إخواننا بغوا علينا
بقلم/ احمد طه خليفة
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
السبت 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 06:52 م
سألني زميل أجنبي أتعرف أن أغنياء اليهود ومسؤوليهم حول العالم يقدمون المليارات لدعم إسرائيل ؟؟ فلماذا لا يفعل قادتكم وأغنياؤكم ذلك ؟؟ فرددت عليه لأنكم وضعتموهم على رأس دولنا .. فسألني ببساطة لماذا لا تغيرونهم؟؟ وهو سؤال بسيط فالفاسد والظالم والانتهازي لماذا لا يُغير؟؟ لماذا يبقى في مكانه ويزداد حجما يوما بعد يوم؟؟ ما رأيكم هل هو سؤال بسيط؟؟ يحكى أن مزرعة للحيوانات يمتلكها رجل حاد الطبع سيء الخلق اجتمعت حيواناتها ذات ليلة لتستمع إلى حلم الحرية والمساواة الذي يرويه أحد الحيوانات وفي ذلك اللقاء عاشت الحيوانات ذلك الحلم وتمنت تحقيقه لكن حقيقة ضعفها المرة جعلتها لا تقدم على شيء. وبعد فترة من الزمن مات ذلك الحيوان العجوز وقد وضع في عقل كل واحد من حيوانات المزرعة ذلك الحلم ثم جاء اليوم الذي نسي فيه صاحب المزرعة ورجاله أن يطعموا الحيوانات فقامت الثورة المجيدة. ثارت البقر والخيول والخنازير والكلاب والطيور وطرد صاحب المزرعة ورجاله وأصبحت المزرعة للحيوانات فقط وباءت كل محاولات صاحب المزرعة للعودة بالهزيمة وفشل كل دعم قدمته المزارع المجاورة وأصبحت مزرعة الحيوان حقيقة لا يمكن تجاوزها.. وأصبحت الحيوانات تعيش بحرية وعدالة ومساواة أو هكذا ظنت .. ولقد قاد ثورة الحيوانات الخنازير الأكثر ذكاء والكلاب الأكثر ولاء.. وكتبت أهداف الثورة وعناوينها العظيمة والتي كانت تؤكد على المساواة والحرية ورفض التشبه ببني الإنسان.. وكان من ضمن وصايا الثورة أن كل الحيوانات متساوون في الحقوق والواجبات وأن كل من يمشي على أربع أو يطير بجناحين فهو صديق وكل من يمشي على اثنتين فهو عدو.. ولكن بعد فترة من الزمن انقلب نابوليون أحد قادة الثورة على سنوبول القائد الآخر وطرده من المزرعة وخرجت الآلة الإعلامية تتحدث عن سنوبول شريك صنع مجد الأمس كعدو للثورة وصاحب ثورة مضادة وعميل لبني الإنسان ومهدد لوحدة وسلامة وأمن المزرعة مع أنه كان الأكثر ذكاء وثقافة والتزاما بمبادئ الثورة والأقل عنفا وهكذا ألحق سنوبول بقائمة أعداء الوطن - أقصد المزرعة – وبدأت أحوال الحيوانات في المزرعة تسوء وقلت مخصصاتها الغذائية ولم تعد هناك موارد كافية للطاقة.. وخرج نابوليون على الحيوانات بمشروع بناء طاحونة هوائية لتوليد الطاقة وراحت الآلة الإعلامية لنابوليون تتحدث عن حنكة القائد وذكائه مع أن خطة بناء الطاحونة كانت في الأصل لسنوبول ورفضها نابوليون في السابق.. واستنفد الوقت والجهد في بناء الطاحونة وسط التقارير عن النجاحات المستمرة في المزرعة والمستقبل المشرق عند الانتهاء من بناء الطاحونة تحت قيادة القائد الملهم نابوليون..وكلما حدثت مشكلة أو مكروه أو فشل ذريع ألصق بسنوبول وأعداء المزرعة من بني الإنسان.. وبدأت الخنازير والكلاب تحصل على إمتيازات أكثر من بقية الحيوانات وتغيرت أهم وصايا الثورة حيث أصبحت كل الحيوانات متساوون لكن بعضهم أكثر سواسية!! ولم يعد التعامل مع بني الإنسان محرما بل هو دلالة على خبرة وحنكة القائد العظيم فارس المزرعة نابوليون وبدأت بعض الحيوانات تختفي وبعض البيض يباع للبشر.. وكثرت المناسبات التي يمجد فيها الزعيم وكثرت زيارات بني الإنسان للمزرعة وأصبحت الخنازير والكلاب ترتدي البدلات الفاخرة وربطات العنق مثل بني الإنسان.. عندها فقط بدأت حيوانات المزرعة تدرك أن هؤلاء الذين يحكموننا ليسوا أفضل ممن قادونا للثورة عليهم بل هم يشبهونهم في كل شيء .. بل هم أسوأ.. هذا ملخص لقصة مزرعة الحيوان الشهيرة والتي تدرس في كثير