد استنفذت هذه التجربة كل مقوماتها وبات لزاماً علينا للاحتفاظ بالوحدة أن نغير وسائلنا وأدواتنا في الدفاع عنها.

إن بناء منظومة جديدة لتفكير سياسي جديد واقعي متجرد من أي أهداف حزبية أو شخصية سوف يمنحنا فرصة لمعالجة ما تبقى من قضايا هي على ذات المستوى من قضية الجنوب. كقضية صعده هذه القضية التي أرقت الدولة والمجتمع وبات من المنطق معالجتها استناداً إلى قيم العدل والمساواة والاعتراف بالتميز، بل أن الاتفاق على قواعد جديدة تحكم فكرنا السياسي سوف تعيد تشكيل واقعنا من جديد في صورة مختلفة، ولكنها جذابة ومقبولة لدى كل قوى المجتمع وأطيافه المتعددة المشارب والمذاهب.

إذاً هناك إشكالية التحول المتمثل في موقف بعض أهلنا في الجنوب إزاء الوحدة. يقابله عزوف من بعض قوى الوحدة لتفهم هذا التحول، وهناك إشكالية الأولوية في خياراتنا الوطنية للوحدة، والتصالح ، ام للتغيير وتحقيق العدالة. بالنسبة للغالبية من أبناء اليمن، أعتقد أن بقاء الوحدة هو الخيار الأول في تطلعاتهم نحو المستقبل.

لقد اسهبت كثيراً في الحديث عن أسبابي في اعتبار الوحدة أولوية على ما سواها. وهدفاً يعلو على كل الأهداف، لأن بقاءها يمنحنا الأمل في تحقيق الأهداف الأخرى، وفي ضياعها ( ضياع الوحدة ) ضياع لكل شيء، نعم لكل شيء. ونهاية تجربة عظيمة على ما بها من شوائب.

كما أنني كنت وما زلت منذ سنوات أرى أن الدولة المركزية خيار وحدوي غير ناضج، لم يدرك أنصاره أنهم قد فرضوا أفكارهم ورؤاهم لشكل ومضمون الوحدة دون اعتبار لحقائق الواقع والتاريخ. وكان خيار اللحظة وليس خيار الواقع.

ومنذ سنوات أيضاً كنت أدرك أن خيار الفدرالية بين الشطرين خيار انفصالي، ودعاته لا يختلفون عن دعاة فك الارتباط إلا في الوسائل. خاصة وقد ربطوا الفدرالية بحق تقرير المصير بعد خمس سنوات.