مبارك ووساطته المنحازة
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 18 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الإثنين 03 يوليو-تموز 2006 08:35 ص

اسهب ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي في كيل المديح للرئيس حسني مبارك بسبب الجهود الضخمة التي يبذلها من اجل اطلاق سراح الجندي الاسرائيلي الاسير لدي رجال المقاومة في قطاع غزة. ولا شك ان الرئيس مبارك سيطرب لهذا المديح من صديقه اولمرت، وربما يحاول توظيفه او ترجمته الي علاقات افضل مع واشنطن، للحصول علي ضوء اخضر للمزيد من قمع المعارضة، وتعطيل عملية الاصلاح السياسي، وتسريع خلافة ابنه جمال لرئاسة الجمهورية. 

  

الرئيس مبارك لا يهمه موقف العرب مدحاً او ذماً، والمصريين علي وجه الخصوص، فقد انتدب نفسه وسيطاً لرعاية المصالح الاسرائيلية لدي الفلسطينيين، ففي الوقت الذي يطالب فيه المصريون رئيسهم بسحب سفيره، بل وقطع العلاقات كلياً مع الدولة العبرية بسبب مجازرها التي ترتكبها ضد الفلسطينيين بصورة شبه يومية، نراه يمارس ضغوطاً مكثفة علي هؤلاء ويحملهم مسؤولية الحصار التجويعي والقصف اليومي الذي يتعرضون له. 

  

الصحف الاسرائيلية خرجت يوم امس تتحدث عن الوساطة المصرية الرسمية، وتشيد بالرئيس مبارك، وتؤكد انه هدد حركة حماس بممارسة سلسلة من العقوبات ضد الفلسطينيين في حالة رفضها اطلاق سراح الجندي الاسرائيلي الأسير دون قيد او شرط، وخلال 48 ساعة. 

  

هذا الانذار غير مستغرب علي الرئيس المصري، فقد بعث انذاراً مماثلاً الي الرئيس الراحل ياسر عرفات، طالبه فيه بتسليم السلطة، وكل صلاحياته الامنية الي رئيس الوزراء في حينه السيد محمود عباس، واعطاه مهلة ثلاثة اسابيع والا سترفع عنه الحماية المصرية ، وبعد اقل من شهرين من هذا التهديد الانذار انتقل الرئيس عرفات الي الرفيق الأعلي مسموماً. 

  

الرئيس مبارك سيخلي ذمته، ويغسل يديه من أي لوم، وسيكرر عبارته المشهورة لقد حذرتهم وبلغتهم ولكنهم لم يسمعوا كلامي . العبارة نفسها وجهها الي الرئيس العراقي صدام حسين في حرب عام 1991، وفي الحرب الاخيرة، وتبين انه شخصياً هو الذي قدم للادارة الامريكية المعلومات المتعلقة بامتلاك اسلحة الدمار الشامل، وصور المعامل الكيماوية والبيولوجية المتنقلة التي استخدمت كغطاء لشن الحرب علي العراق مثلما ورد في كتاب بوب وودورد حول حرب بوش في العراق. 

  

مسألة الافراج عن الأسير الاسرائيلي لم تعد في يد السياسيين الفلسطينيين، سواء في غزة او دمشق، فقد تحولت الي قضية وطنية تتمتع بعمق شعبي غير محدود. فقد احيت آمال اكثر من عشرة آلاف اسرة فلسطينية في قرب الافراج عن اسراها. واصبح هؤلاء ينظرون الي اي مسؤول يطالب بإفراج غير مشروط عن الأسير الاسرائيلي علي انه خائن . 

  

القوات الاسرائيلية تتردد في اقتحام قطاع غزة ليس من منطلق الحرص علي ابنائه الذين تحاصرهم، وترعبهم بطائراتها وقنابلها الصوتية التي تطلقها يومياً، وانما لإدراكها بأن النتائج ربما تكون معاكسة تماماً، فأبناء القطاع مستعدون للدفاع عن ارضهم مهما تواضعت امكاناتهم، والجندي الأسير ربما يقتل مع اقتحام اول دبابة، الي جانب عدد من الجنود المهاجمين، وستعود حماس الي العمليات الاستشهادية بقوة وبمبرر وتأييد شعبيين. 

  

الحكومة الاسرائيلية تعول علي الضغوط المصرية الرسمية علي رجال المقاومة لتكفيها شرور الاجتياح، وتأمل ان ينجح عملاؤها في الحصول علي معلومات حول مكان الأسير علي امل استخدام عنصر المباغتة لإطلاق سراحه. 

