قناة الجزيرة في يوبيلها الفضي ما لها وما عليها
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 3 سنوات
الإثنين 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 06:51 م
 

تحتفل اليوم قناة " الجزيرة " باليوبيل الفضي لانطلاقها في 1 نوفمبر 1996م.

وقد أكدت إدارة القناة أن هذه المناسبة ستكون انطلاقة جديدة وغير مسبوقة للجزيرة في يوبيلها الفضي ، تغيير إبداعي شامل في المحتوى والهوية والشكل البصري والموسيقى واستديوهات حديثة تواكب انطلاقة ربع قرنٍ من العمل الصحفي والإعلامي في المنطقة العربية والعالمية.

عندما انطلقت الجزيرة كانت الأخبار في العالم العربي تأتي في نشرة التاسعة مساء وفي أوقات متفرقة بشكل موجز وكانت في أغلبها مكرسة لنقل أخبار الرئيس والزعيم والعاهل والأمير والوزير ومن أستقبل وبمن ألتقى وودع ووو الخ، أما أحداث العالم فكانت تأتي نقلا عن الوكالات الإخبارية العالمية مثل رويترز وغيرها ، فيما كانت المنوعات والبرامج الترفيهية والدرامية هي التي تلتهم المساحة الأكبر من البث في القنوات التي كان أغلبها يبث بشكل محلي باستثناء بعض القنوات مثل mbc ودبي وغيرها.

 

مما يحسب للجزيرة أنها جاءت بسياسة جديدة وكرست للأخبار وتحليلها المساحة الأكبر فأسست لها مكاتب في مختلف أنحاء العالم ونشرت فرق من المراسلين المبدعين يغطون الأحداث ميدانيا فور وقوعها وبالصوت والصورة وكان هذا تطور كبير ونقلة نوعية في الإعلام العربي .

 

كما أطلقت الجزيرة العديد من البرامج الجادة وطرحت قضايا هامة وبأسلوب جديد في المضمون والعرض المشوق المثير ولذا توجه إليها عشرات الملايين من المشاهدين في العالم العربي .

 

لقد أحدثت الجزيرة ثورة في الإعلام العربي وانفردت بتغطيات حصرية لأحداث هامة وحروب عديدة في المنطقة من أفغانستان إلى ليبيا مرورا ببقية حروب وأحداث المنطقة.

 

كما كرست الجزيرة الرأي والرأي الآخر في الإعلام العربي ومعها أرتفعت أصوات الشعوب العربية وسمع الناس أصوات التيارات الإسلامية التي كانت تفتقد إلى منابر إعلامية ، ومن مبنى صغير في الدوحة كانت الجزيرة صوت العرب الجديد وملئت الدنيا وشغلت الناس .

 

لقد شقت الجزيرة طريقا جديدا في الإعلام العربي ونافست الإعلام العالمي بقناة انجليزية وأخرى باللغة البوشناقية في البلقان وبقنوات تفرعت منها وثائقية ومباشر وغيرها وبقناة باللغة التركية أغلقت بعد فترة قصيرة من انطلاقها بضغوط تركية وبقناة مخصصة لمصر أغلقت ايضا في وقت لاحق بعد ضغوطات كبيرة مورست على قطر .

 

وقد ولدت على إثر انطلاق الجزيرة قنوات إخبارية عربية عديدة حاولت تقليدها وحققت بعض النجاح ولكنها لم تستطع منافسة الجزيرة والاستحواذ على جمهورها لأن الجزيرة تميزت بسقف كبير من الحرية في حين افتقدت تلك القنوات لذلك السقف العالي والافق المفتوح من الحرية الموجودة في الجزيرة ، اضافة الى الامكانيات المالية الكبيرة التي ضختها قطر لهذه القناة ولذا لم تحقق هذه القنوات التي حاولت منافسة الجزيرة النجاح الذي حققته الجزيرة فالإعلام محرقة للمال ولا يتنفس وينطلق إلا في أجواء من الحرية .

 

لقد صنعت الجزيرة الأحداث وقدمت الكثير من النجوم وسوقت للكثير من الشخصيات العربية ، كما مهدت لثورات الربيع العربي ورافقتها منذ انطلاقتها وغطت بقوة ما تبعها من تداعيات وأحداث وثورات مضادة ولذا أدرك الحكام والطغاة خطورتها فمارسوا الكثير من الضغوط على قطر لتقليم أظافر الجزيرة ونزع مخالبها ولكن قطر أدركت أن الجزيرة هي العصا الغليظة التي تشهر في وجه خصومها وهي الورقة الرابحة ولذا تصلبت في أن يبقى للجزيرة دورها وبريقها والكثير من الحرية والإمكانيات..

