|
من المفيد جدا أن تنشر وسائل الإعلام رؤى الأحزاب والمكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وكانت هذه من ضمن الأمنيات التي اقترحتها على الأمانة العامة للمؤتمر، ليعرف الجميع أطروحات هذه المكونات ورؤاهم حول قضايا الوطن المطروحة على طاولة الحوار ليستطيع أفراد المجتمع الذين لم يكونوا ضمن المرشحين الإدلاء بمشاركتهم المجتمعية، وفي هذا الصدد طالعتنا صحيفة الجمهورية ليوم الأربعاء 24/ابريل 2013 في عددها(15831) رؤيتي المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح لجذور القضية الجنوبية.
إن ما جاء في رؤية كل من المؤتمر والإصلاح حول جذور القضية الجنوبية هو في الحقيقة سردا تاريخيا لجذور القضية الجنوبية وما من شك أن الكثير يعرفها عدا جيل الوحدة، وحيث أن رؤية المؤتمر قد ركزت على دورات العنف التي كانت في الجنوب من بعد الاستقلال وبخاصة عام1967م التي اعتبرتها عاما مفصليا في تاريخ الشطرين- سابقا- حيث توالت الأحداث والمآسي من عام67م في الجنوب وحتى أحداث 13 يناير 1986بين شركاء الكفاح المسلح(الجبهة القومية والجبهة التحرير) ضد المستعمر البريطاني ثم انتقلت دورات العنف على مستوى الكيان الواحد(الجبهة القومية) نتج عنها التشريد الجماعي إلى الشمال وإلى بعض الجوار ناهيك عن القتل والإقصاء والتصفيات التي تمت خلال الفترة، مشيرة إلى أن النظام في جنوب اليمن تبنى النهج الاشتراكي وما صاحب ذلك من تأميم للملكيات الخاصة وفق النظام المعمول به في الأنظمة الاشتراكية وهو ما أشارت إليه رؤية الإصلاح ولكن بصورة مقتضبة.
وحسب رؤية المؤتمر لم يكن الشمال بمنأى عن تلك الأحداث فقد حدثت صراعات بين الجمهوريين أنفسهم في الشمال وصولا إلى اغتيال الرئيس الحمدي ومن بعده الغشمي...
لقد كانت الرؤيتان متوافقتان في أحداث ما قبل الوحدة، وفي سرد هذا الوصف التاريخي لتلك الدورات من العنف السياسي في الجنوب والشمال ما يدل على طبيعة السيكوسياسية في كلا الشطرين(سابقا) وهو ما يعني أنه لولا قيام الوحدة اليمنية المباركة في 22مايو 1990 لحدثت مالا يقل عن ست دورات عنف جديدة خلال الـ(22) عاما في الجنوب وعددا أقل منها في الشمال، ولذا فقد كانت الوحدة اليمنية- مع ماشابها من أخطاء- ضمانا حقيقيا لعدم تكرار ذلك على الأقل بين كيانات الشطر الواحد فضلا عن حقن الدماء بين الأخوة في الشطرين. كما أن في سرد تلك الأحداث تذكيرا لرجالات تلك المرحلة وتعريفا لجيل الوحدة حتى يتم مناقشة القضية الجنوبية في إطارها الصحيح.
كما أن الرؤتين اتفقتا إلى حد كبير حول الآثار الناتجة عن حرب صيف عام 1994 من فساد ونهب فوضوي للممتلكات العامة في بعض المحافظات الجنوبية، كما اختلفتا حول مسألة الإقصاء، ويلاحظ أيضا أن الرؤيتين لم تتطرقا إلى أسباب حرب صيف 1994 وإنما أشارت رؤية المؤتمر إلى أن بعض الأطراف والقوى السياسية لجأت إلى العنف والاغتيالات والتآمر على بعضها وأخذت نخب سياسية ترتب للاستئثار بالقرار بعيدا عن المصلحة العامة، مشيرة إلى نتائج الانتخابات التشريعية في 1993 التي أدت إلى صعود بعض الأحزاب إلى الصف الثاني(في إشارة إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح) ، مشيرة إلى فشل مساعي الصلح وإفراغ وثيقة العهد والاتفاق من محتواها قبل أن يجف حبرها... فيه إشارة إلى القيادات الجنوبية التي مثلت الطرف الثاني في الوثيقة والتي لم تعد إلى اليمن بعد التوقيع وإنما ذهبت كما أذكر إلى الكويت وعلى الرغم من إشارتها إلى الحرب إلا أنها لم تسميها، أما رؤية الإصلاح لم تتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى حرب صيف1994 وإنما أشارت إلى بروز الأزمة في نهاية عام 93 وعدم ذكر أسباب حرب عام 94 قد يكون غير مهم فالحرب قد وقعت سواء سميت أم لم تسمى، وسواء ذكرت الأسباب أم لم تذكر لأننا لسنا بصدد بحث أسبابها وإنما لمعالجة آثارها وإيجاد الحلول الشاملة والعادلة لتلك الآثار بأبعادها السياسية والوطنية، لأنها المعطى والمدخل الجديد لتعزيز الثقة بين الأخوة الأشقاء لتحديد معالم الدولة المدنية الحديثة الموحدة بعد معالجة المظالم وإصلاح الأخطاء من خلال مؤتمر الحوار.
