الثوابت الوطنية .. بين الصحفيين والسلفيين !!
بقلم/ عبدالرحمن أنيس
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 12 يوليو-تموز 2010 08:01 م

بالصدفة وقع بين يدي كتاب خطير بعنوان ( تحذير الدارس من مخالفات المدارس ) ، وعرفت بعد قراءته أن الكتاب يباع في مكتبات العاصمة والمدن والقرى ويوزع في المدارس والمراكز السلفية والمساجد ، كما أن مؤلفه هو أحد دعاة السلفية في اليمن واسمه أبو إمامة عبدالله الجحدري ، فيما قدم لهذا الكتاب شيخ الدعوة السلفية ومدير معهد الحديث في صعدة يحيى بن علي الحجوري ، وما ان انهمكت في قراءته حتى أدركت أن هناك أناساً لا يزالون يعيشون في أدغال القرون الوسطى ويريدوننا أن نقيم معهم إقامة دائمة في الماضي ، لم يكن هذا اكتشافي الوحيد، فثمة أمور أخرى خطيرة في الموضوع فالكتاب يسخر من الوطنية ويعتبرها كفراً ويعتبر العلم الوطني مجرد خرقة لا تستحق التعظيم ويسفه النشيد الوطني والوحدة اليمنية ، والأدهى من كل ذلك أن هذا الكتاب مرخص له في دار الكتب وبرقم إيداع ( 809) لعام 2009م .. وزادت حيرتي أكثر حينما أبلغني من أعطاني هذا الكتاب أنه اشتراه من أحد معارض الكتاب التي تنظمها الهيئة العامة للكتاب سنوياً .

كنت قد أدركت من خلال زيارتي لمعارض الكتاب التي تقام سنوياً أن هناك تغييراً جذرياً في دور هذه المعارض منذ أن تسلمت مهامها الهيئة العامة للكتاب قبل سنين قليلة، ومن يومها غابت الكتب العلمية والأدبية عن هذه المعارض وحضرت بدلاً عنها الكتب السلفية وكتب الشعوذة والخل والعسل ، لكن أن يصل الأمر إلى حد أن يصرح لهذا الكتاب السلفي الخطير الذي بين يدي بالنشر وبرقم إيداع حكومي وبإشراف رسمي فهنا تكمن الكارثة وهنا ينبغي محاسبة كل من له علاقة بالسماح لهذا الكتاب بالنشر وفي مقدمتهم معالي وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة للكتاب .

في الآونة الأخيرة تم جرجرة العشرات من زملاء المهنة الصحافيين والكتاب من مختلف محافظات الجمهورية إلى العاصمة صنعاء للمثول أمام محكمة الصحافة وتعرض الكثير منهم للمحاكمة والتوقيف بتهمة التعدي على الثوابت الوطنية في قضايا نشر ، ولكن من سيحاكم السلفيين الذين يتعدون على هذه الثوابت في كتبهم ومنشوراتهم ومطبوعاتهم وينكرون الثوابت الوطنية وينشرون سمومهم علناً في المجتمع بكل حرية ، وفوق هذا وذاك يتمتعون بحماية رسمية، وتباع كتبهم في معارض تنظمها الدولة ممثلة بالهيئة العامة للكتاب ووزارة الثقافة؟!! .

لقد تم إغلاق صحف ، وتم منع كتاب من الكتابة ، وتم جرجرة عدد من الكتاب وزملاء المهنة إلى المحاكم بتهمة الإساءة للوطن والتحريض على كراهيته ، أما هؤلاء السلفيون فإنهم يتجاوزون كل الحدود، فالعلم الوطني بالنسبة لهم (خرقة) لا تستحق التعظيم ، والعقيدة الوطنية مفسدة ومعصية بل إنهم وصفوا الوحدة اليمنية صراحة وجهاراً نهاراً بأنها كفر ، ثم بعد ذلك كله يرخص هذا الكلام بترخيص رسمي حكومي في ظل سبات عميق تعيشه الجهات المختصة في وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وهو سبات ينذر بكارثة على المستوى الوطني إن لم يتم تدارك الأمر سريعاً .

