سقوط فرعون مصر يومٌ من أيام الله.. مقاومة الطاغوت
بقلم/ حارث الشوكاني
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 09 فبراير-شباط 2011 05:30 م

الإسلام وكافة أديان السماء تنـزّلت على البشر لتغير أحوالهم من النقمة والشقاء إلى النعمة والرخاء {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

ولما كانت حياة النعمة والرخاء لا تتم للناس في ظل أنظمة سياسية استبدادية طاغوتية جعل الله مهمة الرسل عليهم السلام وأديان السماء عبر التاريخ البشري هو مقاومة الطاغوت واجتنابه (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).

ومما يؤكد أهمية مقصد اجتناب الطاغوت في المنظور السماوي وأديان السماء أن جعل الله مقصد التوحيد والعبودية لله بمثابة ثورة تحررية سياسية واجتماعية لاجتناب حكم الطاغوت وولايته الجائرة الظالمة (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).

ويتعزز هذا الفهم الذي يؤكد المضمون الثوري التحرري لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) أن كلمة التوحيد جاءت مركبة من نفي ( لا إله ) ثم إثبات ( إلا الله ) ذلك أن المدرك لفلسفة التغيير وسننه ومراحله سيعلم أن أي حركة تغييرية وثورة تحررية لا تتم إلا عبر مرحلتين هامتين :-

- مرحلة النفي والهدم لحكم الطاغوت والاستبداد.

- ثم الإثبات للنظام السياسي والاجتماعي العادل .

فجعل الله كلمة التوحيد مركبة من النفي والإثبات معاً ( لا إله ) ( إلا الله ) ليؤكد لنا أن العبودية لله لا تتم إلا عبر التحرر أولاً من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}آل عمران64، ثم بعد النفي لحكم الطاغوت واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان يكون الإيمان بالله .

ويتعزز هذا الفهم لكلمة التوحيد كلمة الحرية ( لا إله إلا الله ) القائمة على النفي أولاً لحكم الطاغوت ثم إثبات الإيمان بالله بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن بقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }البقرة256.

فصريح هذه الآية قد جعل شرط الإيمان بالله النفي أولاً للطاغوت والكفر به (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) ثم إثبات الإيمان بالله (وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ).

وبهذه الدلالات القرآنية القطعية الدلالة يتضح لنا أن عقيدة التوحيد وأديان السماء والإسلام إنما تنـزلت على البشر رحمة لهم لتطلق ثورة تحررية سياسية واجتماعية تخرجهم من ظلمات الأنظمة السياسية الاستبدادية الطاغوتية إلى نور النظام السياسي الإلهي العادل {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) .

أيام الله

ومصطلح الخروج من الظلمات إلى النور هو مقصد قرآني يقصد به التحرر من حياة العبودية والاستضعاف والذل إلى حياة الحرية والكرامة والعزة بدليل ورود هذا المصطلح في سياق الحديث عن موسى عليه السلام وحركته الثورية التغييرية لإخراج قومه من ظلمات العبودية والطاغوت الفرعوني إلى نور الحرية والكرامة يقول الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }إبراهيم5.

ففي هذه الآية جاء التوجيه الإلهي لموسى بأن يُخرج قومه من الظلمات إلى النور أي يخرجهم من حياة العبودية إلى الحرية والكرامة ثم وصفت الآية عملية الخروج والتحرر بأنها أيام الله، أي أن أيام الله هي أيام الخروج للتحرر من الطاغوت والاستبداد وإقامة النظام السياسي والاجتماعي الإلهي العادل.

وعلى نسق هذا المصطلح القرآني (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ) أطلقت على عنوان مقالي (سقوط فرعون مصر أيام من أيام الله ).