أما فيما يتعلق بالمظالم الناتجة عن الحرب فقد اتفقت الرؤيتان على حول الكثير من الأخطاء التي نتجت عن الحرب ومنها الفساد والنهب للأراضي ، فمن وجهت نظر المؤتمر حصول أعمال النهب الفوضوي لبعض الممتلكات العامة في بعض المحافظات الجنوبية والاستيلاء على بعض المقرات وبعض بيوت القادة وخاصة في عدن، كما حدثت بعض مظاهر البسط على بعض الأراضي في عدن ولحج وغيرها، أما ما يقال عن الإقصاء أو التسريح فترى عدم حصوله بهذا المسمى وما حدث كأنه في إطاره الطبيعي نتيجة لعودة من كانوا مقصيين أو كوادر جديدة حيث جاء في الرؤية \\\" وكان من نتائج هذه الحرب أن الفئة التي اعتادت التفرد بالأمر قد وجدت نفسها في تزاحم مع كوادر جديدة كانت مقصية أو كوادر جديدة فسمت ذلك إقصاء أو أبعاد وأيا كان الأمر فإن ما جرى لم يكن بمنظور مناطقي شمال جنوب أبدا لكنه يشبه ما يجري الآن..."
أما من وجهة نظر رؤية التجمع اليمني للاصطلاح فترى أن السلطة التي تفردت بالحكم بعد الحرب- في إشارة إلى المؤتمر الشعبي- فشلت في إدارة مشروع الوحدة وحولته إلى مشروع عائلي عصبوي أطاح بالشراكة الوطنية وكرست الاستئثار بالسلطة والثروة، ولم تكن عند مستوى التحدي الوطني وترى أن من الأخطاء الناتجة عن الحرب تسريح الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين من أبناء الجنوب وطرد الفلاحين من أراضيهم وصودرت مزارع الدولة وأعيد توزيعاها على بعض المتنفذين، كما نهبت أراضي الدولة لصالح فئة صغيرة من كبار الموظفين على حساب الاحتياجات الاستثمارية، بل تجاوز الأمر- حسب الرؤية – إلى نهب أراضي وممتلكات خاصة، وتلقي باللوم على المؤتمر باعتباره الحزب الحاكم الذي لم يستجب للدعوات المنادية بمعالجة آثار الحرب في وقتها وإعطاء الأولوية للمحافظات الجنوبية.
والشيء المفيد في هذا الجانب هو اتفاق وجهات النظر حول وقوع جملة أخطاء ناتجة عن الحرب ومنها الفساد الذي لم يشمل الجنوب فقط وإنما اليمن برمته ولاشك أن الفساد لا يرحم. أما التباين في النوع، ومن وكيف، فهذا ليس مهم فالواقع موجود والأرض لم تمت وقد جاء في سورة يوسف حينما طلب أخوة يوسف أن يأخذ أحدهم بدل الأخ المتهم بأخذ صواع الملك \\\"... قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمين\\\"
ولو كانت رؤية الحزب الاشتراكي وكذا رؤية الفصيل الذي ينادي بفك الارتباط وغيرها من الرؤى المتعلقة بجذور القضية الجنوبية قد نشرت لوجدنا أنها لا تختلف كثيرا عن هاتين الرؤيتين سواء فيما يتعلق بقبل الوحدة أو بعدها، فمن الملاحظ من خلال الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والجلسات العامة لمؤتمر الحوار الوطني أن الذين ينادون بفك الارتباط يرجعون أسباب ذلك إلى المظالم التي حدث لهم بعد حرب صيف1994وغيرها وهي لا تختلف في مضامينها إلى ما جاء في الرؤيتين المؤتمرية والإصلاحية، ولذا يقال إذا عرف السبب بطل العجب وان معرفة الداء نصف الدواء، ومن هنا ينبغي معالجة كل آثار الحرب، وتحديد شكل الدولة الجديدة الموحدة وهويتها ونظامها وتثبيت ذلك في صياغة الدستور الجديد الذي يضمن الحقوق والحريات والعدالة والمواطنة المتساوية لجميع مواطني اليمن الكبير، ولا ينسى إخواننا في الجنوب بان القيادة التي مثلت الأخوة الجنوبيين في قيادة الوحدة شريكة مباشرة في نشوب الحرب وما نتج عنها من آثار ومآسي على مستوى جنوب الوطن وشماله، والشيء الجميل في هاتين الرؤيتين وحسب الرؤيتين لمن يكن الهدف إدانة طرف وتبرئة آخر بقدر ما هو عامل مساعد لإيجاد الحلول الشاملة والعادلة لهذه القضية.
