حصاد الثورة في مطابخ السياسة
بقلم/ عادل عبد المغني
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 9 أيام
الجمعة 01 يوليو-تموز 2011 06:41 م

لم تشيخ الثورة في اليمن، لكن جذوتها المشتعلة منذ نحو ستة أشهر تتعرض للرياح وعوامل "تعرية" داخلية وخارجية عدة تحاول إطفاءها أو تحويلها إلى نار هادئة لإنضاج ما يتم طبخه داخل أروقة الساسة وتحركات الدبلوماسية. 

هذا ما يؤكده المشهد السياسي الراهن في اليمن الذي طرأت عليه مؤخرا متغيرات عدة وشهد تجاذبات ومقاربة - برعاية إقليمية ودولية - بين القوى السياسية المختلفة لترتيب مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح الذي يبدو أن غيابه عن السلطة بات أمرا شبه مؤكد.

ولم تعد الأحاديث المتكررة التي يلوكها الحزب الحاكم باستمرار عن عودة مرتقبة لصالح إلى اليمن سوى استهلاك للوقت للخروج من الصدمة والتفكير بحلول للعبور من المأزق بأقل الخسائر.

فقيادة الحزب الحاكم تعلم أن الحزب بدون الرئيس صالح لا يساوي شيئا وان أركانه الهشة ستنهار بسهولة مثلما ستختفي قاعدته الجماهيرية من الخارطة التنظيمية للحزب في حال تأكد غياب صالح بصورة نهائية. وبالتالي فإن مسئوليه مستمرون في الحديث عن عودة قريبة للرئيس صالح والتأكيد على أن صحته في تحسن مستمر.

 ومع أن أي من قادة الحزب الحاكم أو الحكومة أو حتى أبناء صالح ومقربيه لم يتمكنون من زيارة الرجل أو الاقتراب من جناحه المفترض داخل احد المشافي السعودية بالرياض، إلا أن هؤلاء سرعان ما ينفون أية أنباء تتحدث عن وضع صحي سيئ لصالح الذي لم يظهر على الإعلام صوت أو صورة منذ غادر اليمن مطلع الشهر الحالي اثر هجوم استهدفه داخل مسجد دار الرئاسة وخلف عدد كبير من القتلى والجرحى.

والمؤكد أن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم يسعى من وراء تصدير الطمأنينة بخصوص الوضع الصحي لصالح، للحفاظ على ما تبقى من القاعدة الجماهيرية والبقاء كرقم مهم لا يمكن تجاوزه في أي صفقات أو تسويات سياسية مقبلة. وهو ما يتأكد من خلال التحركات السياسية والدبلوماسية الحثيثة لتشكيل حكومة توافق وطني من الحزب الحاكم والمعارضة.

وهنا يمكن القول إن الرئيس بالنسبة لحزب الرئيس لم يعد أكثر من ورقة يحاول قادة المؤتمر استثمارها للحصول على اكبر قدر من الكاسب السياسية.

حضور أمريكي لافت

استثمار صالح ليس حكراً على الحزب الحاكم لوحده، بل يبدو أن هناك أطراف إقليمية ودولية تسير على ذات النهج، وهي الأطراف ذاتها التي أحاطت الوضع الصحي لصالح بكل هذه السرية والتكتيم. ونقصد هنا تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وكليهما حاضرا بقوة في مخاضات المشهد السياسي اليمني، لأهداف سياسية وأمنية يسعى كل طرف لضمانها في العهد اليمني المرتقب.

ومثلما أن واشنطن تخشى انهيار الدولة وتحول اليمن إلى قاعدة جديدة للقاعدة، فإنها تسعى أيضا إلى ضمان عدم تنكر سلطة ما بعد الثورة للشراكة اليمنية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما تبحثه باستمرار مع الأحزاب السياسية في المعارضة بمختلف توجهاتها.

وكما لو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بالتحركات النشطة التي يقوم بها سفيرها بصنعاء منذ أسابيع عدة خلت حتى تبعث مستشار وزيرة خارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان الذي استهل زيارته لصنعاء الأربعاء بعقد اجتماعات متتالية مع قوى المعارضة من جهة ونائب رئيس الجمهورية الفريق عبدربه منصور هادي من جهة ثانية، قبل أن يلتقي بصورة سرية مع العميد أحمد علي عبدالله صالح وهو النجل الأكبر للرئيس صالح وقائد قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي تضم فرق مكافحة الإرهاب التي مولتها وأشرفت على تدريبها قوات أمريكية. 

لم يخرج للعلن ما الذي دار بين فيلتمان ونجل صالح، لكنه في الأرجح تناول الاستياء الشديد الذي أبدته قيادات المعارضة للمسئول الأمريكي من أبناء الرئيس وأقربائه الذين يرفضون تسليم السلطة وما يقوم به العميد أحمد صالح من التصرف كحاكم فعلي للبلد منذ مغادرة والده، فضلا عن مواضيع أخرى يمكن أن يتناولها الاجتماع الذي لم يتم الإعلان عنه كالضمانات المقدمة لعائلة صالح إلى جانب موضوع مكافحة الإرهاب. 

