ما بين الدعوة إلى النجاة، والدعوات إلى النار
بقلم/ د.عمر ردمان 
نشر منذ: سنة و 6 أشهر و 18 يوماً
الأحد 30 إبريل-نيسان 2023 05:51 م
 

على مدار ثلاثة عقود أحاطت إيران بنفط الخليج من عدة اتجاهات، ولم يتبق أمامها لإحكام دائرة الحصار سوى إبرام مزعوم اتفاق سلام في اليمن يمنح مليشيا الحوثي مشروعية البقاء ككيان مسلح معترف به.

. لا تتحرك إيران بمفردها في هذا الاتجاه، بل يتم استخدامها كجرو ذئب تم تنميره من قبل القوى الدولية التي سهلت له مد ذيوله الناطقة بلغة العرب وتسمينها لنهش جزيرة العرب وإخضاع دولها لسياسات الاستعمار في شكله الجديد.

وتقع السعودية في بؤرة الاستهداف المركزي في المنطقة لما تمثله من مركزية روحية، ورأس حربة سنية، وثقل اقتصادي، لذلك أطلق المستعمر الجديد جٍراءه التي تتناوب استنزاف السعودية وتفتيت حزامها الصاد عنها؛ تارة بالصراعات الباردة، وتارة بحرائق الحرب، وتارة ثالثة بمشاربع السلام المغشوش. ولا تقف مخططات الاستهداف والاستنزاف عند الهيمنة على النفط فحسب بل تتجاوزها إلى ما تنطوي عليه من غايات الاستهداف الثقافي والاجتماعي والسياسي في ثنايا إشاعة الفوضى الممهدة لتقسيم الدول وإعادة تشكيلها على أسس مذهبية وعرقية وطائفية كدويلات تحكمها الأسر

الهاشمية تنفيذاً لالتزامات الاتفاق التاريخي بين طرف التآمر وطرف الخيانة منذ مطلع سبعينات القرن المنصرم. ينبغي أن يدرك الأشقاء في السعودية أن الشعوب العربية الحرة تقف جميعها في مواجهة هذا المخطط الاستعماري كحلقات سلسلة مترابطة تمثل السعودية حلٓقتها الأولى؛ وإن تخلت عن أدوار موقعها القيادي وهادنت الأدوات الوظيفية لهذه الحرب الشاملة التي لا تستهدف الشعوب العربية لذاتها فحسب؛ فلن تصيب كرة النار شعوب بلدان الحرب بشيء أكثر مما قد أصابها خلال السنوات العشر الماضية، فقد أكتسبت قدرة على الصبر والتكيف مع جميع أشكال النضال الذي يحقق مصالح أوطانها الصغيرة في بيئاتها المحلية، لكن لا يمكن لأي منها أن تتولى قيادة المعركة الشاملة نيابة عن قيادتها المركزية المفترضة، التي ستظل في بؤرة الاستهداف الخبيث.

ورغم أن جذوة الدفاع عن كرامة الشعوب وهوية العرب ومقدسات الأمة لن تخبو في نفوس الأحرار، لكنهم لن يستطيعوا العودة إلى واجب المعركة في إطارها العربي الكبير ضد مشاريع الهيمنة الدولية والطموحات الفارسية إلا إذا عادت قيادتها المركزية، أو إذا توفرت قيادة مركزية بديلة قادرة على تأطير

الدول وشعويها وقواها السياسية والاجتماعية من جديد. ما حدث لدينا في العام 2014م يمثل نموذجاً ثابتاً في سنن الحياة وحركة المجتمعات، فحينما غابت عن مسؤولياتها قيادة الدولة المعنية بالدفاع عنها، لم يكن لأحد أن يتولى دور قيادة المعركة نيابة عن قيادتها المسؤولة دستوريا، وكانت تلك القيادة التي خذلتها حساباتها الخاطئة هي من خسرت نفسها وشعبها وكرامتها ومقدرات دولتها وأمن ومصالح جوارها، بسبب ما خربته الفئران التي سمنت بسلاح الدولة وأموال السحت ومواقف المهادنة والخيانة.

وإذا ما سحبنا هذه التجربة المحلية لاستشراف مستقبل تكرارها في مستويات إقليمية فإن الكارثة ستكون أكبر والخسارة أفدح، وزمن المأساة أطول وكلفة فاتورتها أكبر، ما لم تبادر السعودية بإحاطة نفسها بحلفاء صادقين يتشاركون معها الأهداف والمخاوف والمصالح بعيداً عن حسابات عقود التضليل والخداع الكبير.

وعلى المستوى اليمني فإن أي توجهات نحو فرض سلام مغشوش في اليمن لا يلبي تطلعات الشعب ونضالاته، وتعطيل المقومات التي تم إنجازها خلال السنوات الماضية من بناء القوى والتشكيلات العسكرية المفترض بها مناهضة الحوثيين وتجميعها في مجلس قيادة واحد؛ وإذا لم يتم استثمار هذا الإنجاز عملياً في فرض السلام العادل والمستدام بإنهاء المشروع الإيراني وانهاء الانقلاب واستعادة الدولة؛ إذا لم يتم ذلك الآن فليس من المستبعد أن غالبية هذه التشكيلات الممولة ستتحول إلى فائض قوة خارجة عن الجاهزية؛ إن لم تتحول إلى صف الحوثيين مستقبلاً نتيجة ضعف عقيدتها القتالية التي نشأت عليها، وغياب مشروع التحرير الوطني الشامل، ويدافع اليأس ومشاعر الخيبة، وتحت مزاعم السلام والتعايش في الاطار اليمني اليمني، وتحت استقطاب مشاريع إيران ودول الضرار التي ستتخطف الأضواء وتخطف الإمكانات، وما تم إنجازه في سنوات قد يتطلب إنجازه من جديد عقودا طويلة. وإذا كانت هذه التبعات التي نتجت والتي ستنتج عن تجربة مأساتنا اليمنية، فكيف إن تكررت التجربة على مستويات إقليمية أوسع؟ وأين بصيرة وبصائر وتدابير عقول الحكماء؟