إلى أبناء مصر

فاخرجوا يا أبناء مصر في مظاهرات حاشدة واخرجوا يا أبناء مصر في ثورة شعبية هي واحدة من أعظم الثورات في العصر الحديث وأعلنوا لهذا الطاغية الشق الأول من كلمة التوحيد (لا) التي لا يتم الإيمان بالله إلا بها لأن مقتضيات الحرية أن يجهر الحر بكلمة (لا) أما العبد فيقول دائماً (نعم نعم) فأول مظاهر الحرية هو إعلان الرفض والنفي لحكم الطاغوت وأعلموا أن تحرركم من هذا الطاغية المستبد ليس شرطاً لإصلاح دنياكم بل شرطاً لإصلاح دنياكم وأخراكم فقد أوضحت لكم بأدلة قاطعة بأن التحرر من الطاغوت السياسي والاجتماعي هو الشرط الأول لإثبات عقيدة التوحيد وأن المؤمن لا يجتمع في قلبه الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله لمن فهم المعنى الحقيقي لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) فكلمة التوحيد بخلاف الفهم التقليدي الذي هو أثر من آثار ثقافة عصور الانحطاط كلمة لا تقال بلسان المقال فحسب بل لابد أن تقال بلسان المقال ولسان الحال، ولسان الحال هو الخروج وإعلان الثورة والرفض لحكم الطاغوت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }.

وأيام الخروج هذه لإعلان الرفض والكفر بحكم الطاغوت هي أيام الله أيام التغيير لما في نفوسنا من ذل وخوف بالعزم على ترديد كلمة النفي (لا) التي لا يرددها إلى الأحرار لا للطاغية لا لحسني مبارك لا للفرعون، وإذا غيرنا ما في نفوسنا التي ألفت على ترديد كلمة (نعم نعم) للطغاة والفراعنة خوفاً على نفوسنا ومصالحنا غيّر الله أحوالنا وأنزل نصره علينا وأخرجنا من ولاية الطاغوت الظالمة (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) إلى النظام السياسي الإلهي العادل (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ).

والنظام السياسي الإلهي العادل هو النظام الشوروي الديمقراطي (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) أمر دولتهم وسلطتهم شورى بينهم أي أن أمر الدولة حق للأمة وليس للطاغية والمستبد وهذا الحق لا يتم إلا عبر مشاورتهم في إختيار قياداتهم عبر بيعة شرعية وإنتخابات حرة ونزيهة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}النساء59، فالآية قالت (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) أي ولاية أمر وسلطة سياسية منبثقة عن المؤمنين وعموم الأمة والشعب عبر الشورى ولم يقل (وأولي الأمر فيكم) أي أولياء الأمر المفروضين عليكم فلا وصاية في الدين ولا حق إلهي مزعوم وليس هناك سلطة دينية مقدسة وإنما شريعة مقدسة {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }الأعراف3.

مدنيّة السلطة في الإسلام

فالسلطة الإسلامية سلطة مدنية لا قداسة لها، فليس هناك رجال دين مقدسين {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}التوبة31، وإنما أمراء وعلماء محكومون بالشريعة المقدسة لا حاكمون عليها، مقيدين بثلاثة قيود تمنعهم عن الطغيان:

- قيد الشريعة المقدسة.

- قيد الشورى والديمقراطية والإختيار الحر للأمة.

- وقيد الرقابة الشعبية {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}النساء59.

فإذا إنتفت الولاية الطاغوتية (ولاية الطاغوت) وقامت الولاية الإلهية (ولاية العدل) (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) خرج الناس من الظلمات إلى النور (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)، من ظلمات العبودية والفقر والشقاء إلى نور الحرية والغنى والنعمة ({الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268.

فدين الله ونظامه السياسي هو دين النعمة والعمل به يؤدي إلى حياة الأمن والاستقرار والرفاة الاقتصادي والغنى، والكفر بنعمة الدين الإلهي يؤدي إلى الأزمات الاقتصادية والجوع، والأزمات الاقتصادية تؤدي إلى انعدام الأمن والاستقرار وحالة الخوف وصدق الله العظيم القائل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) .

وأبشّر أبناء الشعب المصري بأن سقوط الأنظمة الطاغوتية الظالمة سنة إلهيه وحقيقة قرآنية وتوراتية وإنجيلية .

