نظام الانتخابات بالقائمة النسبية..بين تعزيز الديمقراطية والمُزايدة السياسية ؟؟
بقلم/ دكتور/ياسين الشيباني
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 7 أيام
الأربعاء 10 سبتمبر-أيلول 2008 03:48 ص

مأرب برس - خاص

كثر اللغط مُؤخرا حول أهمية الأخذ بنظام الانتخابات بالقائمة النسبية في الانتخابات البرلمانية القادمة ، وكنت أظن أن الجهل بالمضمون القانوني والسياسي لهذا النظام مقصور فقط على بعض الكتاب في الصحف والمواقع الإلكترونية ، الذين ينبرون للكتابة فيما يعرفون وما لا يعرفون . غير أن مقال الدكتور / محمد صالح القباطي ، رئيس الدائرة السياسية في الحزب الاشتراكي ( موقع الاشتراكي نت بتاريخ 8/9/2008 ) ، كشف لي مقدار الجهل بمضمون هذا النظام حتى من قبل بعض السياسيين المحترفين ، ولا أخفي أنني صُعقت بمطالبة الدكتور القباطي بضرورة تعديل قانون الانتخابات القائم على أساس الدائرة الفردية والأخذ بنظام القائمة النسبية ، بل والذهاب إلى حد جعل ذلك شرطا لمشاركة اللقاء المشتركفي الانتخابات البرلمانية القادمة !!

ومع احترامي الكامل لشخص الدكتور القباطي ، ولغيره ممن كتبوا في هذا الموضوع ، فان الحديث عن نظام الانتخابات بالقائمة النسبية ، كأساس للانتخابات البرلمانية ، يعكس جهلا مركبا بمضمون هذا النظام وباجراءآته القانونية ، وجهلا بمتطلبات وآليات تطبيقه ، وجهلا بالأطر القانونية والدستورية التي يقوم عليها النظام السياسي في اليمن . ­­­­­­­

ولو كانت أحزاب المعارضة اليمنية ديمقراطية في بنيتها الداخلية ، لطلب كل حزب من رئيس دائرته القانونية أن يقدم لقيادة الحزب دراسة قانونية موسعة وشاملة عن نظام الانتخابات بالقائمة النسبية ، وعن متطلبات تطبيقه من النواحي القانونية والفنية والاجتماعية والسياسية .. بكلمة واحدة : دراسة تُحدد مضمون هذا النظام وآلياته ومزاياه وعيوبه ومدى مناسبة الأخذ به في هذه المرحلة من تطور الديمقراطية والمشاركة السياسية في اليمن .

المطالبون بنظام الانتخابات بالقائمة النسبية لا يعرفون عنه أكثر ما يعرفه طالب في السنة الثانية بكلية الحقوق وهو أن هذا النظام يحقق العدالة في توزيع المقاعد البرلمانية بالقياس إلى نظام الانتخابات الفردية على مستوى الدوائر .. فيما عدا هذه النقطة ، وأكاد أجزم بذلك ، لا يعرف هؤلاء ، أي شيء آخر عن نظام الانتخابات بالقائمة النسبية ، بل أنهم لم يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا جدا : إذا كان نظام الانتخابات بالقائمة النسبية أكثر ديمقراطية وعدالة من نظام الانتخابات القائم على أساس الدائرة الفردية ، فلماذا لم تأخذ به أعرق الديمقراطيات في العالم حتى الآن ؟؟ لماذا لم تأخذ به بريطانيا ، ولا أمريكا ولا الهند ولا كندا ؟؟ وعلى المستوى الاقليمي ، لماذا لا نجد دولة واحدة تأخذ بنظام القائمة النسبية (عدا إسرائيل لظروف خاصة جدا تتعلق بحجم وتركيبة الدولة اليهودية ، وكذا العراق تحت الاحتلال لأسباب لا تخفى على أحد ) .. هل المشرعون والناخبون في كل هذه الدول يجهلون " المزايا الديمقراطية لنظام القائمة النسبية " ؟ أم أن هناك إعتبارات قانونية ومبررات موضوعية هي التي رجحت الأخذ بنظام الانتخابات على أساس الدئرة الفردية لدى90% من دول العالم ومنها بلادنا ؟ 

( ولا يعني هذا بالطبع أن نظام الدائرة الفردية خاليا من كل العيوب ، بل فيه عيوب بعضها خطير ، ولكن ميزته الحاسمة هي البساطة والوضوح والفاعلية في تمثيل الناخبين وتحقيق مبدأ المشاركة السياسية ) .