من كليات آداب اللغة الإنجليزية في معظم دول العالم ومنها بلادنا ضمن دراسة رواية القرن العشرين.. ولقد كتبها الروائي الإنجليزي جورج أورول في منتصف القرن العشرين وهو يبشر بنهاية الشيوعية ضمن ما كتب من مؤلفات انتقد فيها الفكر الشمولي والاستبداد الذي ينتشر بسبب هذا الفكر.. لكننا بدورنا نقرأ مابين سطور هذه الرواية في مقاربة مع واقعنا العربي واليمني.. فهناك مثلا فكرة الثورة الرومانسية الجميلة التي تجعل الجميع يحلمون بمستقبل أفضل وتجعلهم مستعدين للتضحية من أجلها.. لكن الثورة كانت تأتي أيضا بمن خدمته الظروف ليكون أول المستفيدين.. هناك فكرة العدو القومي أيضا فهو مرة الاستعمار ومرة الحكم الملكي الرجعي الكهنوتي ومرة كليهما ثم يضاف إليهما أعداء الثورة أصحاب الثورة المضادة وقد يكونون هم قادة الثورة الأم أصلا.. ثم يصبح من ضمن أعداء الوطن كل معارض حر وصاحب رأي شريف يرفض الظلم والاستبداد.. وتستمر قوائم أعداء الوطن والثورة والوحدة في الازدياد يوما بعد يوم.. وينتج عن هذا أن الثورة تأكل أبناءها وتشرد مبدعيها ولا يبقى إلا الجبناء والضعفاء والأنذال والانتهازيين وأنصاف المبدعين.. ومن ضمن ما يمكن قراءته بين سطور تلك الرواية فكرة الحلم القومي وهي الفكرة التي ضلت شعوبنا تروح وتأتي داخل دائرتها فمن حلم السد العالي ثم سد مأرب فالنفط فالوحدة فالغاز الذي لا مثيل له في الشرق الأوسط فمشروع توشكى فمجلس التعاون فكأس الخليج.. وكلها أحلام تحولت إلى كوابيس وآلام تطارد الشعوب صباحا مساء حتى أن الشعوب أصبحت تخاف من أن تحلم وإذا حلمت خافت من تحقيق أحلامها.. أيضا نجد ضمن ما يقرأ بين السطور مسألة تفصيل القوانين والدساتير على مقاس الحاكم فالحكم مرة فترتين ثم الفترة التي تم فيها التعديل لا تحسب ثم تعديل الفترة من خمس سنين إلى سبع ثم العودة إلى الخمس شريطة عدم احتساب الفترتين السابقتين.. كذلك عضو مجلس النواب قائد في الجيش وينتمي للحزب الحاكم ولا ضير إن حرم الدستور ذلك.. إبن الزعيم رئيس للجنة صياغة السياسات في الحزب الحاكم وتضم اللجنة عضوية أمين عام الحزب ولا تسيئوا الظن فلا يوجد تفكير في التوريث.. أيضا احتفال مستمر بالزعيم الملهم حتى وإن كان احتفالا شطريا بل أصبح لدينا قصر الزعيم؛ جامعة الزعيم؛ جامع الزعيم؛ مدينة الزعيم؛ أمن الزعيم؛ جيش الزعيم.. ولا يذكر هذا الشعب الذي يلعب دور الكومبارس أحد فلا يوجد جامعة للشعب ولا جامع ولا يوجد أمن للشعب ولا جيش.. لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟؟ سؤال هام إجابته في أن كل ثوراتنا لم تكن إلا انقلابات حُددت أهدافها وغاياتها بعد حدوثها ولم يكن بين رجالاتها من هو قادر تحقيقها.. ولماذا؟؟ لأنهم لم يؤمنوا بها أصلا.. وكان الجميع يأتون وهم يحملون هم الاستحواذ من أجل النفس والأقارب والعشيرة والقبيلة والمخلصين لهم ولهم فقط.. ثم جاء من وسط هؤلاء زعماؤنا وأصبحوا كلهم السابقون واللاحقون لا يختلفون كثيرا عمن ثاروا عليهم أصلا.. ولم يعد هناك أي مجال لإصلاح الوضع إلا بتغييرهم واقتلاعهم من كراسيهم واحدا واحدا ولن يكون هذا إلا برحمة الله التي وعدها المحسنين ثم بتكاتف الجماهير والتفافها حول الحركات الإصلاحية الوطنية والإسلامية وليس ما حدث في باكستان عنا ببعيد طالما وأن الأمة قد بدأت تستيقظ وهي الآن في أجمل وأقوى حالات اليقظة والاهتمام الذي فقد لمئات السنين.. وهذا الجيل يجب أن يسعى لتحقيق حلم العدالة والمساواة والتنمية والمدنية.. ولينصرن الله من ينصره.. هذا وعد الله لكل الصابرين الساعين لإحقاق الحق وإبطال الباطل.. وأما سعار الاعتقالات والاعتداءات والتهديدات فلا نقول إلا إخواننا بغوا علينا.. والله معنا..