فالعدل هو قانون قيام الدول والحضارات والظلم هو قانون سقوطها وانهيارها وصدق الله العظيم القائل {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102.

{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ }الأنبياء11.

{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}الحج45 .

وكما أن سقوط الفراعنة والطغاة حقيقة قرآنية متى غيّر الناس ما بأنفسهم وخرجوا لإعلان الرفض لحكم الطاغوت عبر ثورة شعبية سلمية أو عبر الثورة المسلحة {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }النساء75، فهذه هي الشرعية الثورية لاقتلاع ولاية الطاغوت وحكمه.

علم وأدب الثورات

ولكل مجتمع ما يناسبه وإن كان القرآن قد إعتبر الثورة السلمية عبر الخروج وإعلان الموقف الرافض لحكم الطاغوت هي الأساس وهناك علم يسمى علم الثورات أو أدب الثورات يمكن لقيادات التغيير أن تتعمق فيه وتختار الوسيلة المناسبة بحسب الزمن والمكان.

ومن بعد الشرعية الثورية النافية لحكم الطاغوت وولايته تأتي الشرعية الدستورية عبر الإحتكام إلى شرع الله (القرآن) دستور المسلمين {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }المائدة49

وكما أن سقوط الطغاة والفراعنة حقيقة قرآنية هي حقيقة توراتية وإنجيلية أيضاً بدليل قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) .

فكل رسالات السماء جاءت وجعلت مقصدها الأعظم هو اجتناب الطاغوت والكفر به كشرط من شروط التوحيد والعبودية لله .

نبوءات التوراة والإنجيل

ونجد في التوراة نبؤة وعلم غيب تشير إلى سقوط فرعون مصر، والتوراة في الحقيقة معظم ما فيها هو علم غيب ونبوءات تتعلق بآخر الزمان كأحاديث الفتن في كتب السنّة وهذه النبوءات وعلم الغيب هي مواكبة لظهور المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهذا أمر يعلمه المسيحيين واليهود ( نبوءات التوراة والإنجيل ) ولا يعلمه الكثير من المسلمين والحقيقة أن القرآن الكريم قد زكى هذه النبوءات وعلم الغيب الموجودة في صحف موسى (التوراة) بقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى{33} وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى{34} أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى{35} أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى{36}).

 ومن هذه النبوءات نبوءة تتعلق بسقوط فرعون مصر جاء فيها {يا ابن ادم اجعل وجهك نحو فرعون ملك مصر و تنبأ عليه و على مصر كلها* 3 تكلم و قل هكذا قال السيد الرب هاأنذا عليك يا فرعون ملك مصر التمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره الذي قال نهري لي و انا عملته لنفسي* 4 فاجعل خزائم في فكيك و الزق سمك أنهارك بحرشفك و أطلعك من وسط أنهارك و كل سمك أنهارك ملزق بحرشفك* 5 و أتركك في البرية أنت و جميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع و لا تلم بذلتك طعاما لوحوش البر و لطيور السماء* 6 و يعلم كل سكان مصر أني أنا الرب من اجل كونهم عكاز قصب لبيت إسرائيل 7 عند مسكهم بك بالكف انكسرت و مزقت لهم كل كتف و لما توكأوا عليك انكسرت و قلقلت كل متونهم* 8 لذلك هكذا قال السيد الرب هاأنذا اجلب عليك سيفا و استأصل منك الإنسان و الحيوان } حزقيال 29.

فلو تأملنا هذا النص التوراتي لوجدناه يؤكد عدة حقائق هامة هي :-

1. سقوط الفرعون (و أتركك في البرية أنت و جميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع و لا تلم بذلتك طعاما لوحوش البر و لطيور السماء).

2. مسؤولية الفرعون عن الفوضى وأحداث الشغب التي استهدفت أبناء مصر الثائرين الأحرار (عند مسكهم بك بالكف انكسرت و مزقت لهم كل كتف).