 مضمون نظام الانتخابات بالقائمة :

 يقتضي نظام الانتخابات بالقائمة النسبية ، أن يتم إجراء الانتخابات على أساس أن الدولة كلها ( أكرر الدولة كلها أو المحافظة كلها ) دائرة إنتخابية واحدة تضم كل مقاعد البرلمان ( في حالة الانتخابات النيابية العامة ) أو تضم كل المقاعد في المجلس المحلي ( في حالة الانتخابات على مستوى المحافظة ) ، ويلتزم كل حزب ( أو تحالف أحزاب ) يُقرر خوض الانتخابات أن يقدم قائمة بمرشحيه ويجب أن يكون عدد أعضاء القائمة التي يقدمها الحزب مساويا لعدد المقاعد في البرلمان ( في حالة الانتخابات البرلمانية ) أو عدد المقاعد في المجلس المحلي ( في حالة الانتخابات المحلية ) .. وعلى سبيل المثال إذا كان عدد المقاعد البرلمانية 301 كما هو الحال في مجلس النواب اليمني ( واعتبرنا البلد كلها دائرة واحدة ) فيلزم أن يقدم المؤتمر الشعبي العام قائمة تضم 301 مرشحا لمجمل المقاعد ، كما يلتزم اللقاء المشترك ( إذا دخل الانتخابات كاتلاف حزبي ) أن يقدم أيضا قائمة مكونة من 301 مرشحا لا ينقصون مرشحا واحدا ، كما يلتزم كل حزب أو ائتلاف آخر يشارك في الانتخابات أن يقدم قائمة مرشحيه بالعدد المحدد في الدستور سواء للبرلمان أو للمجلس المحلي .. ويصوت الناخبون للقائمة كلها الصالح فيها والطالح ، ولا مكان للمرشحين المستقلين في نظام الانتخابات على أساس القائمة النسبية( ولهذا يرى المستقلون – وهم على حق – أن نظام الانتخابات بالقائمة النسبية يتعارض مع أهم الحقوق والمبادئ الدستورية ، لأنه يتعارض مع مبدأ حرية المواطن في إختيار المرشح الذي يفضله ، بل يدفعه إلى أن ينتخب مرشحين آخرين معه إجباريا لأنهم ضمن نفس القائمة !!) .

ولإيضاح كيفية عمل هذا النظام ، وعلى سبيل المثال فقط ، إذا تقدمت لخوض الانتخابات أربع قوائم حزبية ، لا تفوز القائمة التي حصلت على أغلب الأصوات بجميع مقاعد البرلمان ، بل تفوز كل قائمة بعدد من المقاعد النيابية يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها على المستوى الوطني كله ، (أو على مستوى المحافظة في حالة الانتخابات المحلية ) لهذا سميت بالقائمة النسبية ، فاذا كان عدد المقاعد في البرلمان ( على سبيل التبسيط ) مائة مقعد، وقدمت كل قائمة مائة مرشح .. وجرت الانتخابات بين أربع قوائم : أ ، ب ، ج ، د، وحصلت القائمة (أ) على 60% من عدد أصوات الناخبين ، فانها تحصل على عدد من المقاعد يتناسب مع ما حصلت عليه من أصوات أي على 60 مقعدا في البرلمان ( يشغل هذه المقاعد أول ستين عضو في القائمة (أ) بحسب الترتيب الوارد فيها ( وكل حزب هو الذي يحدد ترتيب أعضائه ) ويتم استبعاد باقي المرشحين في ذات القائمة .. وإذا حصلت القائمة (ب) على 25% من الأصوات ، فانها تحصل على 25 % من المقاعد أي على 25 مقعدا من مقاعد البرلمان .. وهكذا بقية القوائم ، كل قائمة بحسب نسبتها من الأصوات .

