|
مأرب برس - خاص
كمواطنين يمنيين .. لن تكفينا الدموع حزناً على أنفسنا حتى ولو خرجنا جميعاً إلى الميادين الرسمية في المحافظات كالسبعين والتحرير وخور المكلا وساحة الحرية وقاعة المؤتمرات وكل الأماكن الفسيحة للتعبير عن واقع حالنا وما صرنا إليه.
وضع معيشي يتردى كل يوم.. وريال – ولو انتهى التعامل به- لا ينفع ولايفيد ، وغلاء أسعار يلهب حياتنا ويسرق راحتنا ولا أمل بإيقافه ، وقضايا قتل وثأر وإعتداء وانتهاك وتعصب وسلب ونهب .. قبيلة تتمدد ودولة تتقلص، وشيخ يتنمر .. سوط القانون ذاب واختفى بينما ارتفعت بندقية القبيلي حتى أصبحنا مضرب المثل ومحط سخرية بعضنا البعض ويذم كل منا الآخر " يا راجل شعب يمني" وإذا الثاني يشتي يدلعنا أكثر يضيف" لا يمشي
إلا بالصميل" ، وربما صدق هذا القول فسائق الباص وصاحب البقالة والمؤجر والمستأجر وغيرهم كلهم لديهم صُمل احتياط لوقت الضرورة.
هكذا هو حالنا ، أينما التفت لا تجد شيئاً يسرك ومجرد التفكير بالحاضر تصاب بالملل واليأس ونظرة بسيطة إلى المستقبل ترتد عليك لتجعل منك شخصاً منهاراً خائر العقل والقوى.. حتى مصائبنا لا تأتي فرادى .. مظاهرة في الجنوب.. اعتصام في الشمال ..إعتداء في الوسط.. قتل في الأطراف .. ونحن مازلنا نكابر ونردد " الإيمان يمان والحكمة يمانية" وكم هو مسكين الذي صمم وشيد تمثال هذا الحديث أمام جامعة صنعاء الجديدة كم سيتحمل من سب وشتم ، حتى جامعة صنعاء نفسها لم تستفد من تلك الكلمات فاستبدلت الحكمة بالعسكر المسطولين الممتلئين بالكراهية والعدوانية ... ويبدو أن عسكر الجامعة فهموا أن الحكمة هي استخدام البنادق ورفع الصميل لأن النصب التذكاري لذلك الحديث يقارب إلى حد ما شكل الصميل وهيئته.
وبكل تأكيد نحن شعب يختلف عن بقية شعوب الدنيا .. فلا تعليمنا نافع .. ولا الصحة قادرة على معالجة مرضانا أو استيعابهم .. طرقنا ضيقة محفرة .. وشوارعنا إبتلاها الله بمناشير الأشغال كلما فرغت من شارع دخلت الثاني .. تثور شعوب العالم لإرتفاع طفيف في سعر الرغيف بينما ترتفع أسعار كل المواد والسلع ونجرع تجريعاً دائماً سواء بالسر أو العلن ولا احد يقول لماذا او يستنكر ذلك .. اما مسؤولونا فلا يخجلون من أنفسهم عندما يسافروا إلى دول أخرى ويرون بأعينهم مدى الفرق بين مدننا وما وصل إليه الآخرون.. حتى التزامنا بالذوق العام منعدم .. هذا يرمي بـ(تخزينته) إلى الشارع واخر يضع القمامة أينما طاب له المكان وثالث لا يستحي أن يبول في أي مكان ولو كان وسط ميدان التحرير أو بين الباصات في باب اليمن.
كل شيء غير مطمئن حتى النفط مهدد بالنضوب مع انتهاء آخر فترة حكم للقائد الرمز مثلما صنعاء مهددة بالعطش .. فتكت بنا الوساطة .. وقصمت ظهورنا المحسوبية.. واصبحنا نصحو على آمال ذابلة .. ونبيت على فجائع مؤلمة ..حتى الموت لا يبالي بأي طريقة يأخذ أرواحنا .. في طريق منحدر .. أو داخل بالوعة كريهة .. أو برصاصة طائشة ..او في وسط اعتصام مزدحم .. أو حتى داخل مقر البحث الجنائي خصوصاً في إب.
والمصيبة أننا لا ندري من المسئول عن تردي أوضاعنا وسوئها .. من السبب في سرقة الإشراقة نفوسنا؟ والفرحة من وجوه أطفالنا؟ والأمن من حياتنا؟ والتفاؤل من آمالنا؟ والأمان من مستقبلنا؟.
أتذكر قصة حقيقية حصلت لأحد السائقين في إحدى القرى المجاورة لنا مطلع التسعينات من القرن الماضي.. كان هذا السائق يمتلك سيارة نوع صالون متميزة بموديلها الحديث وشكلها الجذاب وزاد إلى ذلك مهارة صاحبنا السائق بالقيادة والتي كان يتميز بها بين أقرانه السائقين.
وفي إحدى المرات تعرف السائق على مجنون تخلى عنه أهله.. وكان عادة ما يصطحبه معه في سيارته بحجة أن " المجنون يضحكه ويبعد عنه الضجر خصوصاً بعد القات" وكان يرفض نصيحة أي شخص ينصحه بعدم اصطحاب المجنون في سيارته.
وذات يوم ترك صاحبنا السائق ولده والمجنون في السيارة بعد أن ركنها بجانب الطريق ونزل لشراء حاجاته من إحدى البقالات .. فقام المجنون إلى مقدمة السيارة وأفرغ فراملها فهوت به السيارة مع إبن السائق إلى أسفل الجبل وتحطمت وانتهت وتحول المجنون والإبن إلى أشلاء غير قابلة للتجميع ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل جاء أقارب المجنون وطالبوا السائق بدفع دية قريبهم لأنه كان السبب في وفاته ، عندها ادرك صاحبنا فداحة خطأه.
وهذا هو وضعنا لا نصحو دائماً إلا متأخرين..
في الأربعاء 16 يناير-كانون الثاني 2008 04:33:05 م