الرقص على رؤوس الثعابين خير وأبقى من الرقص في الظلام
بقلم/ عبد الله زيد صلاح
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر
السبت 02 مارس - آذار 2013 05:03 م

ربما يضطر أبناء الشعب اليمني في ظل تعاقب الأحداث وضبابيتها أن يستلهم ما قاله الشاكي من هجاء الشاعر العباسي بشار بن برد، حين شكا سلاطة لسانه إلى أبيه برد، فأجابه بُرد بقوله تعالى: "ليس على الأعمى حرج"، فقال الرجل: "والله لهجاء بشار أهون علي من فقه برد".. ونحن من خلال قراءة الواقع الذي نعيشه الآن وما يوحي به من علامات تشير إلى أن مرحلة النظام السابق رغم استفحال الفساد وكثرة الأخطاء أهون علينا من حالة الفوضى السائدة اليوم في كل أرجاء الوطن، ورؤية المستقبل المجهول الناتج عن تخبط وعشوائية حكومة الوفاق وزيف فتاوى الشيوخ المستدرة من ألبان هذه الحكومة وشحومها ولحومها.
ولا يعني ذلك أننا نحمل شارات الدفاع عن النظام السابق أو نبرر خطاياه، وإنما نعني أن كثيراً من أبناء الشعب اليمني بدأ يحن مبكراً إلى الهدوء النسبي وحركة البناء، وإن كانت محدودة في ظل تراكم المآسي والأزمات التي يراها رأي العين والسير في المجهول والظلام.. ثمة مزايا اتسم بها النظام السابق لعل من الخطأ الجحود بها أو تفريغها من محتواها بشكل قطعي، من ذلك مزية التسامح والمرونة في التعاطي مع الأحداث المحلية والعالمية، والقدرة على تسخيرها لما يخدم النظام والوطن، وتوافر الحرية بنسبة مرتفعة في مجال الصحافة والخطاب الديني والسياسي، فعلى حد علمي أن النظام السابق لم يفرض وصايته على علماء الدين وخطباء المساجد وحركة الفكر بشكل عام.. لقد كان ثمة تسامح تشعر به الأغلبية، بل إن الحزب الحاكم كان في استرخاء تام لا يشغل نفسه في التحريض والتعبئة ضد الآخر إلا في أيام معلومات.
لن نكثر من المقارنة بين إيجابيات محدودة كانت ولعنات كثيرة حلت.. لكن ما نراه اليوم هو خنوع النظام الجديد وارتهانه لأفراد وأحزاب وجماعات محلية تداخلت مصالحها مع أطراف إقليمية ودولية، فكان الانقضاض على السلم والأمن الاجتماعي وتمرير المشاريع المرتبطة بأهداف واستراتيجيات لا تخدم المصلحة العليا للوطن بقدر خدمتها لهذه الأطراف الزائفة والخادعة، ومن ترتبط به في الخارج.
اليوم نشكو من فساد وعبث مالي وإداري أكبر من ذي قبل، ونعاني من غياب الأمن وتشظي الوطن وفقدان الهوية والسير حسب الكيف والمزاج الخارجي، وهي أمور أسوأ وأنكى توحي بالتردي نحو الهاوية، نحو الانتحار الجماعي.. اليوم الجميع يوجه سهامه نحو الآخر، ويسخر كل إمكاناته لتشويه الآخر.. الجميع يعد العدة ليوم لا ريب فيه.. وكأننا على موعد مع غزوة فاصلة لتحرير القدس الشريف، اليمن اليوم كقيمة وهوية لا حضور لها في وسائل الإعلام إلا من باب المزايدة واتخاذها شعاراً لتحقيق المزيد من المكاسب المادية والسياسية كما فعلوا قديما ويفعلون اليوم مع قميص عثمان ومظلومية الحسين.. اليوم لم نعد نسمع سوى صوت أنت إخواني.. حوثي.. حراكي.. عفاشي.. محسني، والاستمرار في التعاطي مع هذه الأصوات خطيئة كبرى ستقود البلد إلى ظلمة تشبه ظلمة يائيل في رواية الغربي عمران، وهي ظلمة مطلقة تخيم على المكان والزمان والإنسان.. هذه الصورة السائدة اليوم، وقياساً بالأمس هي أدهى وأمر.. كان يحق لكل جماعة دينية أن تتعبد بمذهبها وأن تنشر فقهها كيفما تشاء، وما حدث في صعدة هو استثناء سياسي لا عقدي، بدليل أن الحوثيين اليوم ينشرون فكرهم في مختلف المحافظات دون تضييق أو تتبع من لدن النظام، أما اليوم فكل طائفة تكفّر أختها.. بالأمس استطاع الحاكم أن يرضي غرور القبيلة ورموزها في كثير من الخارطة الجغرافية، فكانت عوناً له، حتى وإن امتدت إلى المدينة وجعلت منها الوجه للآخر للقبيلة في أعرافها وعاداتها الإيجابية والسلبية، أما اليوم فقد بدت سوأة القبيلة فكانت سوداء مظلمة.
الرعب الحقيقي يتأتى اليوم من الاستماتة في صبغ الخلاف السياسي بالعقيدة والفكر والدين، والحديث باسم الله، فإذا نحن نقف أمام جماعات تدعي الحق والصواب وتخول لنفسها حماية الدين ليس بالمنطق والحجة البينة ولكن بالسيف، وقديماً قيل "سبق السيف العذل".
الرعب الحقيقي يتأتى اليوم من ضخامة الارتهان للخارج وفقدان الهوية وموت السيادة الوطنية وشيوع ثقافة التدمير ليس إلا.. اليوم نشعر بالانتكاس والارتداد إلى الوراء أكثر في التعليم والصحة والغذاء.. وكذلك ثمة تزوير وتدجين للذاكرة الجمعية وتمزيق نسيجها الثقافي الاجتماعي والديني والجغرافي.
اليوم يصح لنا أن نقول إننا على مرمى حجر من الشرب من نهر الجنون وعندئذ لا ينفعك أن تأخذ برأس أخيك لأنه سيكون بلا رأس، ولا يجديك رفع الصوت لأن أحداً لن يسمعك تحت دوي الصواريخ والبنادق وبكاء الأرامل والأيتام وأنين الجرحى والجوعى.. وحينئذ فقط سيجهر الجميع "لرقص صالح على رؤوس الثعابين خير وأبقى وأمتع من رقص هؤلاء في الظلام" وسيصمت من نسمعه اليوم يقول: "يس" للراقصين في الظلام.