 وعلى المستوى النظري البحت ، فإن هذا النظام يبدو عادلا ، ولهذا يُعجب به المنظرون المثاليون ، ولكن على المستوى التطبيقي فإن هناك ألف عقبة تحول دون تطبيقه ، لهذا لا يطبق هذا النظام على الصعيد الفعلي ، إلا على مستوى النقابات المهنية ، أو في بعض الدول الصغيرة في مساحتها وعدد سكانها ، والنموذجان المشهوران ، ولعلهما الوحيدين ، هما سويسرا وإسرائيل .

ومن المعروف لدى المختصين ، أن نظام الانتخابات بالقائمة النسبية يحتاج الى درجة متطورة جدا من الوعي والنضج السياسي لكل من الناخبين والمرشحين ، حيث تجري عملية المفاضلة بين القوائم على أساس البرامج الحزبية وليس علي أساس المفاضلة بين الأفراد الذين يشغلون تلك القوائم ، كما يقتضي هذا النظام درجة عالية من التنظيم الاجتماعي ، وجهازا فنيا على درجة كبيرة من الدقة والكفاءة لأجراء عملية الانتخابات ،.. وفوق ذلك كله ، وربما قبل ذلك كله ، يتطلب هذا النظام روح تسامح متقدمة سواء بين الأحزاب وبعضها أو داخل الحزب الواحد ، حيث تقوم قيادة كل حزب بترتيب قائمتها بحسب نظرتها الى أهمية الأشخاص ومدى حظهم في إجتذاب الناخبين ، وهو أمر كثيرا ما يتسبب في إنشقاقات وتعارضات داخل الحزب الواحد.

ومع أن بعض الأكاديميين – على المستوى النظري البحت - يقدمون نظام القائمة النسبية كأحد الأنظمة التي تحقق العدالة ( ينبغي أن يحقق النظام الانتخابي العدالة والكفاءة معا ) إلا أن هناك بعض المثالب الخطيرة التي تعتري هذا النظام في التطبيق ، ومن بينها أن نسبة الأصوات المهدرة عالية جدا فيه ، ومنها أيضا صعوبة الاتفاق على معايير واضحة تحدد كيفية التعامل مع الكسور في النسب التي تحصل عليها القوائم المختلفة ، وعلى سبيل المثال ، إذا فرضنا أن القائمة ( أ ) ( في المثال السابق ) حصلت على نسبة 60,5% من الأصوات ، فهل نعطيها ستين مقعدا ؟ أم نعطيها ستين مقعدا ونصف المقعد ؟؟ وكيف نحل هذا الإشكال خاصة إذا كان الحصول على المقعد الواحد يعني أحيانا الحصول على خمسين ألف صوت ؟؟ ).

ما أريد أن أخلص إليه أن موضوع تحديد نوع النظام الذي يجب أن يحكم الانتخابات ، هو موضوع قانوني وفني في المقام الأول ، وينبغي أن يُؤخذ بأقصى قدر من الجدية والمسئولية . و بدلا من أن نتكلم عن نُظم انتخابية لا نعرف شيئا عن مضمونها ولا عن طبيعتها ومتطلباتها ولا عن مدى صلاحيتها لنا ولظروفنا ، كان حريا بأحزاب المعارضة - قبل أن تطرح قضية الأخذ بنظام القائمة النسبية كشرط لإصلاح النظام الانتخابي وللمشاركة في الانتخابات النيابية - ، أن تعهد بهذا الموضوع إلى لجنة قانونية متخصصة ، وعلى درجة عالية من الكفاءة لتدرس هذا النظام من جميع جوانبه القانونية والاجتماعية والسياسية ، ومدى ملائمة تبنيه كنظام بديل لنظام الانتخابات القائم ؟ وهل يمكن تطبيقه في ظروف اليمن الحالية ( أو حتى بعد خمسين سنة ) ، وهل يمكن أن يتقبله الناس في مجتمع يتصف فيه الأفراد بالاستقلالية الشديدة ، وترتفع نسبة الأمية فيه الى أكثر من خمسين بالمائة ؟

 وإلا أن تقوم أحزاب المعارضة بإجراء دراسة لهذا الموضوع ، نطرح هنا بعض الحقائق المتعلقة بنظام الانتخابات بالقائمة النسبية :