وهنا لا أدعو إلى مصادرة هذا الكتاب بدرجة أولى أو مصادرة حق السلفيين في التعبير عن آراءهم الصحراوية بكل حرية وإنما أستغرب الكيل بمكيالين من حيث تعامل السلطة مع زملاء المهنة بقسوة وجرجرتهم إلى المحاكم في حين يتم الترخيص الحكومي لمن يقول أبشع من كلامهم وأفظع ، كما أن الغرض الرئيسي من هذا المقال هو فضح هذا الفكر الذي تراهن عليه اليوم بعض قوى السلطة وترى أن التحالف معه يمثل إنجازاً ونصراً على القوى المناوئة للسلطة كالحوثي والحراك وغيره .. وهو ما سيتم تفصيله .

وحتى لا يتهمني القراء بالمبالغة والتجني سأستعرض هنا نزراً يسيراً مما جاء في هذا الكتاب :

في صفحة ( 20 ) من الكتاب يحذر المؤلف الآباء من السماح لأبنائهم بالامتثال والوقوف للعلم وتحية النشيد الوطني ويقول: (( هم يهيئون الطالب للطاعة العمياء . فهو إذا أطاعهم في تحية الجمادات فطاعته لهم في هذا أسهل وأيسر )) ، ثم يواصل عداءه للوطنية في صفحة ( 24 ) ويقول: (( استبدلوا - يقصد المناهج الدراسية - كلمة التوحيد بكلمة الوطنية الموبقة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله )) فكلمة الوطنية أصبحت موبقة بالنسبة للسلفيين .

وتأتي الطامة الكبرى في الصفحة رقم ( 27 ) من الكتاب حيث يصف المؤلف شعار الجمهورية بقوله: (( هي عبارة عن صورة لنسر وهو من ذوات الأرواح. وهذا الفعل حرام ، وكما قرأت أن هذا الشعار في التلفاز وفي الكتب المدرسية وفي الأوراق الرسمية وأضف على ذلك العملات الورقية والمعدنية . فعلى هذا ما بقي بيت إلا وفيه صور. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : “ لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب ولا صورة “ ، فكيف يجعل مثل هذه الصورة المحرمة شعاراً للبلاد ، وهذا فيه جعل المعصية شعاراً للبلاد . وهذا من مفاسد الوطنية )) . انتهى كلامه .

لاحظوا معي أن مؤلف هذا الكتاب المرخص رسمياً يصف شعار الجمهورية اليمنية بأنه معصية ويعتبر وضع هذا الشعار على العملات الورقية والورق والمعاملات الرسمية فعلاً محرماً انطلاقاً من فقه بدوي صحراوي بدأ يتراجع في بلد المنشأ ، لكن أتباعه في اليمن على ما يبدو لا يريدون التزحزح عنه قيد أنملة .

ولا يتوقف الأمر عند هذا الهذيان السلفي بل إن المؤلف الذي يعبر عن فكر مذهبه ينتقص من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وينتقد تعليمها في المدارس والمناهج الوطنية ويزيد بقوله في ص (30) : إن المنهج الوطني يقول إن ثورة سبتمبر (( حررت اليمن من الاستبداد والظلم مع أن الحاكم حينها لم يكن كافراً))، فمجرد إيمان الحاكم مع ظلمه وبطشه وجبروته وطغيانه كاف لبقائه مدى الحياة في الحكم في نظر الفكر السلفي الذي جرم الثورة اليمنية لا لشيء إلا لكونها قامت ضد إمام مسلم ، أليس هذا يتفق مع ما يدعو إليه المتمردون الحوثيون في شمال الشمال ، إذاً لماذا تتجه بعض قوى السلطة للتحالف مع السلفيين كجزء من مخرج الحل والتعامل معهم كبديل مناهض للحركة الزيدية والإسماعيلية وهو ما يجر البلاد إلى أتون حرب طائفية لا يمثل فيها السلفيون بديلاً أفضل من الحركات والطوائف التي يراد ضربها والقضاء عليها من خلالهم .

والمؤسف في هذا الكتاب المصرح به رسمياً الذي يتمتع برقم إيداع خاص في دار الكتب أنه يعتبر الوحدة اليمنية كفراً ، ففي ص (43) ينتقد المؤلف فقرات النشيد الوطني ويأتي إلى فقرة ( وحدتي وحدتي يا نشيداً رائعاً يملأ نفسي ) ثم يقول : ((والمقصود بالوحدة في كلام الشاعر هي الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهي التي قال فيها الإمام الوادعي رحمه الله - في فتوى في وحدة المسلمين مع الكفار - قال : “ وأنا أقول نضر الله امرءاً بلغ ما أقوله لإخواني المسلمين ، الوحدة مع الشيوعيين تعتبر كفراً ، فليبلغ الشاهد الغائب “ ))!!!! .

