الحوثيون.. السياسة عن طريق النكاية!
بقلم/ محمد الرميحي
نشر منذ: 9 سنوات و 6 أشهر
السبت 16 مايو 2015 11:33 ص

متى اكتشف بعض اليمنيين طهران، وهل هذا الاكتشاف بسبب حب غامر لمشروع طهران (الاجتماعي السياسي/ الديني)؟ أم هو محاولة فيها بعض العتب المبطن على إخوانهم في الخليج، رغم كل الدعم الذي وجدوه منهم، أي هو اكتشاف (نكائي) قبل أن يكون (إيمانيًا)؟ أم هو إيمان من البعض بأن (ولاية الفقيه) سوف تنقل اليمن من حال إلى حال أفضل؟ تلك أسئلة تخطر بالذهن ونحن نرى المشهد اليمني المفجع وتطوراته القريبة من العبثية.
الحديث هنا ليس عن أهل اليمن الذي نحب، ولكن عن بعض نخبتها التي استقرت في الحكم وافتقدت مشروعًا محليًا يواجه المصاعب اليمنية بواقعية دون هروب إلى الأمام بحثًا عن أوهام. لقد دام الصراع في اليمن وحول اليمن على الأقل في العصر الحديث منذ بداية الستينات، عندما وجدت بعض النخب اليمنية أنها لا تستطيع أن تبقى خارج العصر، بالركون إلى حكم متحجر، هو حكم الإمامة، الذي وضع اليمن في عزلة وأغرقها في الجهل، كانت رغبة النخبة ولم تكن قناعة الجماهير، لأن الجماهير اليمنية تركت بشكل عام في عزلة وجهل، ومع تعدد النخب التي حكمت اليمن منذ سقوط الإمامة استمرأت البقاء في برج عاجي واستسهلت المناورات وتكديس الثروات الشخصية دون أن تقدم خطة لإنقاذ اليمن أو غالبيته على الأقل من الفقر والجهل.
في الستينات كان المواطن اليمني العادي عندما يريد أن يُحقر الآخر، يقول له شامتًا إنه (جمهر)، أي أصبح جمهوريا، وهي مرادفة في وعي الجمهور العام أنه (كفر والعياذ بالله)! فاستخدام (الديني) لشيطنة الآخر ليس جديدا في الفضاء اليمني العام، كما هو استخدام القومي. إبان الاحتلال العراقي للكويت وقفت النخبة الحاكمة وقتها موقفا (انتهازيا) مع صدام حسين، أرسل السيد علي صالح الذي كان رئيسا، وفدا إلى صدام حسين قُبيل حرب تحرير الكويت، ووقع في يدي محضر لهذا اللقاء، تركه القادة العسكريون العراقيون عند انسحابهم غير المنظم من الكويت، نشرت ذلك المحضر في جريدة «صوت الكويت» وقتها، ثم وثقته في كتاب بعنوان «أصداء حرب الكويت.. ردود الفعل العربية على الغزو وما تلاه» من منشورات الساقي في بيروت. 1994 المحضر فيه من الغرابة ما تحمله الممارسات السياسية اليمنية من فكاهة مرة، استخدام الشعارات الفارغة ولا مضمون، تاريخ المحضر هو الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) 1991 أي قبل أيام قليلة من بدء عاصفة الصحراء، والحضور صدام حسين وشخصان من اليمن هما أبو بكر العطاس رئيس الوزراء وقتها، وعبد الكريم الإرياني الرجل المقرب لصالح وصانع فلسفته. قال الإرياني بالحرف: «نريد أن ننقل اليمن بجوار العراق»، وقد أمنه صدام على ذلك، وبطبيعة الحال هذا الاقتراح يلغي المسافة الشاسعة التي تفصل اليمن عن العراق، أي إلغاء المملكة العربية السعودية (ودول الخليج). ولكن لا اندماج لليمن!! النص السابق بين قوسين هو ما نشر في الكتاب، والقول بالمجاورة قول فيه انتهازية سياسية وتوظيف للقومي الكلامي، فمن كان يصرف أموالا - دون منة - على مشاريع التعليم والصحة في اليمن كانت دول الخليج، في الوقت الذي لم يقصر النظام البعثي في العراق عن إمداد اليمن قبل 1990 بكل ما يرغب من أجهزة مخابرات وأيضا سلاح وبعض المال لبعض النخبة، خصوصا من وقع في شبكة الآيديولوجيا البعثية! على مقلب آخر، وفي لقاء مع علي صالح مع وفد شعبي كويتي عام 1994 قال للحضور، إن عبد الله صالح الأشعل، مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، وكان يمثل العرب في مجلس الأمن وقتها، وقد صوت ضد قرارات مجلس الأمن الخاصة بتحرير الكويت، وأن الرجل كان يتصرف حسب هواه، ولم يكن يستمع أو يلبي طلبات الحكومة اليمنية!! ويمكن أن تسطر الكثير من الحكايات حول (مراوغة النخب اليمنية الحاكمة) ووقوفهم مع أي تهديد يطال إخوانهم في الخليج، حتى وصل الأمر إلى أن تتحالف نخبة منهم مع الشيطان للقيام بإضرار إخوانهم.
