تحدثت مرة إلى الصحفي عبدالإله حيدر شائع الذي سُجِنَ لثلاث سنوات بتهمة العمل مستشاراً إعلامياً لتنظيم القاعدة في اليمن، وسألته عن لقاءته بقيادة «القاعدة» وإجراء حوارات معهم، بدءاً من المطلوب الأكبر القيادي أنور العولقي الأميركي من أصل يمني إلى الوحيشي والريمي والشهري.. إجابات شائع المفزعة لا تزال ترن بأذني؛ إذ سألته: كيف التقيتهم، وكيف جازفت بحياتك بين بطون الأودية ومغارات الجبال؟ غير أن لإجاباته وقعٌ خاص.. قال عند الرابعة عصراً أخذوني بسيارتهم من جولة الرويشان (تبعد عن بيت صالح 100 متر فقط) عصبوا عيني وأخذوا الكاميرا والمسجل والتلفون وجلسوا عن يميني ويساري في السيارة، وبعد 6 ساعات أجلسوني فوق حصيرة بين جبلين وحين فتحت عيني كان أمامي القيادي قاسم الريمي.. سألته: من التفاتتك للجبال وشعورك بتغير المناخ هل تعتقد أنك كنت في مكان بعيد جداً.. أدهشتني إجابته؛ قال شكل الجبل والمناخ يؤكد أننا كنا في الجهة الخلفية لجبل النهدين الواقع ضمن قصر الرئاسة بصنعاء.
ذلك العنصر الخطر المسمى «قاسم الريمي» تم مبايعته الأسبوع الماضي أميراً لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خلفاً لناصر الوحيشي الرجل المتشدد في رفض مبايعة البغدادي رجل داعش الأول، لأن في ذمته بيعة لأيمن الظواهري زعيم «القاعدة». «الريمي» وهو ذراع صالح المؤتمنة داخل التنظيم الإرهابي كان قد فر من سجن المخابرات اليمنية «الأمن السياسي» برفقة 22 عنصراً خطراً من القاعدة في فبراير 2006 بعد ان حفروا نفقاً بطول 47 متراً بين زنزانة سجنهم والجامع المجاور، استخدموا فيها الملاعق وصحون الأكل.. هكذا اقنعنا نظام صالح دون أن يقول للناس على الأقل أين ذهبت كمية التراب المستخرجة.
وبحسب وثائق ويكليكس فإن السفير الأميركي وأحد ضباط السي أي ايه وجه توبيخاً لصالح الذي حاول الصاق التهمة برئيس جهاز الأمن السياسي حينها غالب القمش، مقابل تعزيز حضور ابن شقيقه عمار صالح وكيل جهاز المخابرات الناشئ «الأمن القومي» لكن الأميركان -بحسب ويكليكس- اتهموا عمار بالغباء وقلة الخبرة وعدم القدرة على التعامل مع جهاز أكبر من حجمه.
وفي عدن فر 16 عنصرا جهاديا في ديسمبر 2011، وفر 62 عنصرا من تنظيم القاعدة من سجن «المنورة» بحضرموت شرقي اليمن في يونيو2011، بعد أن حفروا نفقا بطول سبعة أمتار يصل بين إحدى الغرف والحمامات.. ومن بين الفارين خالد باطرفي الذي ظهر متربعاً على الكرسي الرئاسي في القصر الجمهوري بالمكلا في مطلع ابريل 2015 .. كلها حكايات منسوجة على منوال كذبة واحدة.
اليوم جاءت الحاجة لـ «لريمي» وجاء صعوده ومقتل رفيقه اللدود «الوحيشي« أثناء مشاورات جنيف، وتصاعد وتيرة التفجيرات في العاصمة والتهاب الشارع اليمني ضد الطائفية المزروعة عنوة في جسده.. كل ذلك من أجل استثارة المخاوف ومخاطبة العواطف.
في جنيف هناك مشهد سريالي آخر، بخصوصية يمنية، فقد تعنت طرفا التشاور اليمنيان وظلا عالقين، ومن الواضح أنهما سيرهقان الأمم المتحدة، والتي تجد نفسها منحازة للخيار الأميركي الداعم لبقاء الحوثيين قوة سياسية وعسكرية وتحضيرها لحكم اليمن بأي ثمن.