لا أعتقد أن سامي غالب أو فؤاد مسعد أو شفيع العبد أو غيرهم من زملاء المهنة الذين طالبت النيابة العامة أثناء محاكمتهم بنفيهم إلى الصومال بتهمة التعدي على الثوابت الوطنية قد قالوا أبشع مما قاله هذا الكتاب السلفي المتخلف الذي زكاه وقدمه واحد من كبار شيوخهم المعروفين وهو الشيخ يحيى الحجوري ، أليس هؤلاء السلفيين أولى بالمحاكمة هم ومن صرح لهم بنشر هذا الكتاب وسهل لهم عملية تسجيله وإيداعه رسمياً؟!.

إن السلفيين يثبتون أنهم خطر على الوحدة وعلى الوطن وعلى الثوابت الوطنية والسلم الأهلي والاجتماعي ، ومن المخجل أن تراهن عليهم بعض القوى في السلطة بعد هذا كله وتفتح أمامهم وسائل الإعلام المرئية الحكومية وتسمح لهم من خلالها بمهاجمة من يختلفون معهم في المذاهب الأخرى بل ويتم تقريبهم من الحاكم والمراهنة عليهم في كبح التمرد الحوثي وكبح الخطاب الانفصالي .

وهنا أقول بكل ثقة إن المراهنة على السلفيين نوع من الانتحار ينبغي ألا تستمر السلطة فيه طويلاً ، لأن السلفيين أصلاً لا يؤمنون بالوطن ولا يؤمنون بالوحدة ولا يؤمنون بالنظام الجمهوري وهم يعتبرون الوطنية كفراً بحجة أن المؤمن لا وطن له وأن حب الوطن يعطل ( الجهاد ) وهلم جراً من خزعبلات الفكر السلفي ، بل اقرأ متحلياً بالصبر في هذا الكتاب محل النقاش ص 53 : (( الواجب أن تقيد جميع الحريات بالقرآن والسنة النبوية لا بالدستور ولا بالأغلبية ولا بغير الكتاب والسنة )) ، وفي ص 65 يقول عن الديمقراطية إنها كفر ، ثم يواصل هذا الرجل تطاوله على قادة الثورة فيصف محمد محمود الزبيري بالمسلم الفاسق (ص 66) تعليقاً على شعر الزبيري المشهور : (( يوم من الدهر ... )) ويقول إن الزبيري قال هذا البيت الشعري (( مفتخراً بانتصارهم وبخروجهم وظلمهم للحاكم اليمني )) . أ . هـ .

ماذا يجري .. بعد 47 عاماً من قيام الثورة، السلفيون يعيدون المجد للإمام أحمد في كتبهم ومطبوعاتهم ويعتبرون الثورة على نظامه المتخلف ظلماً ، ويتم هذا برعاية رسمية من الدولة ، ثم بعد ذلك تسمع من بعض قادة الدولة ان السلفيين صمام يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الحوثي والحراك الجنوبي ، أليس السلفيون أخطر من الاثنين؟! وماذا لو كان هذا الكلام قد نشر في صحيفة يمنية هل كان سيمر مرور الكرام ؟؟ أم أن أبواب الجحيم ستفتح على هذه الصحيفة وناشريها وكتابها ومحرريها .

لم يكن الشاعر الزبيري وحده الذي ناله ما ناله من هذا السلفي المتحجر فقد امتد هذا الكتاب المرخص رسمياً وحكومياً إلى التحقير من أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله ، فبعد أن ذكر الأبيات الشعرية الشهيرة ( قم للمعلم وفه التبجيلا .. ) يقول في ص 76 : ((قائل الأبيات هو أحمد شوقي المصري وقد تقدم معنا أنه من دعاة الوطنية )) ثم يقول في نفس الصفحة عن أحمد شوقي : (( ورجل هذا حاله من الواجب عدم الرفع من شأنه بين أوساط المسلمين وأبنائهم بذكره في الكتب المدرسية بل الواجب التحقير من شأنه وأمثاله )) .

