جنيف اليمني بين النجاح والفشل
بقلم/ د . محمد صالح المسفر
نشر منذ: 9 سنوات و 5 أشهر
الثلاثاء 16 يونيو-حزيران 2015 10:06 ص
ينعقد مؤتمر جنيف بين المكونات السياسية اليمنية، بدلا من الصيغة السابقة (الحكومة الشرعية والقوى الانقلابية) عليها بقيادة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وسوف يحضر الأمين العام للمنظمة الدولية الاجتماع، ليحض الأطراف المتصارعة على أرض اليمن، لوقف إطلاق النار، وإعلان هدنة رمضانية، ليستعيد الشعب اليمني أنفاسه، ويداوي جراحه، ويعود الذين أجفلتهم الحرب إلى ديارهم، ومن ثم يتسنى للمجتمع الدولي إيجاد حل دائم وشامل لتلك المسألة. لكن، حدثت تطورات عشية انعقاد المؤتمر قد تؤدي إلى فشل انعقاده، من أهم تلك الخلافات عدم التوافق بين حزب المؤتمر الشعبي العام (علي عبدالله صالح) وحزب أنصار الله (الحوثي) في صفة التمثيل في المؤتمر، أمر جد على المؤتمر، وهو قبول الحراك الجنوبي طرفاً ثالثاً، إذا اعتمدنا مبدأ الطرفين (الشرعية والحوثي)، يمكن القول إن مؤتمر جنيف بشأن اليمن يحمل كل أسباب الفشل. 
(2)
أعلنت السلطة الشرعية أسماء فريقها المشارك في المشاورات الجارية في جنيف، ووصل الوفد برئاسة وزير الخارجية، الدكتور رياض ياسين، إلى مقر الاجتماع، قبل أن يعلن الطرف الآخر أسماء فريقه التشاوري، الأمر الذي أثار شكوكاً كبيرة في نيات الحوثي وأنصاره. مهمة وفد السلطة الشرعية، كما تقول أصدق المصادر، محددة، هي الإصرار على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وخصوصاً قرار مجلس الأمن رقم 2216 ومخرجات الحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية، ومقررات مؤتمر الرياض، ولن يدخل الوفد في أي جدل خارج عن تلك القرارات. يطالب الحوثيون بالاعتراف بهم "سلطة أمر واقع" يملكون زمام القوة، إلا أن الحكومة الشرعية في تقدير الكاتب لن تقبل أي تعديل في تشكيلة الوفود، وقد أعلن التنظيم الوحدوي الناصري رفضه مقترحات الحوثيين الداعية إلى إعادة تشكيل وفدي التفاوض، ليشمل جميع المكونات السياسية في اليمن.
وقد يواجه وفد الشرعية ضغوطاً قوية من أطراف دولية للقبول بمقترحات الانقلابيين على الشرعية بتوسعة المشاركة، وفي حالة القبول، فإنهم سيفقدون مكانتهم أمام الشعب اليمني الذي وقف مع الشرعية. وتقول المعلومات الواردة من مصادر يمنية وثيقة الاطلاع إنه لا خلاف بين الحوثيين والحراك الجنوبي، إذ ترتكز مطالب الأخير على الانفصال، ولا مانع عند الحوثي من ذلك، فيما يرفض "المؤتمر الشعبي العام"، وكذلك القيادة الشرعية.
(3)
ظهرت المحاولات بكل جلاء، للالتفاف على المؤتمر، وتحويله إلى مشاركة كيانات سياسية، على أن تكون السلطة كياناً من الكيانات، وهذا أخطر ما في الأمر، أن يتساوى خاطفو السلطة مع أصحابها الشرعيين. من هنا، تبدأ مهارات وفد السلطة الشرعية في جنيف، كيف يستطيعون العودة بالمؤتمر إلى جادته الصحيحة، كما كان معداً له، أي طرفين، وليس أطرافا متعددة. لكن، عندما يتفحص المراقب للشأن اليمني أسماء وفد السلطة الشرعية، يجده لا يضم الوجوه اليمنية المعروفة يمنياً وعربياً ودولياً، ولو أن الوفد مشكل برئاسة وزير الخارجية (مع كل التقدير والاحترام لأشخاصهم). وتقول مصادر إنه ليس في الفريق المعني متخصصون في القانون الدولي وفي علم السياسة ومكرها، وليس فيه من هو متمرس في فن التفاوض ومهارة استخدام اللغة الإنجليزية، وهي لغة التفاوض على الرغم من وجود ترجمة إلى العربية، الأمر الذي قد يسهل الالتفاف على الوفد بمعسول القول وحبك الصياغات التي تؤدي الى تعدد المعاني، ومن ثم نقع في المحظور، كما وقع الفلسطينيون في المحظور في دهاليز "أوسلو" عام 1993، وما برحوا يعانون من تلك المسألة إلى يومنا هذا.
