مشروع كلينتون للحسم في سورية
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 12 سنة و 3 أيام
الإثنين 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 04:59 م

فجأة، وبعد تصريحات نارية صريحة من السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، اصبحت المعارضة السورية وخلافاتها تحتل العناوين الرئيسية في معظم الصحف ونشرات أخبار التلفزة العربية والاجنبية. فماذا حدث بالضبط، ولماذا كل هذه الجهود والاجتماعات، وفي مثل هذا التوقيت بالذات؟

من المؤكد ان السيدة كلينتون لم تبادر بسحب الشرعية التمثيلية من المجلس الوطني السوري، وبمثل هذه القسوة والحسم، وتطالب بجسم تمثيلي اوسع يضم فصائل الداخل المقاتلة، واعطائها دورا اكبر في قيادة العمل السياسي السوري المعارض، لولا وجود مشروع تدخل امريكي من المرجّح ان يكون عسكريا.

السيدة كلينتون كانت من ابرز المساندين للمجلس الوطني السوري طوال العشرين شهرا الماضية، وكادت ان تستصدر قرارا ملزما من تحالف اصدقاء سورية، الذي يضم مئة دولة، بالاعتراف به كممثل شرعي وحيد للمعارضة، وكبديل للنظام الحاكم في دمشق، ولكن اقتحام القنصلية الامريكية في بنغازي، وانفجار العنف في مختلف انحاء ليبيا كان نقطة التحول الرئيسية في موقف كلينتون وحكومتها.

الدور المحوري الذي تلعبه الجماعات الجهادية في سورية حاليا، والمناطق الواقعة خارج سيطرة النظام في ادلب وحلب ومعرة النعمان واعزاز، وتصاعد وتيرة السيارات المفخخة التي تستهدف مؤسسات امنية تابعة للنظام، يثير قلق واشنطن وعواصم اوروبية اخرى من تحول سورية الى قاعدة جديدة لتنظيم القاعدة، والفصائل التي تتبنى عقيدته السلفية الجهادية المتشددة.

هناك نظرية تقول ان النظام السوري ربما انسحب من بعض المناطق، ولم يحاول الدفاع عنها بشراسة، خاصة في ادلب وحلب، بسبب عاملين رئيسيين: الاول هو تقليص خسائره، وبعد ادراكه بأن الهزيمة محققة، والثاني رغبته في خلق فتنة بين المقاتلين السوريين والجماعات الجهادية، ثم بين هذه الجماعات وقطاع من المواطنين السوريين الذين يفضلون مجتمعا مدنيا، ولا يستطيعون العيش في ظل تطبيقات متشددة للشريعة الاسلامية.

في مدينة حلب، على سبيل المثال لا الحصر، اعترف بعض العناصر التابعة للجيش السوري الحر بعدم رضا بعض اهالي المدينة على اسلوب إدارتهم لبعض المناطق، كما وقعت اشتباكات بين عناصر الجيش والاكراد في الأحياء الكردية في المدينة.

وليس ادل على وجود خطة للنظام لتأجيج هذه الخلافات والصدامات بين المواطنين، او بعضهم، وقوات المعارضة المسلحة، استمراره، اي النظام، في تزويد المناطق الواقعة تحت سيطرة الاخيرة بالكهرباء والماء.

الإدارة الامريكية، باتت تعطي الأولوية في الوقت الراهن لمحاربة الجماعات الاسلامية المتشددة، والقضاء عليها قضاء مبرما، ولهذا تخطط حاليا لتدخل عسكري للقضاء على هذه الجماعات في شمالي مالي ومنطقة الساحل الافريقي بشكل عام، وشن حرب بطائرات بدون طيار في ليبيا للغرض نفسه.

من الواضح ان واشنطن تريد اطاحة النظام السوري، ولكن من خلال تسليح مكثف للمعارضة السورية، على غرار ما فعلته في افغانستان لطرد القوات السوفييتية منها واسقاط النظام الشيوعي الذي تدخلت لحمايته والحفاظ على استمراره في السلطة، ولكن عمليات التسليح المتفق عليها، لا يمكن ان تتم في ظل وجود قوي للجماعات الاسلامية المتشددة.

السيدة كلينتون تريد ان يقوم الجيش السوري الحر، والفصائل العسكرية الاخرى المنشقة عن الجيش النظامي بالدخول في حرب لتصفية الجماعات الجهادية بأسرع وقت ممكن، و'تطهير' الاماكن 'المحررة' منها كشرط لتزويد هذه الفصائل بأسلحة حديثة ومتطورة مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وصواريخ مضادة للدروع والدبابات، لأن هذه هي الضمانة الوحيدة لعدم وقوع هذه الصواريخ في ايدي الفصائل الاسلامية المتشددة، وبما يؤدي الى استخدامها ضد اسرائيل في مراحل لاحقة في حال اسقاط النظام.

السيد رياض سيف المرشح لرئاسة حكومة المنفى السورية التي ستكون البديل للنظام وحكومته، تحدث بطريقة ذكية عن هذا المخطط عندما قال ان واشنطن تريد تزويد المعارضة بأسلحة حديثة متطورة اذا ما توحّدت المعارضة واقامت جسما تمثيليا تنضوي فيه معظم او كل فصائل المعارضة.

لقاء الدوحة الذي بدأ امس ويستمر لثلاثة ايام، وتشارك فيه اكثر من 400 شخصية سياسية سورية معارضة من مختلف ألوان الطيف السوري السياسي سيكون هو الاختبار الحقيقي لهذا المخطط الامريكي الجديد، وسيكون التحدي الأكبر يوم الخميس المقبل عندما تنضم فصائل معارضة الداخل، او ممثلون عنها، الى الجسم السياسي الجديد وانتخاب مكتب سياسي وحكومة بديلة، وتوزيع المناصب والوزارات بالتالي بطريقة مرضية للجميع.

لا جدال في ان هناك خلافات كبيرة ستحدث بسبب التنافس على المقاعد، ولا غرابة اذا ما قرر البعض تكوين معارضة ضــد المعارضة، ولن يكون مفاجئا اذا ما اعـترضت قــوى اقليمــية على التشكيل الجديد. فاتهامات التخوين والعمــالة لامريكا بدأت تتطـــاير ضـــد هـــذا او ذاك في مواقع التواصل الاجتماعي، وكان لافتا ان تركيا التي كانت القابلة التي ولد على يديها المجلس الوطني السوري بدأت ترفع الكارت الأصفر، وربما الأحمر لاحقا، اذا لم ترق لها التشكيلة الجديدة، واجتماع السيد احمد داوود اوغلو المفاجئ مع قيادة المجلس الوطني في اسطنبول قبل ثلاثة ايام، وقبل توجههم الى الدوحة يطرح العديد من علامات الاستفهام.

الاربعاء المقبل سيسدل الستار على الانتخابات الامريكية، وتنتهي بذلك مرحلة الانتظار وتأجيل القضايا الملحّة، ومن بينها الملف السوري، وكل ما يمكن التنبؤ به هو ان الاسابيع والشهور المقبلة قد تشهد تحركات حاسمة، ومعارك دموية طاحنة، وسقوط المزيد من الضحايا، وربما بأعداد كبيرة.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سينجح المخطط الامريكي الجديد في توحيد المعارضة وتسليحها بعد ذلك، واسقاط النظام بالتالي؟

التريث في الإجابة هو قمة العقل والتعقل، والانتظار وعدم القفز الى النتائج هو عين الحكمة،لأن كل المفاجآت واردة والأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات.