هَزِيْمَةُ سِنْدِبَادِ الأُسْدِ.
بقلم/ عبدالسلام التويتي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 10 أيام
الخميس 06 سبتمبر-أيلول 2012 05:24 م

عجبًا إيابُكَ –يا مليكَ الغابِ- من أدغال مملكة الممالك واجما! (1)

عجبًا تقاذفُ لُجتي عينيكَ –يا رِئْبَالُ- حُزنًا عائمًا! (2)

عجبًا تجاسُر لِبوَةٍ مغرورةٍ في حضرة الأسد الهصورْ! (3)

وإذْ انتظرنا منك تغضبُ –يا غضنفرُ- أو تثورْ! (4)

أو تزأرنَّ مُجاوزًا بصدى الزئير مسامعَ الأحياء إلى أسماعِ أصحاب القبورْ!

نلفى الهِزبرَ مُوادعًا ومهادنًا ومسالما! (5)

عجبًا تجاهلُكَ الغبيُّ وجودَ أهلٍ بل وصَحْبٍ مُخلَصين

كانوا وما زالوا -برغم دناءة الدنيا- هم الحصنَ الحصين!

عجبًا تجاهلُ دورهم، إذْ ما يزال مع المدى مُتعاظِما!

عجبًا تجاهلُك التماعةَ فرقد المستقبل المنشود في كَبِدِ السما!

عجبًا تجاهلُكَ المُمَنْهجُ – يا فَدَوْكَسُ- حاضرًا مُتبسِّما! (6)

ولعل أعجب منه أن تبقى على ماضٍ تناسته اللبُوْءَة –يا مُجهجهُ- نادما! (7)

عجبًا رجوعُكَ مُنهكًا –يا سندبادَ الأسْدِ- ترتشف الظمأ!(8)

وبهيئةٍ لم تُوحِ أنك تستطيع الذبَّ عن أهل الحِمى!

ولعل أعجب منه أن أصبحت مهزومًا وكنت الهازما!

بل إنَّ أعجب ما اقترفته –يا هزبر- مُجدَّدا

ثوران بعضك ضدَّ بعضك مُزبِدًا متوعِّدا!

ها أنت تستلُّ الحسام بوجه ذاتِكِ –يا هُرَامِسُ- مُصْلتًا مُتجرِّدا! (9)

ها أنت تزأر يا هصور زئيرَك المتفرِّدا!

لكن بلا جدوى زئيرُك في الفلاةِ، فلن تُخوِّف –يا مُجَالِحُ- أحَّدا (10)

كلاَّ ولن تسطيع تسطير البطولة من جديدٍ أو تُعِيدَ السؤددا (11)

قد ضاع حلمك جملةً وتبدَّدا

في حين أنك ما تزال -لهول ما لاقيته- مُتذبذبًا مُترددا

هوِّن عليك، وعِشْ حياتكَ –يا عَرَنْدَسُ- مثلما الشبل الطروبْ (12)

فلقد تقلَّبت القلوبْ

ولقد تباينتِ المسالكُ والدروبْ

حتى استحالت جُلُّ أفراح الأنام إلى خُطوبْ

هوِّن عليك، فقد غدا القلب الطريُّ الغضُّ صخرًا جلمدا

صالحْ جوارحَكَ التي ما إن تُشِرْ حتى تُلبِّيَ باشتياقٍ والتياعْ

ضاعف مسرَّتها بإيحاءٍ بأنَّكَ أنت –ليس سواك- سيِّدَها المُطاعْ

وارفق بذاتكَ -يا فرانِقُ- إن ذات المرء محضُ ودِيعةٍ (13)

في حين لست بجاهلٍ: أن الوديعة لا تُضيَّعُ-يا هُرَاثِمُ- أو تُباعْ (14)

واحذر تُكلِّف -يا فُرَاضَةُ- أيَّ مرؤوسٍ بما لا يُستطاعْ (15)

وحذار ثم حذار أن تغدو –نتيجةَ نُصرة الطغيان- من سِقط المتاعْ

أولست تدري -يا ضَمَاضِمُ- أنما الدنيا بزخرفها مُقدَّسةُ الرِّعاعْ (16)

وحياة أهليها -لأجل متاعهم- فيها صِراعْ

والناس كلُّ الناس ما بين انخفاضٍ –يا ضُويغمُ- وارتفاعْ (17)

والله وحده لا سواه هو المهيمن –جلَّ شأنهُ- والمُطاعْ؟ ـ

• هوامش:

(1) مليكَ الغابِ: كناية عن الأسد، في الوقت الذي تعتبر عند البعض أحد أسمائه.

(2) الرِئْبَالُ: من أسماء الأسد، ويتضمن الدلالة على شدة جرأته.

(3) لِبوة: اختزال لـ(لبوءة)، وهي أنثى الأسد. والهصور: صفة من صفات الأسد، وهي أدلُّ صفاته على شدته البالغة حدَّ ليَّ عظام الفريسة وتكسيره.

(4)، (5)، (6)، (7) غضنفرُ، هزبرُ، فَدَوْكَسُ، مُجهجهُ: أسماء من أسماء الأسد، الغضنفرُ يتضمن الدلالة على شدة الغلظة والجفا، بينما يتضمن الهزبرُ الدلالة على شدة الصلابة والوثوب، والفدوكس دلالة على الشدة وقيل على الغلظة والجفا، أما الجهجهةُ فتدل على ما يحدث صوتة المزلزل من إرعاب لفريسته.

(8) سندبادَ الأسْدِ: كناية عن تميزه عنها بكثرة الترحال.

(9)، (10) هُرَامِسُ، مُجَالِحُ: اسمان من أسماء الأسد كذلك، والهُرَامِسُ يدل على شدته في دقِّ العظام، بينما تدل سمية مجالح على شدة الضراوة.

(11) تسطيع: اختزال للفعل تستطيع.

(12)، (13) (14)، (15)، (16) عَرَنْدَسُ، فُرانِقُ، هُرَاثِمُ، فُرَاضَةُ، ضَمَاضِمُ، الرِّعاع: الخمس الكلمات الأولى هي أسماءٌ من أسماء الأسد أيضًا، وتدل كلمة عَرَنْدَسُ على الشراسة، بينما تدل تسمية فُرانِقُ على السرعة في مطاردة الفريسة. أما كلمة الرِّعاعْ: فيُقصد بها سفلة القوم.

(17) ضُويغِمُ: تصغير ضيغم الذي هو أحد وأشهر أسماء الأسد، والمقصود من إيراد بصيغة التصغير مداعبة المخاطب والتسرية عنه من ناحية، والتقليل من شأن الدنيا في عينه من ناحية ثانية