القادم أعظم
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 4 سنوات و 3 أشهر و 8 أيام
السبت 08 أغسطس-آب 2020 07:55 م
 

لا شك أن الكثيرين يتساءلون: ماذا بعد هذا الخراب والدمار الرهيبين في المنطقة؟ ماذا بعد تدمير البلاد وتهجير العباد؟ هل انتهت موجة التخريب؟ هل بدأت الشعوب تلملم أشلاءها وتعود إلى حياتها الطبيعية ولو ببطء شديد؟ هل وصلنا إلى القاع فعلاً كي نشعر بأن الضوء أصبح في نهاية النفق؟ هل حُسمت الحروب والمعارك لصالح الذين باتوا يرفعون إشارة النصر هنا وهناك، وخاصة في سوريا؟

لسنا بحاجة أن نكون منجمين أو نقرأ الغيب حتى نعلم أن كل ما جرى حتى الآن على فظاعته وهوله أشبه بالمقبلات، وأن الوجبة الرئيسية لم تنضج بعد. قبل عقد من الزمان عندما بدأت موجة الثورات الشعبية، كانت الأوضاع أفضل من الآن بمرات ومرات، مع ذلك ضاقت بها الشعوب ذرعاً، وضحت بالغالي والنفيس من أجل الانعتاق من قبضة ما أسماه الشاعر اليمني البردوني بـ»المستعمر الوطني» وكفلائه الخارجيين. لكن النتيجة كانت أسوأ بكثير مما كانت عليه الشعوب قبل «الربيع العربي».

هل يا ترى نجحت لعبة الإقطاعي مع الفلاح؟ تذكرون تلك القصة عندما اشتكى الفلاح للإقطاعي بأنه يعيش مع أسرته الكبيرة في غرفة واحدة، وقد ضاقت بهم الغرفة، فما كان من الإقطاعي إلا أن جاء إلى الفلاح وهو يحمل معه عنزتين وديكاً، وطلب من الفلاح أن يضع معه العنزتين والديك في الغرفة حتى يعود الإقطاعي من رحلة، فتحولت حياة الفلاح في الغرفة الصغيرة إلى جحيم لا يُطاق. ثم عاد الإقطاعي بعد مدة وأخذ العنزتين والديك، وسأل الفلاح لاحقاً عن عيشته في الغرفة الصغيرة بعد أن تخلص من العنزتين والديك، فقال الفلاح: الحياة ممتازة والغرفة كبيرة ولا ينقصنا شيء والحمد لله.

ها هو العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يواجه أصعب أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث. وهذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار والعنف وسفك الدماء بالضرورة طبعاً هكذا كانت خطة الأنظمة الطاغوتية ومشغليها مع الشعوب العربية في مصر واليمن وسوريا وليبيا والعراق وتونس وكل البلدان التي تنزع إلى التحرير من ربقة الطغاة وكفلائهم.

لكن لا يمكن مطلقاً أن تنجح لعبة الإقطاعي هنا، فالأوضاع صارت تحت التحت على كل صعيد، وكثرة الضغط علمياً تؤدي إلى الانفجار خاصة عندما لا يبقى للشعوب المضغوطة شيء تخسره بعد أن خسرت في الجولة الأولى كل شيء أصلاً. لهذا علمياً لا يمكن أن نتوقع من الآن فصاعداً سوى مزيد من الانفجارات. وهذه المرة لن تبقى محصورة في بلاد الثورات، بل بالتأكيد ستمتد إلى مناطق جديدة. ويقول مروان بشارة في مقال له في موقع الجزيرة الإنكليزية: «صحيح أن المنطقة عانت الأمرين على مدى العقد الماضي، لكن المؤشرات الجديدة تؤكد على أن القادم أخطر وأسوأ».

وها هو العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يواجه أصعب أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث. وهذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار والعنف وسفك الدماء بالضرورة. هل سيحل السلام النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين أم إن الوضع مرشح للتصعيد الكارثي على ضوء السياسات الإسرائيلية التوسعية؟ هل نجحت إيران في تحقيق مشروعها الامبراطوري القومي في المنطقة، أم إنها تواجه الآن كوارث داخلية وخارجية بعد أن غرقت في أوحال المنطقة من العراق إلى سوريا فلبنان فاليمن؟ ولا شك أن ذلك سيكون له تأثيراته الرهيبة على دول المنطقة وخاصة تلك التي تسيطر عليها إيران.

هل جاء الروسي إلى المنطقة كي يصحح ما خربه الأمريكي كما يدعي الروس، أم إنه سيزيد الطين بلة بحماقاته ووحشيته الرهيبة ضد سكان المنطقة وخاصة في سوريا وليبيا؟ هل سيبقى الصراع الليبي محصوراً داخل حدود البلاد أم إنه بدأ يؤثر سلباً على الدول المجاورة كمصر وتونس وربما الجزائر لاحقا، وهذه بلدان كلها تقف على صفيح ساخن من قبل أصلاً، لهذا لا يمكن أن نتوقع فيها سوى مزيد من الانفجارات، خاصة بعد اندلاع الصراع الأثيوبي المصري حول المياه. انظروا أين كان لبنان وأين صار بعد انفجار مرفأ بيروت؟ لقد كان اللبنانيون في حالة ثورة يومية على الأوضاع الكارثية منذ شهور وشهور، فجاءت ضربة المرفأ لتزيد الدمار والخراب والعذاب أضعافاً مضاعفة. وحتى الأردن فإن النار تعتمل تحت الرماد. وتونس عروسة الربيع العربي تواجه حرباً أهلية باردة من داخل البرلمان.

وقد حذر الرئيس التونسي نفسه من أن البلاد تواجه أخطر أزمة اقتصادية وسياسية في تاريخها. ومما يزيد الطين بلة أن بلدان الخليج التي كانت تحتضن ملايين العرب بدأت تتخلص من العمالة، وتتوقع الكويت وحدها أن يغادرها أكثر من مليون ونصف مغترب مع نهاية هذا العام. ولا شك أن البعض بدأ يتحدث عن الهجرة من الخليج وليس إلى الخليج بعد تدهور الاقتصاديات الخليجية بسبب كورونا وانهيار أسعار النفط. وهذا سيحرم ملايين المصريين واللبنانيين والسوريين والأردنيين والسودانيين وغيرهم من مليارات الدولارات التي كانت ترفد اقتصاديات بلدانهم المأزومة. فكيف سيكون الوضع في تلك البلدان عندما يعود إليها ملايين المغتربين ليصبحوا عالة عليها بعد أن كانوا بمثابة رافعة اقتصادية تعيل ملايين البشر؟

ولا ننسى أن الاقتصاد السوري مثلاً الذي دمرته الحرب سيزداد سوءاً مع عودة المغتربين وبعد إغلاق بنوك لبنان في وجهه، ناهيك الآن عن فقدان الشريان الاقتصادي والتجاري الذي كان يمد بشار الأسد ونظامه بالحياة، ونقصد طبعاً مرفأ بيروت الذي تدمر عن بكرة أبيه. لا شك أن المنطقة تحتاج إلى معجزات لوقف التدهور الرهيب على كل الأصعدة، لكن زمن المعجزات قد ولى.

ولا يكفي حتى لو سقطت الأنظمة الطغيانية، فهذا لم يعد الآن حلاً بعد أن أصبحت معظم الدول على شفير الهاوية. ما الحل إذاً؟ انتظروا الموجة الثانية من الخراب والدمار. القادم أعظم.