صعدة .. نيران وأدخنة .. وضباب
بقلم/ موسى النمراني
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 24 يوماً
الثلاثاء 25 أغسطس-آب 2009 03:15 ص

سميت صعدة قديما بمدينة السلام ومن قراءة عابرة للتأريخ يتوصل القارئ إلى أن هذه التسمية تطلق على المدن التي تعاني كثيرا من الحروب وتسيل فيها الكثير من الدماء وغالبا ماتعاني مدينة صعدة التأريخية من كونها أول من يدفع ضريبة الثورات الداخلية أحيانا وضريبة انفلات السيطرة أحيانا أخرى ، وهي هذه المرة تدفع ثمنا غاليا لحساب مجهول .

قبل أيام اندلعت نيران الجولة السادسة من الحرب بين النظام الحاكم وبين المتمردين الحوثيين إن صح التعبير وبدأت الحرب بإعلان هدنة إلى مابعد رمضان .. غير أن تلك الهدنة ولدت ميتة ومنذ ذلك اليوم والغموض هو سيد الموقف غالبا حيث تتضارب الأنباء القادمة من جبهات القتال الدائر هناك .

فبينما يؤكد المكتب الإعلامي للحوثيين أن مليشياتهم أحكمت سيطرتها على مديرية الملاحيط الواقعة على الحدود مع المملكة العربية السعودية والتي لا تبعد عن منفذ حرض سوى خمسين كيلوا متر تؤكد مصادر الإعلام الحكومية أنها تلقن عناصر الحوثيين دروس تصفها بأنها "بليغة" وكانت مصدر عسكرية قد أعلنت عن اكتشافها لأكثر من مائة جثة قالت أنها لمتمردين حوثيين قتلوا أثناء فرارهم من المعارك الدائرة في منطقة حرف سفيان شمالي محافظة عمران إلا أن المصادر ذاتها نفت هذا الخبر مؤكدة أنها تعطي أولوية في هذه الأثناء لتأمين طرق الإمدادات العسكرية إلى جبهات القتال في محافظة صعدة التي لا يبدوا أن القتال سيتوقف فيها في الأمد القريب بعد أن أعلن الرئيس اليمني مؤخرا أنه لن يتوقف عن الحرب وأن المتمردين اجبروه على بناء المتارس والتحصينات بدلا عن المدارس مستشهدا بالأثر القائل "مكره أخاك لا بطل", وتابع قائلا "نحن مصممون على اجتثاث شرور فتنتهم – أي الحوثيين - من الأرض " بينما رد عليه الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام بأن هذا إعلان حرب إبادة مطالبا المجتمع الدولي بإيقافها وقال " إبادتنا أمر مستحيل ونحن أهداف غير سهلة والدولة تعرف هذا جيدا لكنهم يستهدفون المدنيين "

أحزاب اللقاء المشترك كانت قد خرجت من صمتها مؤخرا حيث أعلنت استعدادها للمشاركة في أي جهد وطني يعمل على حل مشكلة صعده.

ودعت في بلاغ صحفي كافة أطراف القتال بصعده إلى الوقف الفوري للاقتتال ونبذ العنف، لأنه لا يمثل حلا وإنما يزيد من حدة التوترات وسفك الدماء وتعقيد المشكلة –بحسب البلاغ - كما أكد المشترك على ضرورة السماح لفرق الإغاثة المحلية والدولية للوصول إلى المناطق المتضررة والمنكوبة ومساعدة النازحين والمشردين بالعودة إلى قراهم ومنازلهم وإيواء من دمرت منازلهم وتقديم كافة التسهيلات لهم وهو ما ردت عليه الحكومة بإبداء استعدادها لمساعدة النازحين وتشكيل لجنة لحصر المتضررين الأمر الذي اعتبره البعض التفافا على دور منظمات الإغاثة الدولية ومحاولة للسيطرة على طرق المساعدات الإنسانية وحصرها في يد الأجهزة الرسمية رغم اتساع دائرة المأساة بالنسبة للمدنيين المتضررين من الحرب الدائرة هناك الأمر الذي حدا بوزير الصحة للتأكيد بأن اللجنة الحكومية ستقوم بتقديم كافة التسهيلات والمساعدات للمنظمات الدولية وتذليل كافة الصعوبات والعراقيل لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للنازحين.

وقال محمد عزان الأمين العام السابق لتنظيم الشباب المؤمن الذي نشأت منه الحركة الحوثية بصعدة لموقع نيوز يمن أنه منذ انتقال المواجهات المسلحة إلى داخل التجمعات السكانية في صعدة والمواطنون يتذوقون الأمرين مشيرا إلى ازدياد عدد النازحين من قراهم يوما بعد يوم بعد أن اتخذت بيوتهم ومزارعهم تحصينات للقتال ، وأكد عزان أن السلطة تواجه صعوبة في الوصول إلى المتضررين أو حصرهم لتفرقهم في أماكن كثيرة ووجود بعضهم في مناطق يسيطر عليها المتمردون كما أشار عزان إلى أن كثيرا من النازحين استقروا في أماكن غير صالحة للسكن .

