إن الفتنة الطائفية ليست حتمية كونية، بل هي نتيجة من نتائج عجزنا الفكري والسياسي عن بناء قاعدة مفتوحة قابلة بالتعددية الدينية والمذهبية التي أرسى الإسلام دعائمها، وتوصلت إليها أغلب المجتمعات البشرية.. وأول ما نحتاجه هو استرداد العقل لوظيفته في الحياة، والتوقف عن استنزاف الذات.إن ما يجري الآن في اليمن أو في تونس أو في أي بلد من بلدان ثورات الربيع العربي والحوار الوطني والانقسام المذهبي لهو نسخة مما يحدث في لبنان .
فمحاولة البعض الانجرار وراء تجارب أو تقليد أعمى للغير أو السعي للانفصال لهو ضرب بعرض الحائط بمستقبل اليمن ولهو عين الدمار. إن من يفتون هنا أو هناك فتاوي تحريضية لا صلة لها بالدين إنما صلتها بالحزب أو المذهب اتقوا الله في يمننا لصالح من ما يجري إن الفتن الطائفية المنتشرة في العالم الإسلامي فيها يسود منطق واللافهم والعامية والتفسير بالعامية لأشياء كثيرة ما ظهر منها وما بطن يسود فيها منطق الجهلاء على منطق العلماء والحكماء. ولا يتوقف الوعاظ الشعبيون المتعصبون عند حدود التحريض باللسان، بل يتحركون أحيانا في عصابات تتجاوز السلطة، وتفرض رؤيتها الدينية المنغلقة بقوة الساعد والسلاح.
وتضعف السلطة خلال الفتن ضعفا يحرمها من ضبط الميزان الاجتماعي. وحينما يسود المنطق العامي الأهوج يختل ميزان العدل، حتى إن من يستحق العقوبة لا يُعاقَب بعدل، بل تُهدَر إنسانيته على مذبح الانفعال غير المتقيد بشرع ولا رحمة.حيث أننا كبلدان عربية لم ننعم بشي ولو بسيط من الحريات أو الأمن الكامل أو حتى المساواة والعدل وأخص بالتحديد الوعي العلمي الذي يجعلنا نميز بين مذهب ومذهب وحتى بين الرؤى والبرامج السياسية أو غيره. فلماذا الانجراف وراء أفكار فردية أو مصالح ومطامع فرية على حساب وطن؟. وللفتن الطائفية منطق وخصائص فكرية، مثل ما طرحها الباحث التونسي حسن بن حسن، الذي لخص سمات الفتنة الطائفية، في اثنتي عشرة سمة. فوصف الفتنة بأنها :- حالة ليلية "(1) تنعدم فيها الرؤية أو تكاد، (2) وتنغلق فيها منافذ الذات أمام النقد، (3) وتشتغل فيها الآليات الأيديولوجية لتمجيد الذات وشيطنة الآخر... (4) وتنهار فيها الكوابح أمام حرمة الدماء، (5) وتتأجج فيها الذاكرة التكرارية اللانقدية الجريحة، (6) ويصبح الحاضر معها مجالا لتصفية حسابات تاريخية وهمية، (7) وتتحول النظم الفكرية فيها إلى انسياق اعتقادي، (8) وتتجه فيها الوضعية التاريخية برمتها إلى أقصى درجات البؤس الفكري: الحد الأقصى من الفاعلية والحد الأدنى من التفكير." ومن خصائص الفتنة كما كشفها الأستاذ حسن "(9) التعصب: أي الاستثناء المبدئي للقناعة الخاصة من التمحيص والغربلة، (10) وممارسة ديكتاتورية الحقيقة... (11) وضمور سلطة العقل أمام سلطة الموروث، (12) وغلبة الجانب اللاإرادي للهوية على الجانب الإرادي". إذا فلنتفق عل أن الفتن الطائفية والانجرار وراء الحزبية وخفوت صوت العقل، وضعف الإرادة الحكيمة، والاستسلام للجهل المركب، وسيطرة غرائز الهيمنة والفناء والإفناء. فلسنا بحاجة إلى من يبرهن على صحة مذهب وبطلان آخر أو إفتاء بحق انفصال شعب واحد أو أباحة دم مسلم على مسلم بالتعصب والشدة السائدة الآن، فليس الحق في حاجة إلى عصبية وتعصب.. وإنما نحتاج اليوم إلى من ينقض المنطق الطائفي ذاته، ويكشف زيفه وتفاهته،وأيضا فضح من يتنطعون ويصدرون أنفسهم باسم اليمن وأفعالهم تشهد العكس وبعده عن معاني الشرع وروح الدين الحنيف والمعايير الإنسانية.