3. إدانة التوراة لاتفاقية السلام ووصف فرعون مصر بأنه عكاز بيت إسرائيل (و يعلم كل سكان مصر أني أنا الرب من اجل كونهم عكاز قصب لبيت إسرائيل).

المسيحيون يقرأون بعيون يهودية

لكن مشكلة الساسة الأمريكيين من العناصر البروتستانية الإنجيلية أنهم يقرءون نبوءات التوراة والإنجيل بعيون يهودية لا بعيون مسيحية، ومن أراد أن يفهم ويقرأ نصوص الكتب السماوية قراءة صحيحة فعلية أن يعتمد في أسلوب التفسير منهجية تفسير النص بالنص لا تفسير النصوص بفهوم الأحبار والرهبان (هذه الشهادة صادقة فلهذا السبب وبّخهم بصرامة لكي يكونوا أصحاء في الإيمان* 14 لا يصغون إلى خرافات يهودية ووصايا أناس مرتدين عن الحق* 15 كل شيء طاهر للطاهرين و أما للنجسين و غير المؤمنين فليس شيء طاهراً بل قد تنجس ذهنهم أيضا و ضميرهم* 16 يعترفون بأنهم يعرفون الله و لكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين و من جهة كل عمل صالح مرفوضون*) الإنجيل / رسالة بولس إلى تيطس (1).

وإذا أردنا أن نعرف حقيقة الكتب السماوية في هذا الأمر وسبب إدانة التوراة في هذا النص لفرعون مصر لمناصرته لبيت إسرائيل فعلينا أن ندرك القاعدة الهامة في حصول النصرة الإلهية وهي: أن وحي السماء والكتب السماوية تنحاز دوماً للمستضعفين ضد المستكبرين وللمستعبدين ضد الطواغيت والظلمة، وعلى هذه القاعدة دارت النصرة الإلهية للأمم والشعوب عبر التاريخ وصدق الله العظيم القائل: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {4} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6} القصص.

نصرة المستضعفين والمستعبدين

فهذه الآيات البينات أوضحت بجلاء ذم الوحي الإلهي للاستعلاء والكبر الفرعوني وأن إرادة الله عبر التاريخ هي نصرة المستضعفين والمستعبدين والتمكين لهم وإعطائهم حقوقهم السياسية والاجتماعية {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5 .

 فالله سبحانه وتعالى إنحاز لبني إسرائيل ومنّ عليهم عندما استضعفوا واستعبدوا من قبل فرعون، ولذلك أخذ الله على بني إسرائيل العهود والمواثيق بأن لا يمارسوا الفساد على الطريقة الفرعونية وأن يعاملوا الغرباء والمستضعفين كمعاملة أنفسهم وهددهم بأنهم إذا فسدوا ومارسوا الاستعلاء والكبر على الآخرين وظلموا الناس بأنهم سيصيبهم الشر لأنه الله سبحانه وتعالى لا يحابي أحداً.

ونجد اليهود اليوم يمارسون الظلم والاضطهاد على الفلسطينيين وكان الواجب عليهم أن يعاملونهم على الأقل كالغرباء مع أن الغرباء هم اليهود وليس الفلسطينيين ولنتأمل هذه النصوص التوراتية:

- (لا تضطهد الغريب و لا تضايقه لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر) الخروج21.

- (كالوطني منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم و تحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء في ارض مصر أنا الرب إلهكم) اللاويين.

وهذه نصوص توراتية مصدقة لما جاء في القرآن بأن نصرة الله لا تكون إلا للمستبعدين والمستضعفين :-

- {وقال موسى للشعب: اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فإنه بيد قوية أخرجكم الرب من هنا}سفر الخروج (13-3 ).

- (فاحترز لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية) التثنية (6-12).

فساد اليهود الأول والثاني

لكن نصوص التوراة تؤكد لنا أن بني إسرائيل قد أفسدوا في الأرض مرتين:

- الأولى في زمان موسى بعد خروجهم من أرض مصر.