على الصعيد الدولي نفت إياران الاتهامات الموجه لها ضمنا على لسان الناطق الرسمي باسم الحومة اليمنية قبل أسبوع والاتهامات الجديدة على لسان مصدر عسكري قال أن الجيش دمر مخزن أسلحة من صنع إيراني لدى المتمردين الحوثيين وقال حسن قشقوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في مؤتمر صحافي أن إيران تحترم وحدة أراضي اليمن, وتعتقد انه يجب إرساء السلام والهدوء فيها مؤكدا أن مسالة صعده هي مسالة داخلية ونأمل في أن يعود السلام هناك من خلال حل سلمي لان سفك الدماء لا يمكن أن يكون حلا" وكان الناطق باسم جماعة الحوثيين قد كذب خبر تدمير مخزن السلاح الإيراني الذي ادعته الحكومة وقال أنها فبركة كاذبة متحديا أن تقوم الحكومة بإثبات علاقة لهم بأي جهة في العالم مؤكدا أن كل مالديهم من أسلحة ومعدات هي من معدات الجيش التي يستولون عليها أثناء المواجهات ولم يستبعد الناطق باسم الحوثي أن تعلن الحكومة أنها وجدت مخزن أسلحة ليبية أو أن تقوم بفبركة أخبار كاذبة من أجل استرضاء المملكة العربية السعودية واتهام أي دولة تحدث بينها وبين المملكة خلافات ن وكانت وسائل إعلام إيرانية قد قالت سابقا أن سلاح الجو السعودي يشارك في الطلعات الجوية للطيران الحربي على مناطق صعدة وقالت قناة العالم الإيرانية أن هناك غرفة عمليات يمنية سعودية مشتركة تدير الحرب على الحوثيين وهو ما نفته الحكومة اليمنية والسعودية على حد سواء وقالت مصادر مقربة من الحوثي أن المصابين من الجنود يتم نقلهم إلى مناطق سعودية للعلاج .

وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد أعرب عن قلقه من استمرار المواجهات العسكرية في محافظة صعدة، كما عبرت منظمة العفو الدولية عن قلقها من تسبب الحرب في صعدة في تهديد حياة المدنيين وهو مادفع وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي إلى التأكيد على حرص الحكومة على حياة المدنيين.

وعلى صعيد متصل ناشدت وزارتا الخارجية والتنمية الدولية البريطانيتين الحكومة اليمنية في بيان لهما اليوم الاثنين التوصل إلى تسوية سلمية للصراع في محافظة صعدة. وقال بيان صدر عنهما "نؤيد بقوة البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي والتصريح الذي أدلى به مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون)، ونطالب السماح فوراً للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المواطنين الذين اضطروا للنزوح بسبب الأحداث الأخيرة .. إن حكومتنا تتولى الدور القيادي في تركيز الانتباه على هذه الأزمة، ونراقب التطورات عن قرب وتبقى على اتصال مع الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الدولية الأخرى" وقالت الحكومة البريطانية أنها تعمل منذ فترة على مساعدة 10.0000 نازح كما أنها قدمت 2.54 مليون جنيه إسترليني استجابة لنداء برنامج الغذاء العالمي لمساعدة المتضررين نتيجة للقتال في صعدة"

الرئيس يعلن محبته للسلام والحوثي يعلن رغبته فيه ، والاثنان يحترمان رمضان ويقدسان حرمته أكثر من حرمة دماء اليمنيين، الرئيس يعلن شروطا للسلام ليس في يد الحوثي تنفيذها ولذلك فهو يرفضها ويطالب بتنفيذ اتفاقية الدوحة وهو يعرف أنه أيضا لن يستطيع تنفيذها ولو كان بمقدوره لبدأ بتنفيذ البنود التي تتعلق به وحده، لكنها الحرب .. تجعل من العجز عكازا يتوكأ عليها المحاربون الذين تخلقوا في الدخان.

الحوثيون يعلنون أنهم سيطروا على مناطق وأسروا جنودا وقادة ومشائخ ويعلن الجيش انه سيطر على ذات المناطق وقتل قادة وأسر متمردين ويكذب الطرفان بعضهما البعض في الإعلام كما يقتل الطرفان بعضهما في الميدان وكما تضيع أرواح المدنيين في مخيمات النازحين والطرق المؤدية إليها تضيع الحقيقة حين تصبح مجنيا عليها من الطرفين الذين يدعي كل منهما أنه دخل الحرب نصرة للمظلومين من أبناء صعدة ، ومهما تكن الصورة غير واضحة فما لا شك فيه أن دماء تسيل لسبب غير واضح، وأن مزارع الرمان الصعدي أصبحت متاريس تزرع الموت .