صحيح أن وفد السلطة الشرعية ليس مخولاً بالتفاوض مع أحد، أياً كان مركزة في جنيف، وأن مهمته محددة بالمطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن أولاً، ومن بعد ذلك، لكل حادث حديث، لكن، في دهاليز المنظمات الدولية ليس الأمر بتلك السهولة، ولا بد من الأخذ والعطاء من أجل تنفيذ تلك القرارات. ومن هنا، كان الأمر يتطلب وفداً رفيع المستوى، ذا قدرات ومهارات فائقة.
"لتتحد كل القوى اليمنية من أجل إعادة الحق إلى نصابه، بعودة الشرعية إلى ممارسة مهامها في العاصمة صنعاء"
أما وقد تشكل الوفد، ووصل إلى جنيف، فلم يعد في وسع أحد أن يجري عليه أي تعديل، إلا برفده بمجموعة من الخبراء، ليتمكن من تحقيق الهدف المنشود، والإصرار على عدم إجراء أي تعديل على تشكيل الوفود المشاركة، حتى ولو أدى إلى انسحاب وفد السلطة الشرعية من المشاورات وإفشال المؤتمر.
(4)
لا أقلل من أهمية ما سيجري في جنيف، لكن الأهم عندي وحدة الجبهة الداخلية وتماسك أركانها ووحدة كلمتها، تلك العوامل سوف تؤثر في ما يجري في جنيف. ومن الأمور الحاضرة أن الرئيس عبد ربه منصور هادي ما زال يتصرف كما لو أنه في صنعاء، وأن الحال فيها كما كان قبل الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي. إنه أحادي التفكير، متخوف وجل، يشك في كل من حوله، لا يقبل التعامل مع الأقوياء من القيادات اليمنية، يعمل كما كان صالح يعمل، بمعنى أنه يحرض بعضاً على بعض، وهذه أعمال ليست من صفات القادة العظماء، إنها صفة الذين جات بهم الأقدار لقيادة أمة، والنهوض بها وتوحيد صفوفها.
(4)
تنظيم القاعدة في اليمن ثبت، بالصوت والصورة (تقرير الجزيرة) أنه من صنع علي عبد الله صالح، وأخشى أن يسلك الرئيس هادي سلوك سابقه المخلوع، فيوشي ببعض القيادات الفاعلة على أنهم إسلاميون سلفيون، الأمر الذي يستعدي عليهم دول الجوار والمجتمع الدولي، إنه يستخدم ذلك الأسلوب أداة لإبعاد بعض القيادات اليمنية عن الساحة، والخاسر هو اليمن.
الأمر الآخر أنه لا شك أن الحرب الدائرة اليوم معظمها على أرض الجنوب اليمني، وقد لحقت بالناس والممتلكات أضرار بالغة الشدة من هول تلك الحرب، الأمر الذي يدفع بالعامة والخاصة في الشطر الجنوبي إلى الدعوة إلى الانفصال عن الشمال وعودة الأوضاع إلى ما كانت علية قبل عام 1991. من هنا، أقول إن مهمة الرئيس هادي توسيع دائرة المقاومة الشعبية المسلحة في الشمال ضد الحوثي والمخلوع وقواتهما المسلحة، لتشتيت قوة الخصم وإقناع أهل الجنوب بأن الشمال يتعرض لحربٍ لا تقل شراسة.
آخر القول: لتتحد كل القوى اليمنية من أجل إعادة الحق إلى نصابه، بعودة الشرعية إلى ممارسة مهامها في العاصمة صنعاء، وتأجيل الحديث عن الانفصال إلى ما بعد تحرير البلاد واستعادتها من خاطفيها الحوثي والمخلوع، وعندئذ يقول الشعب كلمته في الوحدة أو الانفصال.