صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع
لا تؤول الحروب عادة إلى نصر تام ، مهما خرج طرف فيها متفوقا ً على الآخر ، ففي النهاية ثمة ثمن فادح للغاية ، ذلك أن ساحة المعركة الحقيقية التي تحدد النصر أو الهزيمة ليست الجغرافيا فحسب .. وإنما الاقتصاد .
يتحدث احد التجار في محافظة صعده بنوع من القهر ، وهو يروي سجل الخسائر التي تكبدتها تجارته خلال خمس حروب اندلعت معاركها بين جماعة الحوثي والقوات اليمنية في مناطق مختلفة في صعده .
يقول هذا التاجر ( رفض ذكر اسمه ) : \" الخسارة التي أتكبدها حتى الآن ، لا يلتفت لها الناس ، لقد فرضت عليَ الحرب في صعده دفع الكثير، وقد تم نهب وتدمير عدد كبير من ممتلكاتي أثناء الحرب ، ولأني تاجر، لا يتم احتسابي متضررا ً \" ربما يكون هذا الكلام منطقي إلى حد ما ، فالحروب تجر الكثير من الويلات ، وليس فيها تسويات عادلة على الإطلاق . وبالنسبة لليمن فثمة ويلات مريرة تجرعتها البلاد في سلسلة من الحروب ، كانت أولها حرب صيف 94 ، وآخرها حرب صعده الخامسة 2008 .
لنتحدث أولا ً عن حرب صيف 94 أوحرب الانفصال كما يسميها الكثيرين . فالحديث عن هذه الحرب سيفضي بالكثير إلى حرب صعده ، فالقواسم مشتركة وبشكل تدريجي فيما يخص خسائر التجارة والاقتصاد على حد سوا. لقد خسرت اليمن الكثير في هذه الحرب في الشمال والجنوب على حد سواء ، وسقط خلالها أكثر من 10.000 قتيل وجريح كانوا ضحايا الحرب ، ووصلت الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اليمني آنذاك قرابة 4.5 مليار دولار .
ليس ذلك فحسب .. فالأمر لم يتوقف عند ذلك الحد ، فبنهاية هذه الحرب ورثت البلاد تركة ثقيلة من الخسائر والديون . التي أعاقت النمو، ولو نظرنا إلى سنوات ما بعد الوحدة إلى ما بعد حرب صيف 94 سنجد بروز أزمة اقتصادية طغت على السطح . ثم تراكمت للاقتصاد فاتورة خسائر فادحة قدرت بـ 12 مليار دولار أميركي ، وهو ما وضع الاقتصاد اليمني على حافة الانهيار . الأمر الذي جعل الحكومة تجد نفسها مضطرة بداية العام 1995 لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري من أجل مواجهة الكارثة .
لقد ارتفع العجز في الميزان التجاري آنذاك ، وتدهور سعر صرف العملة في الوقت الذي توقفت فيه بشكل تام كافة القروض والمساعدات التي كانت تتلقاها اليمن من الدول والمنظمات الدولية الداعمة . وهي الكارثة التي كان يصعب تفاديها .
كان كل شيء مخيف بعد الحرب ، وبحسب رأي أحد القياديين في المؤتمر الشعبي العام فإن احد أهم الأسباب يعود إلى أن الخمس السنوات التي تلت الوحدة التي لم يحدث فيها تنمية أصلاً ، وهو ما زاد من تفاقم الأمر . ولو تعقبنا الحقائق الاقتصادية سنجد أنها كانت كارثية ، فالنمو الاقتصادي كان نموا سلبياً في العام 1994 وتحديدا بعد توقف الحرب ، وصل حينها لمعدل (1.4) بالسالب . وكان كل ما في البنك المركزي اليمني آنذاك هو 90 مليون دولار فقط ، لدرجة أن مديونية البنك المركزي وصلت إلى 400 مليون دولار، لعدد أربعة من تجار القمح والدقيق .
تصورا أن التجار كانوا يقرضون البنك المركزي مقابل أن يأتوا ببضاعة مدعومة. ما هو أسوا هو أن معدل التضخم وصل آنذاك إلى 77% ومعدل البطالة 33 % . هذا يعني أننا كنا نقف على قمة انهيار كلي للعملة والاقتصاد . وهو ما يؤكد أن تلك الحرب أنهكت البنية التي كانت تستند عليها البلاد ، وبمعنى آخر نسفت الأسقف التي كانت تستظل تحتها الدولة اليمنية .