منتصف الأسبوع الماضي ظهر قاسم الريمي الأمير الجديد لقاعدة جزيرة العرب يقول أنهم يقاتلون الجماعة الحوثية الشيعية في 11 محافظة، وبعده بيومين خرج الزعيم الميليشياوي عبدالملك الحوثي يقول نحن نقاتل القاعدة في 11 محافظة !!.. فهل من كتب خطاب الرجلين واحد ؟! وبعدهما معاً انطلقت سلسلة تفجيرات في مساجد صنعاء تبناها تنظيم داعش الذي يظهر في اليمن لأول مرة، وهو بالتأكيد يتبع نفس الكود الصناعي للحوثي والقاعدة، فلا «داعش» في اليمن، التنظيم الدولي العابر للقارات هو «القاعدة» أما «داعش» فهو محصور في العراق وبلاد الشام التي اشتق منها أسمها، حتى وإن ظهرت نتوءات له في ليبيا، وتلك التفجيرات التي أراقت دماء اليمنيين الأبرياء بصنعاء كان الهدف منها إثارة مخاوف صناع القرار الأوروبي والأميركي من أجل الضغط على وفد الشرعية للقبول بالحوثي بصيغته الحالية، فهو أفضل مقاول متوفر في الساحة وبقاءه سيحسم المعركة مع الإرهاب.
أقول ذلك ولا استبعد 1% أن تكون يد إيران حاضرة وممولة في سلسلة التفجيرات والاغتيالات التي تشهدها البلاد، فهي صاحبة الخبرة الكبيرة، وصاحبة المصلحة في جر اليمن إلى الخيار العراقي، وأبسط ما يمكن قوله هو تحميل حلفائها الحوثيين كامل المسؤولية، فهم من عطلوا مؤسسات الدولة المدنية والأمنية واحلوا أنفسهم مكانها. هذا المخرج والممول لم ينتبه لنقطة ذات اهمية كبيرة وهي أن القاعدة ومشتقاتها تضاعفت في اليمن عشرات المرات بل واستقطبت إليها عدد من الشبان المتدينين بسبب جرائم الحوثي وأفعاله، ولو زال السبب لزالت النتيجة.. فالمتعاطفون مع القاعدة ليسوا أكثر من كارهين وناقمين على الحوثي وأفعاله.
في مقابلة مع صحيفة الوسط اليمنية في 2007 قال خالد عبدرب النبي زعيم الجهاديين في أبين لقد التقيت الرئيس صالح في القصر وبايعناه أميراً لنا، باعتباره ولي الأمر».. وقرأت شهادات واستمعت لبعضها بنفسي في المحكمة الجزائية المتخصصة حين كنت أحضر بصفتي الصحفية جلسات محاكمة الإرهابيين ووجدت كثيرا منهم يتحدث عن وظيفته في المخابرات «الأمن السياسي» وحصوله على رتبة وراتب من الدولة. وصالح يبرر للأميركان ذلك بالقول: هم عين لي على التنظيم الإرهابي».
والحقيقة أن صالح تعامل معهم كمشروع تجاري أفزع به أميركا ودول الخليج من أجل الاسترزاق بهم، وتخويفهم من حجم الإرهاب في اليمن، وأنه لولا نظامه لصعد الحوثيون والقاعدة وحكموا البلاد، وقد قالها صراحة في مارس 2011: «نقول للجميع البديل عن النظام هو الحوثي والقاعدة والإرهاب».. وقد صدق وعده.. أما وثائق ويكليكس فقد مضت باتجاه مشروع صالح التجاري، وقالت أنه طلب من الأميركان 11 مليون دولار مقابل الموافقة على تسلم عدد قليل من اليمنيين المتواجدين في غوانتانامو البالغ عددهم 114 شخصاً، بحجة أنه يريد بناء إصلاحية لتأهيلهم.
لا يمكن لأحد المجازفة بتبرئة صالح من كل جرائم اليمن بدءاً باقتحام المدن وقصف المستشفيات وانتهاء بدعم القاعدة ورعايتها والوقوف وراء كل عملية قتل ودمار.. فحلفاؤه الحوثيون يدركون تماماً أنه وراء مقتل الصحفي والقيادي الحوثي عبدالكريم الخيواني وهو من اتبع الاغتيال بتفجير مسجدي بدر والحشوش، ورشا الحوثيين بعد ساعات بفتح أبواب معسكرات الحرس الجمهوري والتوجه نحو تعز والجنوب، حتى يميع القضية الصغرى بجريمة كبرى.. ولاحقاً يتشارك مع حلفائه وفد التشاور في جنيف