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ضرب التاريخ اليمني المشرق من خلال القدح في أعظم نساء اليمن السيدة أروى بنت أحمد الصليحي فقال في صفحة (208 ) عنها : (( لا يجوز الإشادة بها بحال من الأحوال ولا يليق ذكرها إلا على وجه الذم لها ولطريقتها حتى يحذرها الناس )) ، كل هذا لأنه يتهمها أنها من الإسماعيلية.

فما فائدة أن نعلم أبناءنا وبناتنا نماذج مشرقة من التاريخ اليمني في المناهج المدرسية ثم تقوم وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب بهذا العمل التخريبي الخبيث الذي ينسف تاريخنا اليمني وهويتنا الوطنية ويحرض على كراهية الوطن وتسفيه العلم والشعار الوطني ويقدح في رموزنا التاريخية كالزبيري وأروى بنت احمد .

وفي صفحة 133 من هذا الكتاب السلفي سيئ الذكر يقول المؤلف: (( من مفاسد الالتحاق بالمعسكرات : غرس العقيدة الوطنية. من خلال التوجيه المعنوي ، والوقوف للمعلم وأداء النشيد الوطني، والشعارات الوطنية التي يرددونها أثناء التمارين وغير ذلك ، والعقيدة الوطنية مشتملة على إقرار الديمقراطية وهي طاغوت )) .

فإذا كان السلفيون يصفون الوطنية بالطاغوت جهاراً نهاراً ويعتبرون الشعارات الوطنية من المفاسد فمن كان الأولى بالمحاكمة والجرجرة والتوقيف الذي تعرض له عدد من زملاء المهنة بتهمة التعدي على الثوابت الوطنية والتحريض على كراهية الوطن؟! فهل تجنب السلفيون المحاكمة على هذا الكلام الخطير جداً والمنشور في كتبهم لأن لهم رقم إيداع قانوني ؟! أم لأنهم يتمتعون بحماية رسمية ؟؟ أم لأنهم أعضاء في جمعية علماء اليمن غير الشرعية وغير القانونية؟؟ أم لأن لحومهم مسمومة ؟؟ .. حقاً إن لحومهم مسمومة واللحم السام لا ينتج إلا سموماً !!! .

يواصل هذا الكتاب البارودي الخطير الذي منح رقم إيداع قانوني من وزارة الثقافة نشر سمومه القاتلة التي هي أفكار المنهج السلفي بامتياز فيقول في ص 137: (( من قال إن الإسلام دين مساواة فقد أخطأ على الإسلام )) ، ثم يواصل تعديه على الأعياد الوطنية منتقداً مشاركة الشباب والطلاب في إحياء الأعياد اليمنية ، فيقول في ص 155 : (( تقدم الكلام عن حكم هذه الأعياد وأنها بدعة وضلالة . ثم إن أعظم الانتصارات للمسلمين لم تتخذ عيداً كيوم بدر وفتح مكة . لم يجعلها النبي عيداً . وهؤلاء إذا طردوا حفنة بريطانيين أو خرجوا على حاكم مسلم جعلوه عيداً )) .

ثم يواصل سرد أفكار مذهبه البائس في نفس الصفحة قائلاً : (( يقولون في هذه الأعياد - أي الأعياد الوطنية - منكراً من القول وزوراً وينسبون هذه الانتصارات إلى قوتهم وأنفسهم ، وتضيع في سبيل هذه البدع الأموال الطائلة والأوقات الثمينة والجهود العظيمة وترى في هذا تشبهاً بالكفار واختلاط الرجال بالنساء )) .

وبإمكان القارئ الحصيف أن يقدر مقدار الضرر الذي يخلفه هذا الكلام من تحقير لنضالات شعبنا في جنوب الوطن ضد الاستعمار البريطاني ومن ثم الثورة في شمال الوطن على حكم الإمامة الطاغي المتخلف ، كما يظهر جلياً من العبارات المقتبسة التحقير الذي يبديه هؤلاء للأعياد الوطنية والاحتفال بها .

وفي الصفحة رقم ( 222 ) يقول مؤلف هذا الكتاب المهووس : ((للنظام الديمقراطي مساوئ كثيرة منها أن هذا النظام حكم الشعب نفسه بنفسه وهو كفر وشرك بالله لأنه تأليه للأغلبية وإشراك بالله واتهام للشريعة بالنقص )) ، ثم يقول في صفحة ( 224 ) : (( ومن مساوئ الديمقراطية كل ما تضمنته من انتخابات ينعقد عليها الولاء والبراء لغير الله ، واختلاط ، وتصوير ذوات أرواح ، وإسراف في الأموال ووضعها في غير موضعها وهو من التخوض في مال الله بغير حق وقد نهينا عنه ، والديمقراطية كلها مساوئ )) .