يبدو أن طهران تعلمت بعض دروس صدام، وهذا ليس جديدا في التاريخ، فتبنت تدريب العسس وحاملي السلاح من بعض اليمنيين ووفرت الكثير من العتاد من أجل نفس أهداف صدام حسين، وهي الإضرار البالغ بأمن الجيران، مع وضع شيء من الآيديولوجيا، التي تسعى لتسييد الفقيه، هذه المرة الحوثي، على كل اليمن! تتطابق الطرق والممارسات وتتوحد الأهداف، ويجد من يريد استئجار بندقية في اليمن من يعينه على ذلك، خصوصا إن كانت البندقية تلك سوف تضر بمصالح الجيران، لقد فشلت تلك النخب التي حكمت اليمن من إقامة مشروع يمني حديث، يحقق مصالح أغلبية يمنية تحتاج إلى كل قرش كي يصرف على برامج التنمية، فهذه النخب تنقل البندقية من كتف إلى آخر، والهدف الإضرار بمصالح الشعب اليمني والجوار على حد سواء، هذه المرة الأضرار أفدح لأنها تريد أن ترهن اليمن إلى قوميين ظلاميين، وتعيد اليمن إلى إمامة جديدة!
اليمن من جهة أخرى بلد تعددي بمعنى الكلمة العلمي، هي جغرافيا متعددة، وبشريًا أيضًا، ولا يمكن لعاقل أن يتجاوز مصالح الأغلبية اليمنية لأن بعض نخبها الحاكمة قد زاغ بصرهم وعميت بصيرتهم.
في الخليج تاريخيا أو على الأقل في معظم سني القرن الماضي، كان التجار المحليون صغارا أو كبارا لا يأتمنون على مالهم إلا إذا كان أمين الصندوق حضرميا، فصفات الإخلاص والوفاء لصيقة به، وأبناء الجنوب اليمني عمروا بلادا بعيدة، بل أدخلوا الإسلام سلما إلى أقوام لم تكن تعرفه في جنوب آسيا، بسبب تلك المناقب التي تحلوا بها، ويعيش اليوم في أماكن كثيرة من العالم جالية يمنية مسالمة ونشطة، كما هو موجود في شيفيلد، شمال شرقي الجزيرة البريطانية، وأيضا هناك عدد ضخم من اليمنيين الذين يساهمون بجدية في مناشط التنمية في دول الخليج، وأغلبية من المستنيرين اليمنيين الذين يرفضون إعادة حكم الإمامة من خلال الحوثي ولو بأشكال جديدة، هؤلاء عليهم واجب رفع الصوت ضد الأقلية المتحكمة بالسلاح.
ما نحن بصدده هو استمرار لعقلية مغامرة من نخبة صغيرة كانت حاكمة تريد أن تخطف اليمن، كل اليمن، إلى مشروعها والذي لا يخرج عن الاستحواذ على الثروة (المحدودة) والسلطة للتمكن من رهن اليمن إلى قوة إقليمية ليس بينها وبين اليمنيين تاريخيا أية صلة أو مصلحة. اكتشاف بعض اليمنيين للهلال الإيراني جاء قبل أوانه وعليهم أن ينتظروا البدر العربي، فهو الأقرب لإنارة طريق اليمن المستقبلي، نعم ما يمر باليمنيين اليوم هو شدة، ولكن مؤكد أن وراءها فرج ويسر.
آخر الكلام:
استهدف الحوثيون مواقع أثرية في عدن، البلد الذي كان محطة للتعايش، بدافع التطهير، أكانت يهودية أو مسيحية أو إسلامية، كما فجروا عشرات من مساجد السنة في الشمال بدعوى التطهير أيضا، لا فارق بين «داعش» والحوثيين.. إنه وباء واحد!