- والمرة الثانية أخبرتنا التوراة على لسان موسى بأن بني إسرائيل سيفسدون من بعد موسى في آخر الأيام وأنه سيصيبهم الشر، وآخر الأيام المقصود بها عصرنا هذا.

كما أكد موسى عليه السلام بأن التوراة ستكون في آخر الزمان شاهدة على اليهود وفسادهم لا شاهدة لهم، ونجد نصوص التوراة والقرآن يصدق بعضها بعضاً على فساد بني إسرائيل زمان موسى بعد خروجهم من أرض مصر، وفسادهم بعد موت موسى في آخر الزمان (وعد الآخرة).

أما فسادهم الأول بعد خروجهم من أرض العبودية أرض مصر فقد أكدته التوراة في عدة نصوص كالتالي:-

- (فقال الرب لموسى اذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من ارض مصر) الخروج 32-7.

- {قال الرب لي قم انزل عاجلا من هنا لأنه قد فسد شعبك الذي أخرجته من مصر زاغوا سريعا عن الطريق التي أوصيتهم صنعوا لأنفسهم تمثالا مسبوكا} التثنية9-12.

- {لقد أفسدنا أمامك و لم نحفظ الوصايا و الفرائض و الأحكام التي أمرت بها موسى عبدك}نحميا1-7.

- {زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به صنعوا لهم عجلا مسبوكا و سجدوا له و ذبحوا له و قالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر} الخروج32-8.

وجاءت نصوص القرآن مصدقة لما في التوراة عن فساد بني إسرائيل زمان موسى إثر خروجهم من مصر وعبادتهم للعجل .

- {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} الأعراف148.

- {وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} البقرة92.

وأما ما جاء عن فساد بني إسرائيل بعد موت موسى في زمان وعد الآخرة بالتعبير القرآني أو آخر الأيام بالتعبير التوراتي وعن تأكيد موسى عليه السلام بأن الشر سيصيب بني إسرائيل على فسادهم وظلمهم فقد جاء في التوراة ما يلي :-

{ فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها* 25 أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلا* 26 خذوا كتاب التوراة هذا و ضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدا عليكم* 27 لأني أنا عارف تمردكم و رقابكم الصلبة هوذا و أنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحري بعد موتي* 28 اجمعوا إلي كل شيوخ أسباطكم و عرفاءكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات و اشهد عليهم السماء و الأرض* 29 لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون و تزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به و يصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم} التثنية31/ 24-29.

تابوت الشهادة والمجيء الثاني للمسيح

فهذا النص التوراتي يؤكد بأن التوراة شاهدة على بني إسرائيل لا شاهدة لهم، ولأهمية هذه الشهادة على بني إسرائيل أطلقت التوراة على التابوت تابوت الشهادة (16 و تضع في التابوت الشهادة التي أعطيك) الخروج 25، وهذا التابوت ذُكر في التوراة والقرآن والإنجيل، حيث ورد عن التابوت في القرآن: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }البقرة248، فهذه الآية ذكرت التوراة والتابوت وأكدت حمل الملائكة له، كما ورد ذكر التابوت في الإنجيل وفي سياقه جاء ذكر المسيح عليه السلام حيث ورد في سفر رؤيا يوحنا: (19و انفتح هيكل الله في السماء و ظهر تابوت عهده في هيكله و حدثت بروق و أصوات و رعود و زلزلة و برد عظيم) الإصحاح (11).

وفي هذا السياق أشار الإنجيل إلى ظهور آية في السماء إمرأة متسربلة بالشمس والقمر وأن هذه المرأة حبلى تمخض (فولدت ابنا ذكرا عتيدا ان يرعى جميع الامم بعصا من حديد) رؤيا يوحنا 12/5.

