إليكم يا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظكم الله، أكتب الرسالة الأولى بكل ما في مهجتي من حيرة، بدمعتي الخرساء، بصمتي الرهيب الذي يكاد يمزق السكون. أكتب إليكم عبر الصحافة لتعذر الوصول إلى مقامكم الرفيع. أكتب إلى مقامكم لأنكم يا سيدي الزعيم العربي العاقل المجرب، صاحب الرؤية العميقة، في تاريخنا العربي المعاصر، لم يبق لأمتنا العربية من زعمائها سواك، إننا نعقد الأمل بالنصر على من عادى ويعادي أمتنا العربية والإسلامية بعد الله عليك يا خادم الحرمين الشريفين، وأنتم أهل الحزم والعزم، وحولك فتية أشداء، أهل عزم وهمة، هم أحفاد أسد الجزيرة العربية ومؤسس وحدتها، والدكم الملك عبد العزيز غفر الله له ولكم ولنا، وأسكنه فسيح جناته.
(2 )
الأعداء يا خادم الحرمين الشريفين يتربصون بأمتنا، بشرا وعقيدة وموارد وسيادة، ولا يخيفهم سواك في هذا الجزء من العالم الذي حباه الله بثروات عظيمة يطمع فيها الطامعون، الأرض التي اختارها العزيز الجبار لتكون مهد الرسالات السماوية الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، وجعلها قبلة للناس أجمعين. نعم تخيفهم يا ابن بيت الزعامة والقيادة الحكيمة بكلمة تقولها أو إجراء تتخذه لأنك إِمام أكثر من مليار من المسلمين سيكونون طوعا لكلمتكم وجندا لتنفيذ أوامركم وتوجيهاتكم.
أطلب من مساعديك يا سيدي ليضعوا خارطة العالم العربي أمامك، وخاصة خارطة الجزيرة العربية وانظر إلى من يحيط بنا، الصفويون يتمددون ويزحفون زحف الثعابين السامة ليلتفوا على جزيرة العرب بدأوا من العراق، فسورية ولبنان والأردن في متناول اليد، إن أغمضنا أعيننا لسبب أو آخر عن الأردن، ليصلوا إلى صنعاء على تخوم الحرمين الشريفين، صواريخهم طالت الأرض الحرام فماذا ننتظر؟ لا أريد أن يشمت الشامتون بقوتنا العسكرية، وإننا دولة جسد بلا سواعد ولا أسنان.
هل توافقني يا خادم الحرمين الشريفين بأننا أصحاب الفرص الضائعة؟ وإليكم الدليل: ضاع العراق من أيدينا بعد أن كنا أصحاب اليد العليا فيه، وفازت به إيران دون عناء، لأننا تباطأنا في حزم أمرنا وانتشال العراق من ربقة الطائفية ودعاة التجزئة والتفكيك. ومن بعد العراق، ضاعت سورية الحبيبة منا، وفازت بها إيران بمعونة روسية حاسمة، ولبنان كسيح بعد أن كنا أصحاب كلمة في شانه، وأخشى أن يضيع من أيدينا الأردن الشقيق، فمحافظة درعا السورية المشتعلة اليوم بنيران الحشود الطائفية البشعة، شقيقة محافظة اليرموك الأردنية ولا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار واخشي أن يمتد إليها لهيب نيران الجحافل الطائفية فتلتهم الأردن ونحن على الأرائك متكئون.