 

واذا كان ما سبق بعض ما للجزيرة من انجازات واضافات نوعية للإعلام العربي فإن الإنصاف يقتضي منا القول بأن الجزيرة قد فقدت الملايين من جمهورها وخصوصا بعد ثورات الربيع العربي وبعد أن وجدوا أن مهنية الجزيرة هي نسبية أيضا فالجزيرة مثلا عندما كانت قطر على خلاف شديد مع السعودية أقامت الدنيا وأقعدتها لأجل قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 

في 2 أكتوبر تشرين أول 2018م ولكن بعد المصالحة القطرية السعودية صارت الجزيرة تتجاهل كل ما يحدث في السجون السعودية من تعذيب يفضي إلى الموت كما حدث للدكتور موسى القرني رحمه الله والذي توفي في 12 أكتوبر تشرين الأول الماضي نتيجة التعذيب والإهمال الطبي بعد 14 عاما من الاعتقال ومع هذا لم تذكر الجزيرة هذا الخبر حتى بحرف واحد .!!

ولكم أن تتخيلوا كيف لو أن الدكتور موسي القرني توفي أثناء في السجن أثناء فترة الخلاف السعودي القطري .!

 

وهذا مجرد نموذج لتغير سياسة الجزيرة إزاء السعودية بعد المصالحة مع قطر .!

ومما يؤخذ على الجزيرة أنها تسيس أدائها الإعلامي وتفرد لخصوم خصومها أو لحلفاء حلفائها مساحة كبيرة من تغطياتها الإعلامية حتى أنها تسوق لمليشيا مسلحة ارتكبت كوارث يشيب لهولها الولدان ، وتحاول الجزيرة الترويج لها وشرعنتها وتحول منصتها الإعلامية إلى منبر لهذه المليشيا وتتعامى عن كل كوارثها وممارساتها .!

 

ومما يؤخذ على الجزيرة أيضا أنها أعطت للصهاينة بإسم الرأي الآخر منبرا إعلاميا كطرف شرعي وأنها تسمي فلسطين المحتلة في خريطتها التي تظهر على شاستها باسم إسرائيل باعتباره " أمر واقع " وهو تطبيع إعلامي وشرعنة لابشع احتلال إجرامي في تاريخ البشرية ، رغم أن الجزيرة للإنصاف تقف إلى جوار الشعب الفلسطيني وقد كشفت الكثير من الممارسات الهمجية للاحتلال الصهيوني الغاشم. 

 

ومن ملاحظاتنا على الجزيرة أنها لم تعط قضايا إسلامية حيوية حقها من التغطية الإخبارية المطلوبة فمثلا يتعرض أبناء الإسلام الآن في الهند لحملات ابادة وتطهير عرقية ودينية تستهدف وجودهم وتستهدف مساجدهم ومنازلهم بينما تتناول الجزيرة هذا الأمر بخبر صغير ولا تفرد له المساحة المطلوبة لكي تتحول هذه القضية إلى رأي عام إسلامي يؤثر على الموقف الهندي ويوقف هذا الاستهداف الخطير للمسلمين هناك وهكذا تفعل مع ما يتعرض له المسلمين في بورما " ميانمار " وفي تركستان الشرقية التي احتلتها الصين وفي غيرها من القضايا الإسلامية الكبرى ، وربما لأن قطر لا تريد أن تفقد مصالحها مع الهند والصين وبورما وغيرها ولذا تتناول الجزيرة هذه الأحداث بشكل عابر وفي بعض الأحيان تتجاهلها وكأنها لم تحدث .!!

 

لست ممن ينكر انجازات هذه القناة ولا يذكر ما أحدثته من أصداء ايجابية ومن تغيير فقد ساهمت في صناعة الوعي السياسي لدى جيل بأكمله ، كما قدمت تغطيات متفردة وبرامج رائعة وبأسلوب شيق وحققت أهداف كثيرة..

كذلك لست مع شيطنة هذه القناة ولا مع تقديسها واعتبارها المنبر المثالي للأمة وانما هي قناة لها وعليها ، وهي في الأخير إنجاز كبير يحسب لقطر وورقة رابحة لها ، فقد سوقت الجزيرة لهذه الدولة الصغيرة وجعلتها دولة مؤثرة في المنطقة والعالم بقوتها الناعمة التي تأتي الجزيرة في مقدمتها ..

 

نتمنى من القائمين على الجزيرة بعد إكمال ربع قرن من العطاء أن يجعلوا من هذه المناسبة فرصة للمراجعة وتلافي الأخطاء والتنبه للملاحظات ومنح المشاهد والخبراء الفرصة الكافية لتقييم أداء القناة وإعطاء القضايا الهامة أولوية في برامجها .

كما نتمنى على الجزيرة أن تفرد قضايا المسلمين في العالم مساحة كبيرة في تغطياتها الإخبارية وبرامجها المتميزة .

 

وبالأخير نهنئ ونحيي كل إعلامي في الجزيرة في يوبيلها الفضي ونشد على أيديهم ليؤدي دورهم في سبيل اظهار الحقيقة ونشر المعلومة وتكريس الرأي والرأي الآخر بكل مصداقية ومهنية.