ومن المعلوم لدى المسيحيين أن المقصود بهذا المولود المسيح عليه السلام، والدليل على أن المقصود به المسيح بمنهجية تفسير النص بالنص ما ورد في نفس سفر الرؤيا الإصحاح (19): (ثم رأيت السماء مفتوحة و إذا فرس أبيض و الجالس عليه يدعى أميناً و صادقاً و بالعدل يحكم و يحارب* 12 و عيناه كلهيب نار و على رأسه تيجان كثيرة و له اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو* 13 و هو متسربل بثوب مغموس بدم و يدعى اسمه كلمة الله* 14 و الأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا أبيض و نقيا* 15 و من فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم و هو سيرعاهم بعصا من حديد)

فكلمة الله هو المسيح أما المقصود بعصاه التي يرعى بها الأمم فقوة حجته وبيانه بدليل ما ورد في النص (ومن فمه يخرج سيف ماض يضرب به الأمم)

كما أكد موسى عليه السلام بأن الشر سيصيب بني إسرائيل في آخر الأيام زمان وعد الآخرة.

القرآن يُصدّق ما جاء في التوراة والإنجيل

والقرآن جاء مصدقاً لما في التوراة عن فساد بني إسرائيل زمان موسى وعن فسادهم في آخر الأيام زمان وعد الآخرة، وجعل القرآن علامة زمان وعد الآخرة والشر الذي سيصيب بني إسرائيل آخر الأيام عند مجيئهم لفيفاً إلى فلسطين ، ولنتدبر هذه النصوص القرآنية في قوله تعالى :-

(وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً{2} ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً{3} وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً{4} فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً{5} ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً{6} إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً{7}) الإسراء.

فنجد في هذا النص القرآني التصديق لما في التوراة من فساد بني إسرائيل مرتين زمان موسى بعبادتهم العجل وعن فسادهم آخر الزمان زمان وعد الآخرة، وأما علوهم الأول فلا أريد تفصيله لأنه يطول شرحه، لكن المهم هو وعد الآخرة المذكور في القرآن ونجد فيه التطابق المدهش مع التوراة عندما أشار موسى إلى أن الشر سيصيب بني إسرائيل آخر الأيام بسبب فسادهم وهو زمان وعد الآخرة، بقول موسى: (لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون و تزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به و يصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم} التثنية31) .

وجعل القرآن علامة وعد الآخرة هو اجتماع بني إسرائيل في فلسطين في قوله تعالى: (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً{104} وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً {105} وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً{106} قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً{109}) الإسراء.

نزع بشارة التوراة عن اليهود

كما أن المسيح في الإنجيل قد أكد نزع بشارة التوراة عن اليهود وإعطائها لأمة تصنع ثمرة الرب (لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم و يعطى لأمة تعمل أثماره) متى 21/43، كما أكد المسيح بأن الله قد جعل خلاصه في غير اليهود: (فليكن معلوماً عندكم أن الله أرسل خلاصه هذا إلى غير اليهود من الشعوب وهم سيستمعون إليه) [أعمال الرسل 28/28]، وكذا ما ورد في إنجيل متى الإصحاح 20 : (فهكذا يصير الآخرون أولين والأولين آخرين).

وقد أكد القرآن أن بشارة التوراة والإنجيل في آخر الزمان هي في محمد (ص) وأتباعه وأن المسيح سيظهر آخر الزمان كواحد من أتباع محمد (ص) بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29.

فهذه الآية أوضحت أن الموصوفون في التوراة والإنجيل هم محمد والذين معه واختزلت هذا الوصف في مثل الزارع، ومن المعلوم أن مثل الزارع في الإنجيل يقصد به المسيح بما يؤكد خروج المسيح آخر الزمان مناصراً للمسلمين، والدليل على أن مثل الزارع موجود في الإنجيل بما يطابق ما ورد في القرآن ما جاء في إنجيل متى (13): (فكلمهم كثيرا بأمثال قائلا هوذا الزارع قد خرج ليزرع)، وعندما سأل التلاميذ المسيح عن سبب كلامه بأمثال وتعابير مجازية قال لهم المسيح: (لأنه قد أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات و أما لأولئك فلم يعط* 12 فان من له سيعطى و يزاد و أما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه).