فالسلفيون هنا يكفرون الانتخابات ويكفرون الديمقراطية لأن فيها تصويراً لذوات أرواح والمقصود بها هنا الرموز الانتخابية وصور المرشحين، بل يعتبرون الديمقراطية كفراً وشركاً بالله. ولا يكتفي الفكر السلفي بهذا القدر بل إنه ينفي إسلامية النظام اليمني ؛ فعند مناقشته في الصفحة رقم (227 ) لكتاب التربية الوطنية للصف الخامس جاء فيه: (( قالوا في ص 75 - يقصد كتاب التربية الوطنية - إن الديمقراطية في اليمن نظام إسلامي يلتزم مبادئ الشريعة الإسلامية والحريات الشخصية فيها مقيدة بأوامر الله ونواهيه ، وهذا من تقليب الحقائق ، والكذب على الله تعالى )) .

وحتى يظهر لنا مؤلف هذا الكتاب الكثير من ذكائه فقد قام بوضع سؤال واستفهام في الصفحة رقم ( 257 ) وهو : (( هل الإسلام مصدر التشريعات أم أنها الديمقراطية والاشتراكية))، ثم أجاب في الصفحة نفسها عن تساؤله الذكي هذا بقوله : (( الواقع هو الذي يبين لك الحقيقة ومن ذلك الواقع - وهنا ذكر عدة نقاط أذكر بعضها هنا - : انتشار بيع الدخان والقات والتبغ ، السماح للإعلام بنشر الأغاني والأفلام ، الامر بحلق اللحى في المعسكرات)).. ثم واصل هذيانه في الصفحة التالية ( 258) قائلاً : (( ومن ذلك الواقع الذي يبين لنا هل الحكم للإسلام أم للديمقراطية والاشتراكية السماح للحزبيات بإقامة كيانها والإسلام ينهى عن ذلك ، ومن ذلك إلزام الناس بالتصوير لأجل الهوية ونحوها والإسلام ينهى عن تصوير ذوات الأرواح )) .

ترى أين الهيئة الوطنية للتوعية وأين الهيئة العامة للكتاب وأين إدارات المصنفات الفكرية من هذا الهراء الخطير الذي يعتبر تصوير الفرد لأجل بطاقة الهوية الوطنية وكذا حلق اللحى في المعسكرات عملاً محرماً ينفي إسلامية النظام القائم ؟؟ .

لكن الطامة الكبرى هي ما ستقرؤه في الصفحة ( 286 ) حيث يقول المؤلف السلفي : (( من المحال الالتزام بالإسلام وبالنظام الجمهوري أو الديمقراطي معاً فهما نقيضان فالديمقراطية كفر ، وأما الذي يؤمن بالطاغوت فلا يمكن أن يسلم حتى يكفر بالطاغوت أولاً )) ، إذن فالسلفيون يخيرون الحاكم بين الإسلام وبين النظام الجمهوري ، وهم يرون أنه إما أن يكون مسلماً أو يكون ديمقراطياً جمهورياً ، ترى ما هو النظام الذي يريد السلفيون إقامته هل هو نظام حكم الفرد وقمع المخالف وإحضار الرؤوس على الأطباق إلى ولي الأمر ؟؟ ، أم أنهم يريدون إعادة حكم الإمامة الظالم لا سيما وقد تقدم شرح دفاعهم عنه وعن نظامه ، وفي هذه الحالة كيف لنا أن نفهم تعاطف بعض مراكز القوى في الدولة معهم ؟ وكيف لنا أن نفهم نظرة البعض إلى السلفيين على أنهم الشوكة التي يمكن أن يكافح بها التمرد الحوثي او الحراك الجنوبي ، ألا يمثل السلفيون بمثل هذه الأفكار فئة ضالة تشكل خطراً على الوطن وأمنه واستقراره ووحدته وسلمه الاجتماعي علماً بانه لا فرق بين أيديولوجية السلفيين وأيديولوجية القاعدة ؟؟!! .