  

حظوظ الضغوط المصرية في الافراج عن الأسير دون شروط محدودة جداً، والشيء نفسه يقال عن دور العملاء، لان الجهات المسؤولة عن الجندي المخطوف غير تابعة لاي سلطة سياسية محددة ورجالها ليسوا طلاب شهرة او مناصب وانما طلاب شهادة. 

  

بل هم متمردون علي كل السلطات. فالجناح العسكري لحركة حماس بات مستقلاً عن قيادته السياسية ويري انها اخطأت في تمديد الهدنة، والقبول بالمناصب الوزارية وامتيازاتها الدنيوية. 

  

ولجان المقاومة الشعبية ولدت من رحم التشدد والذل وأحيت جبهة الرفض الفلسطينية بالصيغة الجديدة. 

  

آسرو الجندي الاسرائيلي علي دراية بالألاعيب المصرية، والنوايا الاسرائيلية، ويرفضون نظرية الافراج عن الجندي اولاً، وترك مسألة الافراج عن الأسري الفلسطينيين لـ الكرم الاسرائيلي، لأن هذا الكرم معدوم كلياً، ولم يترجم علي الارض بعد قمة شرم الشيخ الرباعية، وقمم سابقة مماثلة. 

  

هؤلاء يريدون تسجيل سابقة التبادل كطريق وحيد للافراج عن اسراهم في سجون الاحتلال، وهم قطعاً سيخرجون فائزين في جميع الاحوال، سواء بادلوا الجندي، او انتهت هذه المواجهة باعدامه، او نالوا الشهادة التي يتمنونها، وسيكون الخاسر اولمرت، فهو لا يملك رصيداً كبيراً مثل شارون يستطيع استخدامه لامتصاص غضب الرأي العام في حال فشلت عملية الاجتياح المتوقعة في الافراج عن الجندي الاسير، وتعرض الاخير للقتل انتقاماً، وهو لا يملك اغلبية كبيرة في الكنيست تحمي حكومته من الانهيار. 

  

الفلسطينيون تعودوا علي المعاناة، بل ادمنوها، ومسألة الحصار المالي بدأت تعطي نتائج عكسية تماماً. فقد تراجعت قضية الرواتب وتوحدت الفصائل كلها خلف المقاومة في وقفة عز غير مسبوقة. 

  

العبء الاسرائيلي علي كاهل الغرب، وامريكا علي وجه التحديد، يزداد ثقلاً يوماً بعد يوم، فكيف سيدافع هذا الغرب الديمقراطي الحضاري عن تجويع وحصار وترويع مليون ونصف مليون فلسطيني اعزل، ونسف محطات ماء وكهرباء بنيت من اموال دافع الضرائب الامريكي والاوروبي، من اجل الافراج عن جندي واحد اسر في عملية عسكرية متقدمة نوعياً، ومشروعة قانونياً واخلاقياً؟ 

  

القاء اللوم علي سورية، وتحميلها مسؤولية خطف الجندي، هو دليل عجز، وقلة حيلة، وتخبط فاضح. والوسطاء العرب الذين يتقاطرون علي العاصمة السورية يجب ان يعرفوا ان الزمن الذي كان فيه قرار المقاومة الفلسطينية في يد هذه العاصمة العربية او تلك قد ولي الي غير رجعة. 

  

السيد خالد مشعل يحظي باحترام الكثير من كوادر حركة حماس ولكنه لا يستطيع ان يطالب بالافراج عن الجندي مجاناً، مهما تعاظمت عليه الضغوط، فماذا فعل الوسطاء العرب له ولحكومة حركته ازاء عمليات العزل والحصار الدبلوماسية والمالية الخانقة؟ فلو ساعد هؤلاء فعلاً في كسر الحصار علي الحكومة، لكان لهم الحق في التدخل والوساطة، ولكن طالما انهم اذعنوا للضغوط الامريكية، وشاركوا في الحصار وتعميقه، واداروا وجههم للناحية الاخري فمن المستبعد ان تجد وساطتهم آذانا صاغية مهما علا شأنها. 

  

خاطفو الأسير الاسرائيلي هم ابناء مخيمات البؤس، الذين لم يغادروا القطاع، ولا يعرفون غير المقاومة، والشهادة هي قمة طموحاتهم، ولا يكنون الكثير من الاحترام لمعظم الحكومات العربية ان لم يكن كلها، ناهيك عن وساطتها.

اليمن المتراجع وموريتانيا المتقدمة: مشهدان متناقضان لـ «الديموقراطية» العربية
خالد الحرب
كاتب/مهدي الهجرلماذا بن شملان..!!
كاتب/مهدي الهجر
د.رياض الغيليوطن الفساد .. وطن الغربة
د.رياض الغيلي
مشاهدة المزيد