دعونا ننظر إلى ما هو أسوأ من ذلك ، وهو انتعاش تجارة في وسط ذلك الدمار ، فالوقائع أثبتت تنامي تجارة سيئة ( حرضت على الخراب ) وتسببت بإعاقة مفاصل التنمية. وهي تجارة السلاح . فمنذ حرب الانفصال وجد بعض من التجار والمهربين مناخا ً ملائما ً لخوض تجارة مربحة ، استفادوا من انشغال البلاد في حالة الحرب .
استطاع هؤلاء التجار تهريب الكثير من الذخائر و الأسلحة ، ثم نجحوا في تنشيط سوق سوداء للأسلحة بين القبائل والأفراد
ولو استعدنا تفاصيل ما دار في خمس حروب ، سنجد أن استمرار المواجهات في صعده كان يزيد من تعزيز المخاوف لدى السلطات ، كون ذلك أدى إلى استنزاف قدرات الجيش في معركة كان يجرى تغذيتها بصورة دائمة بالسلاح المهرب الذي يتم بيعه إلى المقاتلين الحوثيين .
لقد اعترفت السلطات الأمنية في أكثر من مرة بتدفق السلاح الثقيل والمتوسط والذخائر إلى صعده عبر سماسرة وتجار سلاح بالاستفادة من انتشارهذه التجارة في العديد من المحافظات القريبة من صعده فضلا عن ضبطها العديد من الشحنات التي كانت في طريقها إلى الحوثيين أو في مخازن السلاح التي عثر عليها بعد مداهمة معاقل المتمردين في مناطق صعده .
وقد أكد مسئولون عسكريون أن حصول «المتمردين» على إمدادات بالسلاح المتوسط والثقيل والذخائر طوال أيام الحرب كان من أكبر المشاكل التي واجهها الجيش مما جعل القضاء على هذه البؤرة عاملا مهما في حسم المواجهات نهائيا وضمان عدم تجددها .
إذا .. تبدو هذه التجارة اكبر أسباب نسف بنية الاقتصاد اليمني الذي لم يتحرر من تهمة الفقر حتى الآن ، فتدهور الريال ، والاستمرار في التضخم ( ارتفاع الأسعار ) كانا في تطور منذ تلك الحرب في 94 ، ومع اندلاع حرب صعده واستمرار جولاتها ، خسرت البلد المناخ الملائم لجذب الاستثمارات ، وتم تصنيفها منذ ذاك ضمن الاقتصادات غير الآمنة ، وهو ما يدفع بالقول بان الواقع الذي نعيشه ونتنفس فيه ما هو إلا انضباط بسيط عند مستوى العجز الذي خلفته حرب الانفصال . هذا الانضباط سببه تثبيت الريال مقابل الصرف واتكاء البلاد على النفط كمورد رئيس للموازنة العامة للدولة .
ويبدو أن الضربات التي توالت على بنية اقتصاد هش ، كانت موجعة أكثر حينما طالت حرب صعده لقرابة أربع سنوات ، ولننظر إلى الحقائق التي أطاحت بالاقتصاد قبل أن يستعيد عافيته ، ففي الندوة التي عقدتها الخارجية الأمريكية عن اليمن في واشنطن في الـ 25 أغسطس 2008 ، اعتبر مسئول الصليب الأحمر أن حرب صعده « موجهة في الأساس ضد الخزينة العامة وضد الغذاء والتنمية في اليمن، وإنفاق متزايد على شراء الأسلحة » وفي تلك الندوة أشار مندوب البنك الدولي إلى أن اليمن تعيش مستوى دول إفريقيا وتنفق على شراء الأسلحة بمستوى دول الخليج العربي وقدر نسبة ما تنفقه اليمن على شراء الأسلحة بـ 8 % مقارنة بالمعدل الطبيعي للدول وهو( 2-3 % ) من الموازنة وطبقاً لتقرير نشره موقع « مأرب برس » في 11 يونيو 2007 ونسبه للأمن القومي ( وتم تسريبه أثناء الجولة الثالثة من حرب صعده ) فإن التكلفة اليومية بلغت (مليارا ومائتي مليون ريال يومياً) لأكثر من (3) أشهر. وفي 20 يونيو 2008 قالت سفارة أمريكا بصنعاء: «إن التكلفة البشرية والاقتصادية جراء الصراع الدائر في محافظة صعده باهظة !!». وإذا ما أضيف إليها الجولة الرابعة والخامسة ، فإن مراقبين يرون بأن تكلفة الخمس الحروب لا تقل عن (3) مليارات دولار على الأقل .
إنه ثمن باهض للغاية ، يضاف إلى تركة ثقيلة لبلد فقير يتعين على اقتصاده احتوائها ، ومن ثم النهوض ، غير أنه ليس في طريقه إلى ذلك .
hakimi.press@gmail.com