ثم يواصل هذا الكتاب السلفي المرخص رسمياً من وزارة الثقافة مهاجمته لمنجزات الثورة اليمنية فيسخر من الاهتمام بالزراعة ويقول إن (( من ذلكم الاهتمام إنشاء ما يسمى ببنك التسليف التعاوني الزراعي الذي يمد المزارعين بالقروض الربوية )) . ( ص 287 ) .

ثم يواصل هذا الكتاب السلفي تدميره لكل مقومات الاقتصاد الوطني فيتناول السياحة بفكر بدوي صحراوي أبله فيقول في الصفحة رقم ( 289 ) : (( يعنى بالسياحة التي تنعش الاقتصاد سياحة أصحاب الدولار واليورو ، سياحة الكفار بالمرتبة الأولى لذا هيؤوا لها الفنادق التي لا مقطوع فيها ولا ممنوع )) ، هذه هي نظرة المنهج السلفي للسياحة ، لكن المستهدف من هذا ليس السياحة وإنما الاقتصاد الوطني ككل بدليل أن المؤلف يحرم حتى استثمار الآثار القديمة للسياحة وهي التي لا يوجد فيها فنادق ولا مقطوع أو ممنوع ولا هم يحزنون ، فيقول في صفحة رقم ( 292 ) : (( لا يجوز الاحتفاظ بالآثار القديمة ؛ لأن هذا يؤول إلى الشرك ، ولو فيما بعد ، والدين جاء بسد الطرق المفضية إلى الشرك )) .

ولا يتوقف هذا الكتاب عند مهاجمة الشعار والنشيد الوطني وثورتي سبتمبر وأكتوبر والنظام الجمهوري وقدح وذم محمد محمود الزبيري وأروى بنت أحمد الصليحي وتلميع حكم الإمامين يحيى وأحمد حميد الدين ، بل أن الكتاب يعتبر مفردات الدستور والشعب والمواطنين (( من الألفاظ الدخيلة على المسلمين )) ، ثم يقول في الصفحة رقم ( 302 ) : ((واعلموا أن هذه الحزبيات والجمعيات والتفرقات والانتخابات محرمة لأنها تفضي إلى محرمات )) .

ترى هل يصدق احد أن هذا المنهج السلفي الذي يحاول اليوم بعض رجال السلطة تقديمه على أنه منهج وسطي ومعتدل يحرم الرياضة التي لا تعين على الحروب ، حيث يقول في صفحة ( 337 ) : (( هذه الرياضات كم جنت على الأمة الاسلامية من أضرار وليست هي من الرياضات التي تعين على الحروب )) .

إن ما ورد في هذا الكتاب الخطير الذي رخصت له وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب يشيب له رأس الوليد ولم أستعرض هنا إلا النزر اليسير منه لأوضح الخطر الحقيقي للمنهج السلفي الذي تحاول بعض قوى السلطة اليوم المراهنة عليه في محاربة التمرد الحوثي والحراك الجنوبي ، كما أن السماح بترخيص مثل هذا الكتاب ومنحه رقم إيداع رسمي ينبغي ألا يمر مرور الكرام وينبغي محاسبة المسئولين عن ذلك حتى لا نرى يوماً كتب أسامة بن لادن وأيمن الظاهري بترخيص حكومي وبرقم إيداع رسمي .

إن كل ما سبق عرضه يؤكد ان الفكر السلفي خطر حقيقي على البلاد لا يمكن ان نحارب به تيار القاعدة أو الحوثي أو الحراك ، كما لا يمكن المراهنة على الورقة السلفية لتصفية الحسابات مع الشيعة أو الحراك الجنوبي ، فالسلفيون كما أسلفنا لا يؤمنون بالوطن أصلاً حتى يؤمنوا بوحدته ولا يؤمنون بالدستور والقانون والنظام الجمهوري حتى يدافعوا عنه من الحوثيين والإماميين بل إن من بين الاقتباسات التي استعرضناها عبارات تدافع عن الإمام أحمد وتذم الثورة التي قامت عليه ، فهل بعد هذا كله تستمر الجهات الرسمية في دعم هذا الفكر الخطير على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وتدعم كتبه ومنشوراته وتسوقها وهي تحتوي على هذا الكلام الإجرامي بحق تاريخنا ومنجزاتنا ورموزنا وهويتنا .

والله من وراء القصد ،،،

abdulrahmananis@yahoo.com