يقف اليمنيون أمام طرفين يتنازعان أحقيّة الحكم تحت شعارات "الوطنية" و"الشرعية"، ومن أجل ذلك عمدا إلى إثارة النعرات المذهبية وتمزيق البني الاجتماعية وأحدثا شروخاً داخل المجتمع لا يمكن الآن إدراك كل آثارها المستقبلية، وأنا لا أتحدّث عن الدمار المادي فذلك أهون ما تعرّضت له اليمن خلال العامين الماضيين.
طرفا الحرب الأهلية شريكان أصيلان في الأحداث ولاريب أن جناية (جماعة أنصار الله - الحوثيين) التي بدأت بالاستيلاء على مقدّرات الدولة كانت البذرة الأولى لهذا المشهد الدموي وجرّوا البلد إلى أتون حرب أهلية تدور في معظم الأرض اليمنية وعمّت الفوضى كل مناطق البلاد وصار الحديث عن (اليمن الواحد) أو حتى (يمنين) ضرباً من الأوهام، وستكون غاية الأماني أن تعيش أي منطقة يمنية في هدوء وأمان.
الطرف الثاني لهذه الحرب العبثية البشعة شارك فيها تحت شعار (استعادة الدولة والشرعية" التي استهلك كل معانيها وفوّت كل الفرص التي أتيحت له خلال عامين (فبراير٢٠١٢- سبتمبر٢٠١٤) لتأسيس نموذج أقل سوءاً من سابقه ولم ينازعه السلطة خلالهما أحد إذ كان يحكم بغطاء إقليمي ودولي وشبه إجماع داخلي استنزف زخمهم بأداء رخو بلا فعالية ولا حيوية ولا محاولة للخروج من رداء من سبقه.
ما يجري من جولات متتالية مشاورات / مفاوضات للتوصّل إلى اتفاق سلام ، بدأت في جنيف وتوقفت بعد الكويت، لم تكن أكثر من استراحات متقطعة تنتهي بجولات عنف جديدة يدفع ثمنها الأبرياء فقط، ولا تحقق أياً من أهدافها، وتمر الساعات على اليمنيين مُثقلة بالحزن والدم والدموع، ورغم كل هذه البشاعات إلا أن أحداً من أطراف الحرب لم يقدّم لوطنه البائس أي بارقة أمل تعين الناس على انتظار يوم آخر سيظلون يحلمون بقدومه كمن انتظروا (غودو).
من السخرية أن اليمني صار حائراً بين طرف عاجز عن ممارسة مهامه في المناطق التي خرج منها الحوثيون في يونيو ٢٠١٥، وغير قادر على تقديم نموذج داخلها يمكن أن يُطالب به الناس في المناطق التي مازالت تحت سيطرة الميليشيات، وفي الطرف الآخر نجد (سلطة الأمر الواقع) تمارس نموذجاً غير إنساني في تعاملها مع خصومها بقسوة وعنف وتفرض على المواطنين ورجال الأعمال أتاوات بلا سند قانوني ولا مراعاة لأحوالهم.
لقد فقدت السلطتان مشروعيتهما عند غالبية الناس إلا الذين مازالوا يعيشون معهما تحت مظلة أحزابهم غير قادرين على الفكاك منها، ووضعتا العراقيل أمام كل المساعي التي بذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وكان تعاملهما المستخف دليلاً فاضحاً على أن التوصّل إلى حل سياسي يُعيد السلام إلى البلد لابد أن يُفقدهما كل السلطة أو جزءاً منها، ولم يدر في حساب أي منهما إلا مقدار الخسارة في حال التوصّل إلى حل، فالحوثيون لن يتنازلوا عن السلاح قبل الحصول على ضمانات تمنحهم (الثلث المعطّل)، و"الشرعية" لا تعلم إن كان الحل سيضمن لها موقعاً في الداخل، وهذه هي الحقيقة التي يحاولان إخفاءها بشعارات (الوطنية) و(استعادة الدولة).
إن الدور الذي كان يجب أن تقوم به أمانة مجلس التعاون قد تم تجييره لصالح الأمم المتحدة وأصبح لا يزيد عن التنسيق معها بدلاً عن المبادرة الذاتية، وقد يكون مفيداً في هذه اللحظة التي تبدو فيها ملامح الفشل لدور المبعوث الأممي أكثر وضوحاً، التواصل المباشر مع كافة الأطراف بدون حاجة إلى وسيط دولي فنحن نعلم من التجارب الحديثة والقديمة أن مجلس الأمن لم يتمكن من إنجاز أي مهمة بنجاح بل كان هدف أغلب مبعوثيه استمرارية عملهم، ومن الحيوي أن يستكشف مجلس التعاون فرص التفاهم مع القوى المحلية لإنجاز مُصالحات على مستوى المناطق لأن اللاعبين الحقيقيين داخلها أقدر على إنجازها بعيداً عن المؤثرات السياسية ولحاجتهم لتعزيز أدوارهم المستقبلية في محيطها.
إنني على يقين وقناعة أن مشاهد الدماء والدمار لا تؤثر للحظة واحدة في ضمير كل الساسة اليمنيين الذين يملؤون وسائل الإعلام في الداخل والخارج، ولا يشغل بالهم حال المواطنين، ولو حدث هذا لتوقفت الحرب وغاب هؤلاء عن المشهد.