أما الدليل بأن المقصود بمثل الزارع هو المسيح إبن الإنسان ما ورد في إنجيل متى (حينئذ صرف يسوع الجموع و جاء إلى البيت فتقدم إليه تلاميذه قائلين فسر لنا مثل زوان الحقل* 37 فأجاب و قال لهم الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان* 38 و الحقل هو العالم و الزرع الجيد هو بنو الملكوت و الزوان هو بنو الشرير* 39 و العدو الذي زرعه هو إبليس و الحصاد هو انقضاء العالم و الحصّادون هم الملائكة)

بعد هذا البيان بنصوص توراتية معززة بنصوص قرآنية يتضح لنا بجلاء انه لا غرابة من إدانة فرعون مصر في التوراة لكونه أصبح عكازاً لبيت إسرائيل في آخر الزمان لأن التوراة قد أكدت هذا بنبوءة أخرى نبوءة موسى السالفة والمؤكدة أن التوراة شاهدة على اليهود لا شاهد لهم بما يؤكد أن الساسة الأمريكان يقرأون التوراة بعيون يهودية لا بعيون المسيح عليه السلام كما أكدت التوراة والقرآن على أن الشر سيصيب بني إسرائيل لفسادهم وما قاموا به من استعلاء وشر في فلسطين وفي غيرها. فادعوا القيادات الأمريكية لتعديل مواقفهم السياسية بموجب هذه الإدانة الإلهية لفرعون مصر ولبني إسرائيل.

اليمن ليست مصر ولا تونس

هذه وجهة نظر تتعلق بما يجري اليوم في مصر مستندة إلى نصوص القرآن والتوراة.

أما اليمن فليست مصر وليست تونس ووضعه السياسي معقد لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، فالمفارقة في اليمن أن أحزاب المعارضة وقعت في شراك اللوبي الإمامي العنصري وأصبحت مطالبهم السياسية تستهدف وحدة اليمن عبر المطالبة بفيدرالية تنقل اليمن من ديمقراطية الأحزاب إلى ديمقراطية الدويلات الطائفية حيث أصبح أهم مطالبهم إلغاء دولة اليمن الواحدة (السلطة التشريعية – والسلطة التنفيذية – والسلطة القضائية) وإقامة دويلة في كل محافظة ومديرية يكون لها حكومة محلية (سلطة تنفيذية) وبرلمان محلي (سلطة تشريعية) ومحاكم خاصة (سلطة قضائية).

كما أن المفارقة في اليمن أن الدولة تطالبهم بالإنتخابات وهم يرفضونها، والموقف الواعي من المعارضة كان يقتضي الحرص على الديمقراطية والإنتخابات ولو اعتورتها بعض الأخطاء، لأن أخطاء الإنتخابات في اليمن لم تصل إلى حد يستوجب رفضها تماماً بدليل عدد المقاعد والأصوات التي يحصل عليها الإصلاح والمشترك، وكان الأولى بالمعارضة الحرص على التجربة الديمقراطية والإنتخابات في اليمن لأنهم المستفيد الأول منها ورعاية هذه التجربة الوليدة حتى تنمو وتترعرع لأن الصبر على سلبيات الديمقراطية والإنتخابات خير من إيجابيات الدكتاتورية والإستبداد، وكان الأولى بالمعارضة التركيز على الفساد ووضع خطة لتداركه، لا جعل الفساد مبرراً لضرب الوحدة اليمنية.

ومن هذه الزاوية أدعو قيادات المعارضة إلى التعقل وإلى وضع برنامج إقتصادي وخطة إصلاح إداري لإنقاذ الشعب اليمني من الأوضاع الإقتصادية المتردية وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع المؤتمر، فوضع اليمن السياسي يحتاج إلى شراكة بين السلطة والمعارضة لا إلى إلغاء أحدهما للآخر كما يحصل في تونس ومصر شريطة التخلي عن مطالبهم السياسية المستهدفة للوحدة اليمنية.