انتهت المحاولة الانقلابية في تركيا بالفشل، على تعدد أسباب هذا الفشل، والتي يمكن تلخيصها في الطبيعة المستهجنة للانقلاب، عند الغالبية الساحقة للأتراك خصوصاً أن هذا الانقلاب لم يكن يستهدف سوى تركيا وإنجازاتها الاقتصادية والديمقراطية بالرغم من محاولة توجيهه نحو شخص الرئيس أردوغان بصورة أساسية وحزب العدالة والتنمية.
لكن ما الذي يمكن استخلاصه من معركة الاستقلال الثانية التي خاضها الشعب التركي في تلك الليلة الظلماء التي كان الانقلابيون يحاولون الإجهاز على حلمهم في الحياة بكرامة؟
في الواقع هناك العديد من الاستنتاجات المهمة التي يمكن أن نخرج بها من هذا الانقلاب الفاشل، أهمها أن الشعب دافع عن صوته وعن السلطة التي أنتجها، ووضع حداً نهائياً للوسيلة الأقرب التي يعاقب بها الغرب الشعوب والأنظمة الخارجة عن إراداته أو تلك التي تخدم مصالح بلدانها بقدر كبير من الحماس لا تتحمله أنانية الغرب وعنجهيته.
معظم الأنظمة العربية كانت تتمنى نجاح الانقلابيين وفي إسقاط النظام الديمقراطي القائم في تركيا.. لا يتعلق الأمر بالموقف السلبي لهذه الأنظمة من الديمقراطية بل من العبء الثقيل الذي يمثله النموذج الناجح في تركيا على بقية الأنظمة، وهو النموذج الذي شكل مصدر إلهام لثوار الربيع العربي، الذين وصموا عمداً بأنهم إسلاميون.
وفي بلدان الربيع العربي كانت الثورات المضادة قد طوت الربيع العربي ومشاريعه السياسية وتجاربه الديمقراطية والأنظمة التي أنتجها هذا الربيع وأمعنت في تعميق الكراهية تجاه الربيع العربي، وتسفيه الإرادة الشعبية، ورفع كلفة التغيير على المستوى الشعبي حتى أن البعض بدأ يتساءل لماذا حدث الربيع العربي وهل كان ضرورياً..
ولهذا جاءت ثورة الأتراك في وجه الانقلاب وهزيمته لتعيد الاعتبار للشعب وللإرادة الشعبية، وأسست نموذجاً مشرقاً أحرج كل الذين خططوا في الغرف المغلقة لإسقاط الربيع العربي، وأحرجت أكثر الانقلابيين في مصر وليبيا واليمن، وأظهرت مجرمين أتيحت لهم الإمكانيات لإسقاط التغيير وتبعاته، رغم أن الشعوب العربية لم تفتقد إلى الشجاعة.
كانت الولايات المتحدة قد أظهرت ميلاً لدعم خيار حزب العدالة والتنمية ومشروعه السياسي في بدايته، في سياق رغبتها لتكريس نموذج إسلامي معتدل في المنطقة، يمكن أن يشكل بديلاً لما تصفه واشنطن بتيار الإسلام السياسي ذي النزعة المتطرفة.
حزب العدالة والتنمية لم يكن فقط نموذج للاعتدال فقد تجاوز التصور الأمريكي إلى تبني سياسات جريئة في نزعتها الليبرالية، والأمر يعود إلى أن تركيا نفسها والتراكم السياسي والثقافي وتجارب أكثر من ثلاثة أرباع القرن من التحولات الدراماتيكية، وفساد الأنظمة القمعية وتراكم إخفاقاتها وتدني منسوب الحرية وارتفاع معدلات القمع، هي التي ألهمت حزب العدالة والتنمية التركي ليجترح هذا الأداء المتميز الذي اتجه نحو بناء نموذج تركي في الحكم وتحقيق أداء اقتصادي فاق التوقعات، ودفع بالغرب إلى التفكير ملياً في لجم طموح تركيا أردوغان.
الشعب والدولة في تركيا أحزاباً ومؤسسات وإعلاماً، كانت تتجه في غالبيتها إلى رفض الانقلاب، ولهذا فشل الانقلاب، وظهر معزولاً رغم اقترابه الكبير من النجاح.