(3)
كل هذا الضياع يا سيدي والخسائر السياسية والجغرافية والعسكرية التي منينا بها حدثت وانتم شخصيا لم تكونوا على هرم السلطة السياسية في المملكة العربية السعودية ويتحمل مسؤولية ذلك السابقون ومعهم قيادات عربية أخرى وخاصة مصر. صفحتكم في تاريخنا بيضاء، فأنتم صاحب معارك الحزم والعزم والأمل من أول شهر تسلمتم فيه القيادة العليا للدولة السعودية، وإن الأمة كلها ترنوا إليكم بصفتكم الزعيم راعي العزم وقائده والمنقذ لها من التجزئة والتفكك والحروب الطائفية والقبلية. إن الكاتب على ثقة بان قيادتكم لن تخيب آمال الأمة وتطلعاتها في تحقيق النصر في اليمن أولا وتحقيق الأمن والرفاه والسعادة واستقلال القرار في كل أرجاء جزيرة العرب من الماء شرقا إلى الماء غربا، ومن الماء جنوبا وإلى جبال طوروس شمالا. يعينك في ذلك بعد الله سمو الأمير محمد بن نايف ولي عهدكم الميمون وسمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهدكم وزير الدفاع وثلة من الرجال الأوفياء من حولهم وكلنا جنودكم ورجالكم كل بقدر طاقته، صاحب القلم عليه دور يجب أن يؤديه وخاصة في التصدي لحرب الشائعات المغرضة، والمتفقّه في الدين عليه أن ينير الأمة بأن ديننا ليس دين الإرهاب والضغائن والأحقاد إنه دين التسامح وهكذا بقية الأمة كل في حقل اختصاصه.
(4)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أطرح أمامكم بكل وضوح، موضوع اليمن وما يجري على أرضه من شقاق بعد مرور عامين على إعلان عاصفة الحزم أخشى أن يتحول إلى ضغائن وأحقاد ضد دول الجوار، ليس سرا على أحد أن بين دول التحالف العربي العاملة في اليمن خلافات في وجهات النظر ولن أدخل في تفاصيل ذلك الخلاف علانية كي لا أزيد الطين بلة ويسوء فهم هدف خطابي هذا لمقامكم السامي، لكن أنبه إلى أن الأمور في جنوب اليمن وفي العاصمة الثانية عدن وما حولها تسير في غير الاتجاه الصحيح، وتنذر بانفجار مسلح يودي بكل انتصار تم في جنوب اليمن.
في عدن يا سيدي قوى متنازعة البعض منهم توجهاته انفصالية، والبعض ثأرية وآخرون لمن يدفع الثمن الأعلى ولا أشك بأن هناك قوى تعمل من أجل الدولة اليمنية الموحدة والكل لا يخفي ميوله واتجاهاته. هناك قوى تدفع بتأزيم الموقف الأمني والعسكري والسياسي في عدن لإشغال قيادة التحالف العربي عن مهامها الأساسية، وما حدث في مطار عدن في اليومين الماضيين من اشتباكات مسلحة ورفض تنفيذ تعليمات وتوجيهات رئيس الجمهورية أمر محزن ومخيف. والرأي عندي لماذا لا تشكل قيادة التحالف العربي في اليمن قوة أمنية مشتركة تدير المطار وما حوله وجميع الموانئ البحرية، تتكون هذه القوة من الحكومة اليمنية وقوة سعودية وأخرى إماراتية وتكون تحت إمرة قيادة التحالف إلى أن تحل الخلافات بين جميع الأطراف.
لماذا لا يكون هناك مصارحة بين قوى التحالف والقيادة اليمنية حول القوى الفاعلة على الساحة اليمنية، أذكر منها السلفيين والتجمع اليمني للإصلاح، ولا شك بأن هناك عدم ثقة عند البعض في الفئة الأخيرة، وأعتقد أن ذلك ظلم لا يحتمل.
قوى التحالف العربي في حرب ضروس ضد القوى التي اختطفت الدولة اليمنية، وعلى ذلك لا بد من تجميد كل الاجتهادات، ولا أقول الاختلافات، وتوحيد كل القوى اليمنية لتحقيق هدف استرداد السلطة الشرعية، ومن بعد الأمر لليمنيين وحدهم في شأن تشكيل دولتهم انفصالا أو اتحادا، وعلى دول الخليج احتضان النظام الجديد، وتحصينه من التصدع والتدخلات الخارجية، واليمن القوي الموحد دعامة لدول الجوار، وليس ضعفه وتخلفه.
آخر القول: الإنسان اليمني يعتبر نفسه رأسا رغم حاجته للعون، ولا يقبل أن يكون تابعا، لكنه يقبل التعاون مع جواره الجغرافي على قدم المساواة. وختاما يا سيدي الملك سلمان، أتمنى لكم طول العمر لتشهد انتصاراتكم، والله يحفظكم.