رؤية الكاتب للمعالجات:
يتضح من خلال استقراء دورات العنف السياسي لما قبل الوحدة ان استمرار دولة الوحدة اليمنية هي الضمان الحقيقي لصون الدم اليمني (الجنوبي الجنوبي) (والشمالي الشمالي) و(الجنوبي الشمالي) وعليه تتمحور رؤيتي كمواطن محب لوطنه ولأبنائه في النقاط العامة التالية:
ا- طي الصفحات المؤلمة لما قبل الوحدة نهائيا واعتبارها في عداد التاريخ.
2- أما بالنسبة لما بعد حرب 1994 فنقترح الآتي:
أ- الأراضي التي تم تأميمها قبل الوحدة يجب أن تعاد لأصحابها فإن كانت الدولة قد بنت علها مصالح حكومية فيعوض صاحبها بمتوسط سعر الأرض عند التأميم وسعرها حاليا.
2- بالنسبة للأراضي الخاصة التي نهبت بعد الوحدة تعاد لأصحابها.
3- بالنسبة لأراضي الدولة التي تم السطو عليها أو تم صرفها من جهة مسؤولة بغرض السكن ومساحتها كبيرة يعطى منها الشخص مقدار السكن المعروف ويعاد الباقي إلى الدولة ليتم توزيعيها على محدودي الدخل من صغار الموظفين، وعلى الفقراء من غير الموظفين كسكنات، أو يمكن قيام الدولة ببناء مدن سكنية وتملكها بالتقسيط الميسر على محدودي الدخل من الموظفين والفقراء من غير الموظفين.
4- الأراضي التي منحت بطرق رسمية لمستثمرين ولم يستثمروها يجب أن تعاد للدولة لتمنحها لمستثمر آخر.
5- بالنسبة للذين أحيلوا للتقاعد قبل بلوغهم أحد الأجلين ينبغوا أن يعودوا إلى العمل بقدر المدة التي كانت متبقية لهم وتسلم فوارق مرتباتهم عن الفترة التي عوملوا فيها معاملة المتقاعد وليس بالضرورة أن يعودوا إلى وظائفهم السابقة.
6- الإفراج عن سجناء الرأي والفكر إن وجدوا من بعد الوحدة، أما أولئك المسجونين بقضايا جنائية فيتم سرعة محاكمتهم حتى لا يتضرروا من السجن بدون محاكمة.
7- الإبقاء على الوحدة بعد أن يتم تحديد شكل الدولة ونظامها وصياغة الدستور الجديد للدولة المدنية الوحدوية الحديثة على أن تحظى بعض المواد العامة في الدستور بحصانة من أي تعديل لمدة يتفق عليها المتحاورون ومنها مدة الرئاسة وهوية الدولة.
8- الإبقاء على شكل النظام الرئاسي الحالي لمدة ثماني سنوات مع منح الحكم المحلي الحالي صلاحيات أوسع مما هي حاليا تخصص رئاسة الدولة الأربع السنوات الأولى منها للأخوة الجنوبيين بحيث يتم ترشيح شخصين أو أكثر من الجنوبيين يختار أحدهم رئسا للجمهورية على المستوى الوطني، والأربع السنوات الأخرى للشماليين ويتم الانتخاب بنفس الإجراءات السابقة على أن تكون هذه تجربة جديدة، كما يتم تحديد شكل النظام بعد الثماني السنوات رئاسية أو برلمانية وكذا فيدرالية أولا فيدرالية شريطة أن لا تكون الفيدرالية بين شمال وجنوب وإنما يكون دمج بعض المحافظات المتقاربة جغرافيا من المناطق الجنوبية وأخرى من المناطق الشمالية في إقليم واحد.
9- تعطى المحافظات المنتجة للثروات المعدنية نسبة من ناتجها كتعويض للأضرار البيئية تعود لصالح المحافظة يحددها المؤتمر الوطني للحوار.
في السبت 27 إبريل-نيسان 2013 04:22:11 م