|
اللقطة قاسية لكنها الحقيقة!! صورة مقسمة إلى نصفين تظهر شخصين كيف كانا عام 1978، في جانبها الأيمن مشهد متخيل للرئيس الفرنسي المنتخب في أحشاء أمه جنينا، و في جانبها الأيسر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يلوح بيديه و كان وقتها وزيرا للخارجية متألقا في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.
ما أرادت هذه الصورة أن تقوله هو أن مفارقة مؤلمة اليوم تجعل الأول رئيسا شابا لم يبلغ بعد الأربعين يتقد حيوية، و الثاني أقعده العمر و المرض و مع ذلك ما زال متشبثا بمنصبه رئيسا لبلاده. العمر ليس عيبا و لا المرض، تلك هي أقدار الله في خلقه.. لكن الخطأ أن نحول قدر فرد إلى قدر بلد كامل فننهكه معنا و نقعده.
هل بوتفليقة هو الوحيد في هذا العمر المتقدم، طبعا لا، و إن اختلفت الحالات في بلادنا العربية فها هو الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي و قد بلغ التسعين ما زال يظهر و يستقبل و يتحدث و يرأس اجتماعات إلى غير ذلك، لكن الأكيد أن للعمر أحكامه التي لا مفر منها ناهيك عن مفارقة أن يكون الرئيس في هذا العمر بعد «ثورة شباب»!! في المقابل، هناك من القادة العرب من لم يظهر إلى العلن منذ أشهر فقد حال السن أو مرضه، أو كلاهما، دون القيام بأعباء الرئاسة العادية ناهيك عن السفر لحضور قمم أو لقاء زعماء آخرين.
ذات مرة، نشرت صحيفة مصرية على صدر صفحتها الأولى صور شخصيات عديدة قالت إنهم مؤهلون لأن يصبحوا رؤساء لمصر بعد ثورتها التي أطاحت بحسني مبارك. كنت وقتها في القاهرة و كان الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل من بين من نشرت صورهم إلى جانب آخرين مثل عمرو موسى و آخرين. سألته ممازحا عن الموضوع و كنا في لقاء تلفزيوني على الهواء، فرد باسما : لا أحد من هؤلاء يصلح أبدا، لقد انتهت صلاحيتهم جميعا،… كلهم تجاوزوا السبعين!!
كم عدد القادة العرب الذين تجاوزوا هذا العمر الآن؟ حتى و إن كان لا يعني آليا أن صاحبه ليس مؤهلا حتما للقيادة، ها هو دونالد ترامب يصل الرئاسة في السبعين و أوباما يتركها و قد تجاوز الخمسين بقليل، لكل واحد زمانه كما يقال.
ماكرون سيتسلم مقاليد بلاده و هو في أوج العطاء و الحيوية تسنده مؤسسات راسخة و قانون مهاب ترسخا لعقود طويلة، و بتضافر العنصرين تنتعش دواليب الدولة. ضخ دماء جديدة من شأنه أن يجدد شباب الحياة السياسية برمتها. أما عندنا فالمشكل مزدوج، وهـَــن القائد يوهن الدولة كلها فما بالك عندما تكون هذه الدولة ليست أصلا بدولة مؤسسات عريقة، و لا ديمقراطية راسخة. عندها المصيبة مصيبتان!!
تقدم عمر القادة عندنا يفتح باب ويلات لا حدود لها، أولها باب التساؤلات الحائرة عن المستقبل وعن البديل، و إذا لم تكن الأمور محسومة فإنها ستكون مقدمة لصراع مرير لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن يصل مداه، بين أجنحة و مراكز قوى، داخل أروقة الحكم و خارجه. كما أن هذه الفترة الغائمة، كثيرا ما تخلق البيئة المناسبة للشائعات المحبطة للسير العادي للدوائر الرسمية و حتى الخاصة، كما أنها تمهد السبيل للقوى الكبرى لحشر أنفها في ترتيب المرحلة المقبلة فحجم المصالح الاقتصادية و التحديات الأمنية لن تتيح لهذه القوى ترف الانتظار و خطر المجازفة.
وهن القادة مقدمة كذلك في بلادنا ليس فقط لصراع على السلطة و إنما لفتح شهية كثير من الفاسدين المقربين من مركز القرار لمزيد من النهب و استغلال النفوذ فهم يعتقدون أنهم في سباق مع الزمن و ما يستطيعون الاستيلاء عليه قد يتعذر غدا فيزدادون شراسة. لا نذكر أحدا من قادتنا انسحب طوعا بسبب العمر أو المرض، لم يأت أبدا منهم من يقول لشعبه «اعذروني لم يعد من الصحة أو الهمة ما يجعلني أستمر في هذا الموقع». تعودنا على بقائهم من القصور إلى القبور!!
ما تعانيه الجزائر الآن مع مرض الرئيس، تعانيه دول أخرى، و عانته من قبل السعودية مثلا مع طول مرض الملك الراحل فهد مع أن الوضع في المملكات قد يكون أخف لكونه وراثيا مع حرص العائلات الحاكمة على التماسك و الوحدة في اللحظات الحاسمة رغم وجود مرارات أو حتى ضغائن. صحيح أن الأنظمة الجمهورية لديها دساتير تحدد آليات انتقال السلطة في حال حدوث شغور في منصب الرئاسة و لكن لا أحد يضمن مسبقا السير السليم لمثل هذا السيناريو، من قال مثلا أن زين العابدين بن علي كان بامكانه إزاحة الحبيب بورقيبة عام 1987 بمجرد شهادة طبية؟!
شباب القيادة السياسية لأي بلد يجدد خلايا البلد بكامله، و يعطي للحياة السياسية نكهة مختلفة و يفتح أمامها آفاقا أرحب في تطلعها إلى مستقبل أكثر إشراقا، أما عجز القيادة فعجز للبلد بأكمله و أخذه رهينة. للعمر أحكامه التي لا يعاندها إلا متنطع جاهل.. اللهم حسن الختام.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
في الإثنين 15 مايو 2017 05:58:25 م