أولا : أن هذا النظام لا يتناسب مع المجتمعات والدول ذات الكثافة السكانية العالية والمساحة الجغرافية الواسعة ، بل تطبقه بعض الدول ذات المساحة الصغيرة ، ولاعتبارات – سياسية واجتماعية - شديدة الخصوصية ولصيقة بتلك المجتمعات ( إسرائيل ، سويسرا ) ، والا لكان قد سبقنا إليه مالكو " العلامة التجارية " في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان . ( تخيَل أن مواطنا يمنيا في صعدة أو المهرة تُسلَم له يوم الانتخابات أربع قوائم حزبية ، كل قائمة تحتوي على 301 مرشحا أو 100مرشحا أو حتى 20 مرشحا ، وتقول له اختر واحدة من هذه القوائم ؟ يرد عليك : ولكنني لا أعرف كل هؤلاء المرشحين !! ، تقول له مش مهم الحزب الفلاني يعرفهم ، توكل على الله وأختر قائمة !!؟؟ )

ثانيا : يتعارض هذا النظام مع أهم المبادئ الدستورية ( مبدأي الحرية الفردية وحرية الاختيار ) وذلك بإقصائه لفئة المستقلين وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات كمرشحين أو إجبارهم على الانضواء تحت إحدى القوائم الحزبية ، ولا يمكن الالتفاف على ذلك بالقول أن المستقلين يمكنهم أن يتقدموا ضمن قائمة خاصة بهم ، فهذا ضد مبدأ الاستقلالية وضد مبدأ الحرية الفردية معا .

ثالثا : لا يتناسب نظام القائمة النسبية مع البناء الحزبي لكثير من الأحزاب اليمنية ، فإذا استثنينا حزبي المؤتمر والإصلاح لا تستطيع بقية الأحزاب اليمنية تقديم قوائم بمرشحيها على مستوى البلد كله ، أو حتى على مستوى كل محافظة على حدة ، كما لا يمكن المراهنة على بقاء الائتلاف القائم بين أحزاب المعارضة في أكثر من دورة انتخابية قادمة .

رابعا : يقوم نظام الانتخابات بالقائمة النسبية على المفاضلة بين البرامج الحزبية وليس بين الأشخاص ، وهذا يتطلب وعيا سياسيا متقدما ، وتنظيما عاليا للمجتمع ، بينما تصنف بلادنا بأنها ضمن الديمقراطيات الناشئة أو المجتمعات التي تخطو خطواتها الاولى في التحول نحو الديمقراطية .

خامسا : لا يتناسب هذا النظام مع التركيبة الاجتماعية اليمنية ، ولا مع البناء النفسي والثقافي للشخصية اليمنية ، ولا مع درجة تنظيم الأحزاب السياسية في المرحلة الحالية ولا في المستقبل المنظور . فإذا كان بعض قادة المعارضة ورموزها يجهلون المضمون القانوني والسياسي لهذا النظام ، فكيف يمكن أن يفهمه الناخبون العاديون وكثيرون منهم أميون أبجديا وسياسيا .

لكل ذلك ، ولكثير غيره مما لا يتسع المجال هنا لذكره ، يبدو موقف أحزاب المعارضة اليمنية غريبا في تبنيها لنظام الانتخابات بالقائمة النسبية على ما فيه من عيوب تجعل تطبيقة مستحيلا ، أكرر مستحيلا ، في المرحلة الراهنة من التطور السياسي في اليمن .

 وبين الجهل والتجاهل ، يبقى السؤال : لماذا تريد المعارضة اليمنية نظاما انتخابيا رفضه العالم كله ؟ وما لذي تراه المعارضة من مزايا لا يراها العالم في هذا النظام ؟؟

من وجهة نظر قانونية محايدة ، لا يخرج الأمر عن إحتمالين : إما أن قادة المعارضة ومنظريها يجهلون هذا النظام القانوني ومتطلبات تطبيقه جهلا كاملا ( وهو ما ننزه بعضهم عنه خاصة الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي نكن له كشخص تقديرا خاصا ) ، أو أنهم يتبنونه القائمة النسبية من قبيل المزايد السياسية ، غير أن المزايدة الحزبية ، حين تتصل بقضايا مصيرية ، تصبح حماقة سياسية لا يترتب عليها سوى فقدان مصداقية المعارضة .

أيها السادة في السلطة والمعارضة ، مشاكل اليمن تكمن في العقول والنفوس ، لا في القوانين والنصوص .