وهنا يمكن الربط بين ما جاء في لقاء فيلتمان ونجل صالح وبين حادثة فرار 62 شخصا من تنظيم القاعدة من داخل احد سجون السلطة بمحافظة حضرموت التي تزامنت مع زيارة المسئول الأمريكي لصنعاء كرسالة ربما أراد نظام صالح توجيهها لواشنطن لضمان مزيد من الضغط في أي تسوي سياسية مقبلة بحيث يكون لأبناء صالح موطئ قدم فيها.

تسوية سياسية لا تنتصر للثورة

قريباً من التطلعات الأمريكية تحاول المملكة العربية السعودية – وهي اللاعب الخارجي الثاني في الأزمة اليمنية – منع انهيار جارتها المكتظة بالبشر، لضمان سلامة جبهتها الجنوبية التي قد تتحول إلى مصدر قلق امني لها وبوابة لعبور الأسلحة والمخدرات فضلاً عن تحركات "القاعدة" من والى المملكة. وما هو معلوم أن الرياض لا تحبذ انتصار الثورة في اليمن بصورة كاملة لمخاوف سياسية من انتقال عدوى ثورات الشعوب، وبالتالي فهي تسعى لإيجاد تسوية سياسية تخرج البلد من أزمته الراهنة لكنها لا تنتصر بالضرورة للثورة بالمعنى الكامل.

وتقوم التسوية السعودية المدعومة أمريكيا وأوروبيا وقبل ذلك خليجيا – باستثناء دولة قطر – على إعادة إحياء المبادرة الخليجية مع إجراء تعديلات يمكن وصفها بالجوهرية أبرزها تسليم السلطة للفريق عبدربه منصور هادي وتنصيبه من كافة القوى السياسة في المجتمع رئيسا للبلاد حتى العام 2013م وهو موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في اليمن، فضلا عن تشكيل حكومة وفاق وطني من الحزب الحاكم والمعارضة لإدارة البلاد مع هادي حتى الموعد المذكور.

ولعل زيارة فيلتمان هدفت إلى إقناع كافة الأطراف بالموافقة على المبادرة الخليجية بعد تعديلاتها بل وشدد المسئول الأمريكي في لقاءه مع المعارضة الذي جرى بمنزل رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني محمد سالم باسندوة على ضرورة تنفيذ المبادرة الخليجية بصورة عاجلة نظرا لحساسية الظرف الذي وصل إليه اليمن حد تبرير المسئول الأمريكي.

واستطاع فيلتمان أن ينتزع موافقة مبدئية من أحزاب المعارضة على هذه التسوية انطلاقاً من قاعدة أنها تحقق قدر كبير من مطالبها، فبتنفيذها ستنتقل السلطة من صالح فيما تكون المدة الزمنية حتى العام 2013 فترة انتقالية لصياغة دستور جديد والإعداد لانتخابات رئاسية. وهو ما قاله أيضا فيلتمان والسفير السعودي بصنعاء لقيادات المعارضة لإقناعها بالموافقة.

أما بالنسبة للحزب الحاكم فان المبادرة بصيغتها الجديدة لن تغير النظام في اليمن أو تسقطه، وهي الصيغة التي تحدث بها المسئول الأمريكي وصديقه السعودي مع قيادات في النظام والحزب الحاكم. فنائب رئيس الحزب الحاكم سيكون رئيسا للدولة حتى موعد الانتخابات القادمة ونصف الحكومة ستشكل منه، في سيناريو هو الأفضل على الإطلاق مقارنة بما آل إليه مصير الحزبين الحاكمين في كلا من تونس ومصر. الأمر الذي أغرى المؤتمر الشعبي الحاكم فأوحى بموافقة مبدئية مع استمراره في المراوغة والحديث مجددا عن عودة صالح للحصول على مزيد من المكاسب السياسية التي تتمحور حول إبقاء أبناء صالح في مناصب عسكرية وأمنية رفيعة الأمر الذي قد يكون نقطة تقاطع وخلاف بين فرقاء العمل السياسي في اليمن.

الإرادة الثورية

قد تشهد الأيام المقبلة انفراجا للازمة في اليمن .. لكنه انفراج آت من طاولة المفاوضات السياسية وليس ميادين الثورة، الأمر الذي يعده المعتصمين في مختلف مدن اليمن انقلابا على مبادئ ثورتهم وخيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا على طريق الثورة منذ انطلاقتها الأولى.

ولان الأمر كذلك فقد قام شباب الثورة بإحراق الأعلام الأمريكية مع وصول فيلتمان إلى صنعاء ونددوا بما أسموه التدخلات السلبية لواشنطن والرياض التي تستهدف النيل من ثورتهم كما حذروا أحزاب المعارضة من ما أسموه الارتهان للإملاءات الخارجية.

وفي الجمعة الماضية التي أطلق عليها الثوار جمعة "الإرادة الثورية" أعلن المعتصمون رفضهم لأي حلول توافقية مع النظام وأكدوا أنهم لن يغادروا ميادين وساحات التغيير قبل أن تتحقق كافة مطالب الثورة التي قالوا إن كلمتها ستبقى هي العليا وكلمة المتحاورون مع رموز النظام والداعمون له هي السفلى.